في السابع من أيلول (سبتمبر) ٢٠١١ تطفئ “صدى الوطن” شمعتها السابعة والعشرين، وتدخل السنة الجديدة وكلها عزم على مواصلة خطها الذي انتهجته منذ انطلاقتها الأولى عبر التزامها بالقضايا العربية وهموم العرب في أوطانهم وفي مهاجرهم، ولاسيما في الولايات المتحدة.
لقد حققت “صدى الوطن” خلال هذه الفترة الطويلة الكثير من النجاحات بفضل إيمان أبناء الجالية بدورها ورسالتها المجتمعية والسياسية في تمثيل وحماية مصالح العرب الأميركيين وقضاياهم، وتطورت بالتزامن مع تطور أوضاع الجالية العربية. ومثلما استطاعت الصحيفة تجاوز الكثير من المحن بفضل العلاقة الوثيقة بينها وبين أبناء الجالية، كذلك تمكنت من مواكبة التغييرات العميقة التي طالت مجتمعاتنا هنا، وعملت دائما لصالح تعميق الدور والمكانة لكل من الصحيفة والجالية التي تخدمها.
ولكن العقد الأخير شهد تحولات كبيرة بدءا من هجمات “١١ أيلول” المشؤومة التي أفرزت موجات مشبوهة ومتلاحقة من الكراهية والعداء للعرب والمسلمين، وأدركت “صدى الوطن” منذ البداية الأخطار التي تصاحب ذلك النوع من الأفكار والمواقف التمييزية، فأخذت على عاتقها التصدي لتلك الحملات وتقويض مزاعمها، وإظهار مساهمات العرب في إغناء وازدهار المجتعمات التي يعيشون فيها، سياسيا وتعليميا واقتصاديا، ولا أدل على ذلك من اعتراف حاكم ولاية ميشيغن ريك سنايدر في أحد المؤتمرات الأخيرة التي ساهمت “صدى الوطن” في تحضيرها، حين قال: “لقد قام العرب بإعادة اختراع ديربورن”.
ولقد كان من الطبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد في السنوات الأخيرة أن تتضرر الأوضاع الاقتصادية لاسيما في مجتمع الجالية العربية التي يتملك ويعمل معظم أبنائها في مجال “الأعمال الصغيرة” والوظائف والمهن الأخرى، وقد انسحب ذلك التأثير المادي على الصحيفة، خاصة وأن مصدر تمويلها الوحيد يأتي من الإعلانات، ولكننا استطعنا تجاوز هذه المحنة رغم المعاناة، مستفيدين من تجربتنا خلال السنوات الطويلة الماضية، كوننا انطلقنا أساسا معتمدين على الجالية وأنفسنا بعد الاتكال على الله عز وجل.
كثيرة هي الجبهات التي نحارب عليها، فها نحن على أبواب الذكرى العاشرة لهجمات أيلول الإرهابية التي ضيقت هوامش الحريات والحقوق المدنية، بل كادت أن تهدد جوهر هذه المسألة رغم تاريخها العريق وتراثها الخصب، وذلك من خلال إجراءات وتشريعات ظالمة ومتحيزة بدعوى إرساء منظومات أمنية وحكومية تحمي البلاد من التعرض للهجمات الإرهابية. ولكن مثل تلك الممارسات ما كانت إلا لتزيد الطين بلة، وإن اقتراح قوانين ضد الشريعة (الإسلامية) فيما يزيد عن ٢٠ ولاية أميركية ليس إلا مثالا عن الفهم غير الحصيف لأصل المسألة التي جاءت بنتائج وخيمة، تندرج “زيارات” القس تيري جونز الاستفزازية الى ديربورن وحملات التشويه اليمينية، في صلبها بلا أدنى شك.
ولقد كنا في “صدى الوطن” واعين لآثار ذلك النوع من السياسات والحملات التمييزية العمياء، ولم نوفر جهداً ولم نبذله في هذا الخصوص، سواء عند التواصل مع قراء صحيفتنا، ومدهم على الدوام بمستجدات الأمور، أو عبر تواصلنا مع المسؤولين ووسائل الإعلام الأميركية والمجتمع الأميركي.
وتأتي الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين لتزيدنا أملا بقدرة الإنسان العربي على التغيير وتحقيق طموحاته وأحلامه والمطالبة بحقوقه التي لطالما كانت الأساس في خطابنا السياسي والقومي الذي ينشد الاستقلالية والتحرر من الهيمنات الخارجية ومن الديكتاتوريات التي عاثت في بلادنا فساداً. ولقد حرصت الصحيفة على مواكبة تلك الثورات بحماسة خاصة وتبصر عميق يحميها من الانزلاق والتعامي عن المخاطر التي تحاك لتقسيم المنطقة عبر إذكاء حساسيات دينية ومذهبية وعرقية أو تاريخية، تضع الناس والأوطان جميعها في مهب الريح. لقد كان المعيار في موقفنا من تلك الثورات جميعها هو الأوطان التي كنا نحلم دائما بعلو كعبها واستدامة رسالتها ورص بنيانها لتكون قلعة في مواجهة الخطر الإسرائيلي المحدق.
كما أسهمت “صدى الوطن” في العام الماضي مع وسائل الإعلام الأميركية الكبرى ووسائل إعلام إثنية في جهود مشتركة لناحية تبادل الخبرات حول مواضيع ثقافية وحضارية متنوعة، وهو ما سوف يمكننا من مواجهة تحديات عالمية ووطنية داخلية، وكان مؤتمر “جمعية الصحفيين الآسيويين الأميركيين” الأخير في مدينتي ديترويت وديربورن خير مثال يظهر أهمية العمل المشترك. كما أنه من ناحية ثانية يمكننا من القول إن مستقبل أميركا هو في الإعلام الإثني، وإننا نتطلع من هذا المنطلق في وضع تجربتنا التي يزيد عمرها عن ربع قرن في سياق التعاون مع شركائنا في الوطن لعقود قادمة.
Leave a Reply