ليس صدفةً أنْ تحلَّ هذا العام أهم مناسبة دينية عند الطوائف المسيحيَّة الكريمة وهي عيد ميلاد السيِّد المسيح، إبن البتول الطاهرة مريم العذراء، مع أربعين سيِّد الشهداء الإمام الحسين، إبن البتول الأخرى سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء. وَإِنْ كانتْ المناسبات الدينية الإسلامية والمسيحيَّة قد دأَبَتْ منذ مدَّةٍ على التداخل والتزامن مع بعضها البعض، لكنَّها في الجوهر تحمل في توحُّدها وتشابكها معنىً أكبر من حيث الدلالة والرمزية، وكأنَّها رسالة إلهية إلى بني الإنسان بوحدانية الله وآحادية الرسالات السماويَّة، وبالتسامح والسلام والمحبَّة في وجه أكبر موجة ظلامية تكفيرية جاهليّْة خوارجية إجراميَّة ضد الله والأديان في تاريخ البشرية.
فقد سارالإمام الحسين على خُطى الشهادة والتضحية من أجل إصلاح أمَّة جدِّه الرسول الأعظم ومشى النبي عيسى على طريق الجلجلة من أجل الفداء ولذلك نزَع سماحة الإمام السيِّد موسى الصدر عليه صفة الفادي، المحبَّبة لدى المسيحيين، والتي تصدر لأول مرّة عن رجل دين مسلم. ويلتقي الحسين ويسوع بارتقائهما الفكري والإنساني والسلوكي والثوري الى مراتب غير دنيوية لنقلِ البشرية من زمن الإنحطاط والدونية والتخلٌّف إلى عصر التحرُّر والنهضة الروحيَّة والنفسيَّة والحضاريَّة.
وقد احتفل التكفيريون بالميلاد على طريقتهم الخاصة بحرق شجرة الميلاد في طرابلس، بينما نُصبت الشجرة في قلب «الضاحية» وفي مدينة صور وباقي مناطق الجنوب والبقاع. فهاتان المناسبتان هما رسالة واحدة قوية لملَّة الكفر والخوارج الذين يرتكبون اليوم في مصر وليبيا وتونس واليمن والبحرين والعراق وخصوصاً سوريا، وبإسم الله العلي القدير، أعظم وأشر الفواحش التي يندى لها الجبين والضمير والقيم. لقد قُيِّض لنا أنْ نشهد عصر «أسامة بن لا دين» و«القاعدة» و«النصرة»، ثم آخر الأثافي «داعش». وبعد أنْ كان عقلنا لا يستوعب كيف يُصلب المسيح ويُذبح الحسين بدمٍٍ بارد، عرفنا اليوم كيف تٌرتكب المُحرَّمات في زمن فتاوى غب الطلب التي تُحلِّل الكبائر مثل ذبح الرجال والأطفال وقطع الرؤوس وشويها وشق الصدور وأكل الأكباد وجَلْد الأولاد حتى الموت بسبب عدم الركوع لأمير الظلام «الداعشي» وقتل الأفراد لعدم معرفتهم عدد الركعات في الصلاة، وتبرير الزنا باسم جهاد النكاح وحتى سِفاح القربى وبيع الأعراض وهتكها، وافتعال مجازر جماعية ضد المدنيين العُزَّل وإجبار الدروز على إشهار إسلامهم وكأنَّهم كفَّار، وتدنيس المقدَّسات والمقامات الإسلاميَّة والمسيحيَّة، إلى آٓخر القائمة الطويلة من «منجزات» الإرهابيين التكفيريين الذين لم يُسِء أحدٌ لله والدين الاسلامي الحنيف أكثر منهم ومن أعمالهم الشيطانية.
ولكن بعد عامين من الدماء والمجازر والنزف البشري والنزوح والدمار العمراني وسرقة آثار سوريا وتراثها التاريخي ومصانعها وأسواقها وأدمغتها وإعلامييها عبر أكبر مجزرة إنسانية وسياسية واجتماعية واقتصادية وحضارية، جاوز الظالمون المدى واتَّسع خطرهم وانتشر إلى لبنان من سوريا وعادوا إلى العراق حيث بدأوا والآٓن في مصر (تفجير المنصورة) واستأْنفوا بثَّ أحقادهم وسمومهم، حتى أوروبا لم تعد تسلم من شرِّهم فاضطُرَّتْ مُذعنةً للتعاون ولو بالسِّر مع الحكومة السورية التي كانت تحاربها وتساند قُطَّاع الطرق وشُذَّاذ الآفاق عليها إلى أنْ جاء الدور عليها.
في المنطقة اليوم تكتل غير مُعلن بين التكفيريين المجرمين بدعمٍ من التحالف السعودي الإسرائيلي المستجد ومعهم صغار «١٤ اآذار»، وبين تحالف قوى الممانعة وأساسه سوريا وإيران والعراق وقوى «٨ آذار». ومن المؤسف أنَّ ميشال سليمان يقف مع المعسكر الأول بتمنُّعه عن تشكيل حكومة وطنية جامعة حتى لا يُغضِبْ اآل سعود الذين اتَّخذوا قرار تدمير البلد رغم كذب الغرب أنَّ لبنان في منأى عن الإنفجار. لكن لا يهم طالما أنَّ سمير جعجع راضٍ عن سليمان الذي سمَّاه «استثناءً» وامتدح «مواقفه الوطنية». من هنا يجب أنْ يعلم سليمان أنَّه في ورطة وأنَّه في الموقع الغلط وَإِنْ شاء الله لا «يلزقه» سمير جعجع إحدى تنبؤاته التي لم «تزبط» منها ولا واحدة!
ليس صحيحاً أنَّ البلد السائب هو تحت مظلة الأمان، لكنه عالة على متصرِّفيه وأولياء أمره وهو المكان الأمثل لتبادل الرسائل المحلية والإقليمية والدولية، فهو وُلد جهيضاً واستمر من دون سيادة. واليوم، باعتراف سليمان نفسه من دون خجل، تُرك الأمر للعائلة البندرية المالكة لتدير شؤونه فتمَّ تشجيع الإرهاب وحماية المجرمين التكفيريين والتغاضي عنهم، بل تكريمهم في سجن «رومية» الذي أضحى فندقاً لهم بعشر نجوم تحت سمع وبصر وزير «الملابس الداخلية» المحسوب على رئيس الجمهورية. لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: إذا تحكَّم «الداعشون» بمسيحيي «١٤ عبيد زغار» فهل سيرحموهم أم «يدعشوهم» ويعاملوهم كأهل ذمة وكفاراً، فهم ليسوا أفضل عندهم من الدروز؟!
وقد بلغ غضب وذعر السعودية حدَّاً جعل أذنابها في لبنان يقومون بحملة إقصائيَّة إعلاميَّة عنيفة ضدَّ الفنَّان الكبير زياد الرحباني بعد إفصاحه بأنّ والدته الأيقونة الكبيرة فيروز تحب السيِّد حسن نصرالله فخربتْ الدنيا وجُرِّدتْ حملة رهيبة عليه كان آخرها من المدعو بول شاؤول (موفاز) الذي يسعى للعودة للشهرة مجدَّداً بعد أنْ أصبح مغموراً ونسياً منسيَّاً. لقد انسحب هذا الجنون الى المرتزقة من صغار الكَتَبة الذين يأكلون من «خبر السلطان» ويضربون بسيفه الإعلامي الجائر والذين كانوا يوماً أعضاءً في كتلة اليسار وكانوا «ينتفون» ريشة «اليمين الرجعي» ليلاً نهاراً! لكن حتى «الجنس العاطل» تبيَّن أنَّه أكثر ثباتاً من تبدُّلاتهم وتحوُّلاتهم المتهورة حسب سوق القطع البترودولاري.
أمَّا حكومة حوت المال نجيب الحريري المستقيلة، فلا تساوي قرشاً أيام الغلاء لولا إنجازات وزراء «التيَّار الوطني الحر». فحتى نجيب نفسه «تناتش» مع حليفه السابق محمَّد الصفدي على تمويل «محكمة إسرائيلية» مليئة بالإرتكابات والأخطاء والمؤامرات. وقبله تصارع هذا الحليف مع وزير الأشغال المستقيل غازي العريضي الذي أصبح على ما يبدو من دون «عازي» بعد أنْ رُفع «الغطاء الجنبلاطي» عنه، ولا أسف عليه لأنهم كلهم في النهب والسرقة سواسية. ويبدو أن البيك الاشتراكي، الذي يريد إزاحة المتحدِّين لوراثة إبنه تيمور، ليس من مصلحته بقاء فاسد أكبر منه في السلطة خصوصاً أنَّ العريضي الذي بدأ حياته فقيراً مُعدماً لا يلبس بذلاته الأنيقة إلاَّ من باريس لأنَّ «شبه الوطن» لم يسمع بقانون من أين لك هذا، يا بضاعة؟!
السنة المقبلة ٢٠١٤ ستكون سنة الحسم في سوريا ولبنان بعد أنْ أخطأ «المدعوشون» في لبنان وتبنُّوا قرار أسيادهم وأعلنوا الحرب من طرابلس ووقفوا مع المجرم الفار أحمد الأسير في صيدا الذي يرسل إرهابييه لقتل الناس والجيش، بينما تواصل إسرائيل قضم الأراضي الفلسطينية وتشن غارات مجرمة على غزّْة فلا يلتفت لها أهل التكفير و«الزرقاويون» لأنَّ العدو الصهيوني اليوم هو صديق حميم لوليِّ نعمتهم الذي يعميه الحقد والغضب. لكن الغضب الساطع الحقيقي الذي غنَّته فيروز هو آتٍ لا محالة!
Leave a Reply