عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان اكتمل نصاب اللعبة الداخلية، فـيما لا يزال نصاب انتخاب رئيس الجمهورية بعيد المنال.
بهذا المعنى، يبدو أن عودة الحريري لن تكون قابلة للتسييل الفوري فـي «مصرف» الاستحقاق الرئاسي، بالنظر الى النقص فـي «سيولة» التوافق السياسي، وبالتالي فان تأثيرها الحقيقي والمباشر سيظهر بالدرجة الأولى على مستوى إعادة ترتيب «الأثاث التنظيمي» المبعثر للبيت الداخلي فـي «تيار المستقبل»، بعدما أدى وجود رئيسه خارج لبنان لفترة طويلة الى ارتخاء فـي عصب العلاقة بين القيادة من جهة والاطر التنظيمية والشعبية من جهة أخرى، ما أدى مع مرور الوقت الى نشوء «جزر» تتمتع بحكم ذاتي على ضفاف هذا التيار.
ولعل أبلغ مثال على هذا الخلل، تمثل مؤخراً فـي «تمرد» وزير العدل اللواء أشرف ريفـي على توجهات الحريري، وتفرده باتخاذ قرار بالانسحاب من إحدى جلسات مجلس الوزراء اعتراضا على عدم تضمين جدول أعمالها اقتراح إحالة قضية ميشال سماحة الى المجلس العدلي، الامر الذي دفع الحريري فـي حينه الى التغريد عبر «تويتر»، قائلاً إن موقف ريفـي لا يمثله ورافضاً المزايدة عليه فـي ملف سماحة.
وقد انعكس هذا الاشتباك العلني تشنجاً فـي العلاقة بين قواعد الرجلين فـي مدينة طرابلس، حيث دارت معركة يافطات وصور بين أنصارهما، علما ان ما حدث سمح لوزير العدل ان يوصل رسالة عبر بريد الشارع السريع لمن يهمه الأمر، فحواها أن نفوذه الشخصي فـي مدينته أكبر من نفوذ الحريري، وانه سيكون الرابح فـي أي فرز او اختبار على الأرض، بعدما نجح خلال استلامه قيادة قوى الامن الداخلي ثم الوزارة فـي بناء حالة شعبية مؤيدة له فـي عاصمة الشمال بمعزل عن رصيد «المستقبل».
وسعياً الى احتواء تداعيات ما حصل، عقد الحريري فور رجوعه الى بيروت لقاء «غسيل قلوب» مع ريفـي، عالج الأزمة الأخيرة المستجدة، لكن ليس معلوماً ما إذا كانت مفاعيل المصالحة قد شملت «غسل النيات» التي يُرجّح أنها أصبحت بحاجة الى المزيد من مساحيق التنظيف.
والى جانب سد الثغرات التنظيمية وشد عصب جمهور «المستقبل»، هناك من يعتقد أن عودة الحريري تتصل أيضاً بالتحضير لخوض الانتخابات البلدية، إذا حصلت فـي موعدها المقرر فـي أيار (مايو) المقبل، وسط معطيات تفـيد بأن الحريري يميل الى تشكيل لوائح توافقية مع الحلفاء والخصوم، حيث يستطيع، لتفادي ما أمكن من المعارك الانتخابية التي تحتاج الى إنفاق مالي كبير، يفوق القدرات الحالية للحريري الذي يعاني منذ مدة طويلة من تقلص فـي الموارد المالية، بلغ حد عجزه عن تسديد الرواتب المستحقة لعدد كبير من العاملين فـي مؤسسات «المستقبل»، ما أدى الى تراكم الديون المرتبة عليه.
وما زاد الطين بلة، تراجع الامداد السعودي للحريري بالمال السياسي، نتيجة انشغال الرياض بحربين مكلفتين، فـي اليمن وسوريا، بحيث باتت احتياجات رئيس «المستقبل» فـي آخر سلم الاولويات السعودية، إلا إذا كان الأمر يتعلق بتمويل مواجهة مباشرة مع إيران و«حزب الله» على الساحة اللبنانية، حيث يمكن للرياض عندها أن تبسط كفها مجدداً، لضرورات الصراع الاستراتيجي.
أما على مستوى وضع «14 آذار»، فان اليوم الاول للحريري فـي وطنه-الام وبدل أن يساهم فـي استنهاض الصفوف وتمتينها، أعطى مفعولاً عكسياً كاد يمزق ما تبقى من عروق صامدة و«عاملة» فـي جسم هذا الفريق، تحت وطأة العبارة القاسية التي وجهها الحريري فـي خطاب 14 شباط الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على مرأى ومسمع منه، عندما قال له بان المصالحة مع «التيار الوطني الحر» تأخرت كثيرا وانها لو حصلت من قبل، لكان جعجع قد وفر الكثير على المسيحيين ولبنان.
ولئن كان الحريري قد سارع الى إخماد الحريق الذي اشعله «ثقاب» هذه الجملة، عبر توضيحات استدراكية مهدت لعشاء «ترميمي» مع جعجع فـي معراب، إلا ان الارجح ان الجمر السياسي لا يزال كامنا تحت رماد التهدئة العلنية، فـي ظل شعور مزمن لدى جمهور «التيار الحر»، ومستجد لدى قواعد «القوات»، بأن الحريري يتهرب من تسديد فاتورة الشراكة الحقيقية مع المسيحيين ويتجاهل ارادتهم التي ترجمها تفاهم معراب عبر دعم جعجع ترشيح العماد ميشال عون.
وبرغم أن بعض الشخصيات المعترضة على خيارات «حزب الله»، والمسكونة بالحنين الى الماضي، لا تزال تكابر وترفض الاعتراف بتمزق تحالف قوى «14 آذار»، مؤكدة ان ما يجمع هذه القوى أهم مما يفرقها، إلا ان هناك فـي المقابل من يتساءل عن جدوى هذا التحالف وقيمته السياسية الفعلية ما دام عاجزاً فـي لحظة الحقيقة عن انتاج مقاربة مشتركة لأهم استحقاق دستوري ووطني، هو انتخاب رئيس الجمهورية، وسط الافتراق الحاد بين من يؤيد ترشيح النائب سليمان فرنجية ومن يدعم ترشيح العماد ميشال عون، حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً لحملات متبادلة بين الحلفاء الافتراضيين.
وانطلاقا من تباين الحسابات والمصالح حول ملفات عدة، ليس الاستحقاق الرئاسي سوى أحدها، فان الواضح ان عودة الحريري لن تكون قادرة لوحدها على لمّ الشمل وجمع الشتات.
وأغلب الظن، ان الاصطفاف القديم على قاعدة «8» و«14 آذار» بات منتهي الصلاحية حتى إشعار آخر بعد خلط الاوراق والتحالفات فـي وعاء الملف الرئاسي، بحيث افترق عون عن فرنجية واختلف الحريري مع جعجع، بينما جمعت الضرورة الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط حول ترشيح فرنجية، وتقاطعت «القوات» مع «حزب الله» عند ترشيح عون.
أما الصورة التي جمعت قيادات «14 آذار» بطلب من الحريري، على مسرح احتفال البيال بعد انتهائه من إلقاء خطابه، فالارجح انها للتعويض عن النقص فـي الـ«كالسيوم السياسي» لهذا الفريق، وللتمويه على حقيقة تبعثره.
Leave a Reply