مرّت مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، ويوم الاثنين الماضي صادف 15 أيار (مايو) الذكرى السنوية الـ69 للنكبة الفلسطينية التي توصف بأنها واحدة من أسوأ عمليات التشريد والتطهير العرقي في التاريخ المعاصر.
لقد تعاقبت عقود طويلة وثقيلة على الفلسطينين، في الداخل وفي الشتات. وواقع الحال.. أن العالم العربي ليس أفضل مما كان عليه عند إعلان قيام الدولة العبرية بعد تهجيرها القسري والجماعي لما يزيد عن 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، وتدمير ما يزيد عن 500 قرية فلسطينية، واحتلال الصهاينة لـ78 بالمئة من أرض فلسطين.
على الأقل، كان حينها جيش الإنقاذ المؤلف من عدة جيوش عربية قد طالب الفلسطينيين بالرحيل المؤقت ريثما يتمكن من هزيمة الإسرائيليين وسحقهم، و«رميهم في البحر». أما اليوم فقد بات العالم العربي يخلو حتى من الوعود والشعارات بتحرير فلسطين ودعم حقوق الفلسطينيين بالعودة، فمعظم الدول العربية باتت –في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي– تعيش في شبه غيبوبة بعدما تخلت عن فلسطين لعقود ممضة وتركتهم يواجهون أقدارهم بمفردهم أمام أعتى آلة عسكرية وعنصرية في العالم، لينتهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بـ«مفاوضات سلام» ماراتونية، تدور في حلقات مفرغة ولانهائية من المحادثات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تقدر أن تعيد للفلسطينين أقل القليل من حقوقهم العادلة والمشروعة.
وحتى حركة «حماس» –التي تأسست مشروعيتها على الكفاح المسلح وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل حدودها التاريخية– فقد تراجعت عن أهدافها وأعلنت –مؤخراً– عن قبولها بمبدأ السلام مع المحتل الإسرائيلي، وفق مبدأ «حل الدولتين»، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الـ67.
في سياق مواز، وفيما يخص قضية اللاجئين فإن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا) التي أنشأتها الأمم المتحدة في أعقاب النكبة 1948 فهي تعرف اللاجئين الفلسطينيين بأنهم «هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948 والذين فقدوا بيوتهم وموارد رزقهم نتيجة حرب 1948».
اللاجئون بحسب تعريف «أونروا» ازدادت أعدادهم من 711.000 عام 1950 ليصل إلى 4.7 مليون لاجئ مسجلين لدى الوكالة الدولية عام 2010، وهؤلاء يتوزعون في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية.
ومنذ عام 2015، بات اللاجئون المسجلون يعانون من نقص الخدمات التي كانت تقدمها «أونروا» في مجال الصحة والإغاثة والتعليم والخدمات الاجتماعية، بعدما اتخذت الوكالة الدولية تدابير تقشفية صارمة، حيث أعلنت في حزيران 2015 أن 85 بالمئة من إجمالي أعداد موظفيها الدوليين سيفصلون من العمل ضمن إجراءات تهدف إلى تقليل التكاليف إلى الحد الأدنى الممكن، وذلك بسبب نضوب مصادر التمويل لـ«أونروا» التي ساهمت لعقود من تخفيف معاناة المشردين والمهجرين من البطالة وقسوة الحياة في المخيمات الفلسطينية.. التي يفتقد معظمها لأبسط مقومات العيش الكريم.
ناهيك عن أن اللاجئين الفلسطينيين يعاملون في بعض البلدان العربية كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، حيث يمنع عليهم العمل في بعض القطاعات، فعلى سبيل المثال وصل عدد المهن الممنوع على الفلسطينيين مزاولتها في لبنان في بعض المراحل إلى أكثر من 75 مهنة.
أما قطاع غزة، فهو يوصف بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم، وتعيش مخيماته، رفح وخان يونس والنصيرات وجباليا وبيت لاهيا والبريج، حصاراً خانقاً، إلى جانب معاناتها من ارتفاع معدلات البطالة إلى 80 بالمئة، مما يجعلها الأعلى في العالم.
وكانت «وكالة غوث» قد قامت في السنوات الأخيرة بقطع أغلب خدماتها عن اللاجئين الفلسطينيين وأوقفت مساعداتها لأكثر من 11 ألف اسرة بذريعة تحسن أحوالهم المعيشية. وفي الواقع فقد ازدادت ظروف القطاع سوءاً بسبب شن إسرائيل ضربات جوية متكررة، مستعملة أسلحة محرمة دولياً في عامي 2008 و2012، مما زاد في المعاناة الإنسانية للأسر الفلسطيينية التي فقدت خلال الحربين آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والمعاقين.
وعلى الرغم من انسحاب إسرائيل من القطاع ٢٠٠٥ إلا أن الغزيين لم يذوقوا طعم الحرية بل باتوا داخل سجن معزول يضم حوالي مليوني شخص في مساحة صغيرة باتت الأعلى اكتظاظاُ سكانياً في العالم.
أما الأوضاع الإنسانية في الضفة الغربية فليست أفضل حالاً، إذ يخضع الفلسطينيون لنظام معقد من السيطرة، بينها عوائق مادية (كالجدار والحواجز والمتاريس)، إضافة إلى العوائق البيروقراطية (كالتصاريح وإغلاق المناطق) التي تحدّ من حرية تنقل الفلسطينيين، إضافة إلى استمرار إسرائيل في توسيع مستوطناتها ومصادرة أراضي الفلسطينيين.
وتشير تقارير متواترة إلى سعي المستوطنين المتزايد لزيادة سيطرتهم على المناطق المحيطة وعلى الموارد الطبيعية ومحاولات إزالة الوجود الفلسطيني.
كل هذه المعاناة الفلسطينية فيما تدير معظم الدول العربية ظهرها لفلسطين التي كانت توصف ذات يوم بأنها «قضية العرب المركزية»، وفي مقدمة تلك البلدان دول الخليج التي كانت عراب تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية متجاهلة آلام وحقوق الشعب الفلسطيني.
هذا العام، مرت الذكرى الـ69 خجولة، بينما تلعق الشعوب العربية جراحها وتغرق في مآسيها الوطنية، فيما يحيي الفلسطينيون وحدهم الذكرى السنوية وسط إصرار أشد على التمسك بحقوقهم الوطنية والتاريخية، أما هنا، في ديربورن فقد مرت الذكرى بصمت يشبه صمت القبور.
وإننا في «صدى الوطن» –وبهذه المناسبة المؤلمة– نعيد التذكير بالتزامنا بالقضية الفلسطينية ودعمنا لنضالات الشعب الفلسطيني، بلا خوف ولا وجل!
Leave a Reply