يصادف هذا الأسبوع، الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية، كما الذكرى الـ37 لتأسيس صحيفة «صدى الوطن»، التي كانت شاهدة –منذ تأسيسها عام 1984– على نمو وتطور المجتمع العربي الأميركي في منطقة ديترويت، حتى في ظل السنوات العجاف التي أعقبت الاعتداءات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، والتي لم تثن جاليتنا عن تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على المستويين المحلي والوطني.
لقد شكّلت هجمات الحادي عشر من أيلول، الحدث الأكثر مأساوية ورعباً في بداية القرن الحادي والعشرين، ليس بالنسبة للأميركيين فحسب، وإنما بالنسبة للعالم برمته، بعدما تسببت بشنّ حربين، هما الأكثر عنفاً وكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، عبر غزو العراق وأفغانستان، التي لم يمض سوى بضعة أيام على انسحاب القوات الأميركية منها، وعودة حركة طالبان إلى السلطة فيها.
ولا يخفى على أحد أن العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة كانوا من بين أكثر المتضررين من تلك الهجمات الإرهابية التي تسببت لهم بشتى أنواع التمييز والتهميش والترهيب.
فعلى الصعيد الوطني، عايشت الولايات المتحدة تبدلات عميقة ومؤلمة في النظم الحكومية والقانونية والمدنية، وحتى في المزاج الشعبي الأميركي، على وقع سياسات وبرامج مكافحة الإرهاب، وما نجم عنها من إجراءات تتوخى تعزيز الأمن في المطارات والمنافذ الحدودية، وتشديد التجسس الإلكتروني والمادي على الأميركيين، وتكثيف المراقبة على المراكز الإسلامية، إضافة إلى التنميط العرقي للمسلمين، وحظر السفر إلى الولايات المتحدة من دول ذات أغلبية مسلمة.
عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر، كان قد مضى على تأسيس «صدى الوطن» حوالي 17 عاماً، وكانت الصحيفة خلال هذه المدة مواكبة لحيوية الجالية العربية وحضورها المتنامي في منطقة ديترويت على شتى الصعد، ورصدت –في الوقت ذاته– الأثر المدوي الذي ألحقته الهجمات الإرهابية بمجتمعات العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، الذين تلقوا الصدمة الأولى، قبل أشقائهم في الأوطان الأم، بعدما سادت الشكوك حول هويتهم وانتمائهم الأميركي، وباتت حقوقهم الوطنية والدستورية، على المحك.
وكانت معركة الحقوق المدنية والدستورية فصلاً إضافياً في خضم المعارك التي خاضتها «صدى الوطن» دفاعاً عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي كانت –على الدوام– بوصلة الصحيفة، وخيارها الاستراتيجي الذي لا محيد عنها، مهما عظمت التحديات أو المغريات.
ومنذ عام 2001، تضاعفت المهام التي تبنتها «صدى الوطن»، فإلى جانب الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحقوق الشعوب العربية الأخرى في تقرير مصيرها، فقد تصدّت الصحيفة لجميع السياسات التي تحاول التضييق على العرب الأميركيين وتهميشهم تحت شتى الذرائع، كما أنها كرست جهوداً متواصلة لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وما تنطوي عليه من تحامل وكراهية تجاه المسلمين، ونجحت إلى حد بعيد في تفنيد شتى المقولات والتصورات المنطوية تحت طائلة «التخويف من المسلمين».
وعلى الرغم من استمرار الضغوط المجحفة على المجتمعات العربية والإسلامية تحت عناوين مكافحة الإرهاب، إلا أن العرب الأميركيين برهنوا أنهم يمتلكون قدرة هائلة على امتصاص الصدمة التي حفزتهم –أكثر فأكثر– على ترسيخ حضورهم الاجتماعي والثقافي والسياسي، عبر تصميمهم على المشاركة والانخراط في الحياة الأميركية بكافة وجوهها.
السنوات العجاف لم تدم طويلاً، إذ تبعتها «سنوات سِمان» عكست الطاقة الحضارية للعرب الأميركيين في منطقة ديترويت، والذين نجحوا بالوصول إلى مناصب مرموقة في مختلف المناحي السياسية والحكومية والقانونية، ناهيك عن دورهم اللافت في تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي بالعديد من المدن التي يشكلون فيها كثافة وازنة ومؤثرة، مثل ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك، فيما كانت المدن المجاورة تعاني الأمرّين بعد أزمة الركود الاقتصادي عام 2009.
وعلى الرغم من سنوات تعرض فيها العرب والمسلمون في الولايات المتحدة لحملات تشويه ممنهجة من قبل اليمين المتطرف ومروجي الإسلاموفوبيا، إلا أن ولاية ميشيغن تمكنت سريعاً من تجاوز تلك العوائق بفعل إنجازات أبناء الجالي في شتى المجالات، بما فيها السياسية، حيث شهدت الولاية في العام 2018 ترشح أول عربي وأول مسلم لمنصب حاكمية ميشيغن، وهو المصري الأصل عبدول السيد، الذي رغم خسارته الجولة التمهيدية للحزب الديمقراطي، إلا أنه حصل على 30 بالمئة من الأصوات، وحل ثانياً خلف الحاكمة الحالية غريتشن ويتمر، وذلك رغم فظاظة الخطاب السياسي والإعلامي المناوئ لهم.
الثقل السياسي للعرب الأميركيين بولاية ميشيغن، لم يقتصر على تولي المناصب الحكومية الرفيعة، وإنما تبدى من خلال القوة الانتخابية للمجتمع العربي الأميركي، والتي لعبت دوراً مؤثراً، بل ويكاد يكون حاسماً، في سباقات الحاكمية والادعاء العام وسكرتاريا الولاية عام 2018، كما تمكنت صناديق الاقتراع في المناطق ذات الكثافة العربية من ترجيح كفة المرشحين في السباقات الوطنية، كالسباق الرئاسي، وسباق الكونغرس الأميركي.
وهذه مدينة ديربورن هايتس التي تتزايد فيها الكثافة العربية بمرور الأيام، تصبح لأول مرة في تاريخها تحت قيادة عربي ومسلم، هو رئيس البلدية اللبناني الأصل، بيل بزي، الذي عيّن –بالأغلبية– خلفاً لرئيس البلدية الراحل دان باليتكو، والذي تمكن –في آب (أغسطس) الماضي– من تصدر الجولة التمهيدية لسباق رئاسة البلدية بفارق شاسع عن جميع منافسيه، وهو إنجاز غير مسبوق لأي مرشح عربي في تاريخ المدينة.
أما في ديربورن، المعروفة بأنها «عاصمة العرب الأميركيين»، فقد سجلت مفارقة جديرة بالملاحظة والتسجيل. ففي عام 2001 تمكن المرشح اللبناني الأميركي، المحامي عبد حمود، من الانتقال إلى الجولة النهائية لسباق رئاسة بلدية ديربورن، بعدما حلّ في المرتبة الثانية، ليتأهل لخوض الانتخابات العامة في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام، وحينها وقعت هجمات الحادي عشر من أيلول التي كان لها أكبر الأثر في خسارة حمود للسباق.
وبعد عشرين عاماً، ها هو النائب اللبناني الأصل في مجلس ميشيغن التشريعي، عبد الله حمود، يسجل انتصاراً تاريخياً في الجولة التمهيدية لسباق رئاسة بلدية ديربورن، بعدما تصدر الجولة الأولى متقدماً بأشواط واسعة على جميع منافسيه، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من ترؤس بلدية سابع أكبر مدن ولاية ميشيغن.
وعلى نفس الشاكلة، تعيش هامترامك مرحلة لافتة تتميز بتوطيد الدور اليمني في المدينة ذات الأغلبية المسلمة، والتي أصبحت أول مدينة أميركية يشكل المسلمون أغلبية أعضاء مجلسها البلدي، عام 2016. وفي الانتخابات التمهيدية، في أغسطس الماضي، نجح المرشح اليمني الأصل، الدكتور عامر غالب، في تصدر الجولة التمهيدية لسباق رئاسة البلدية، حيث سيواجه في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، رئيسة البلدية التي تتولى المنصب منذ العام 2005، وفي حال فوزه أيضاً سيصبح غالب أول عربي أول مسلم يتولى قيادة المدينة.
هذه الانتصارات، وغيرها الكثير من الإنجازات الباهرة، التي ترفع الرأس، كانت «صدى الوطن» شاهدة عليها، ومساهمة في معظمها. وإننا –في «صدى الوطن»، لنؤمن بأنه رغم حزمة الإنجازات التي حققها العرب الأميركيون على مر السنين السابقة، إلا أنه لا يزال أمامهم الكثير من الاستحقاقات التي تتطلب المزيد من الإصرار والمثابرة والتكاتف ووحدة الجاليات العربية التي عانت بعض التمزق والانقسام على خلفية ما يحدث في العالم العربي.
اليوم تحتفل «صدى الوطن» بعيد تأسيسها السابع والثلاثين، وهي تدرك أن مسيرتها كانت طويلة وشاقة، لكنها كانت أيضاً مثمرة في تشكيل مجتمع عربي أميركي غني وفاعل.
عندماً تأسست «صدى الوطن»، يوم السابع من أيلول 1984، لم يكن للمجتمع العربي في ديربورن أي حضور يذكر خارج الطرف الجنوبي من المدينة (الساوث أند). ولكن بعد 37 عاماً، كانت خلالها «صدى الوطن» توأم الجالية العربية الأميركية، أصبحت الصحيفة والجالية العربية في منطقة ديترويت، علامة فارقة بين الجماعات الإثنية في ميشيغن، وفي عموم وطننا الأميركي الجديد.
«صدى الوطن»
Leave a Reply