دمشق تحذّر تل أبيب من مغامرة تضع المدن الصهيونية تحت مرمى صواريخها
القلق من امتلاك المقاومة صواريخ مضادة للطائرات يؤخر اندلاعها
بيروت –
منذ وصول اليمين الإسرائيلي الى الحكم، بعد فوزه في انتخابات الكنيست، برئاسة بنيامين نتنياهو الذي شارك حزب العمل بزعامة إيهود باراك، في حكومة “ائتلاف وطني” دخل إليها متطرفون، فاحتل رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” افيغدور ليبرمان المهاجر من روسيا، مطلع التسعينات، منصب وزير الخارجية، حيث يكشف يومياً عن توجهاته العنصرية ضد الفلسطينيين والعرب، إذ دعا الى تدمير غزة، والى ضرب مصر وسد أسوان، وتهجير الفلسطينيين وإبادتهم.
فما يقوله ليبرمان، يعبّر عن توجّه الحكومة الإسرائيلية، التي تعمل للحرب وليس للسلام، الذي عطّلته، ولم تستجب للدعوات الأميركية التي أطلقها الرئيس باراك اوباما، وقبله الرئيس السابق جورج بوش، لإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، لكن التعنّت الإسرائيلي، أوقف عملية السلام، واستمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من حزبَي العمل والليكود، في إقامة المستوطنات، وقضم الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، والإعلان عن يهودية الدولية العبرية التي باركتها الإدارة الأميركية الحالية والسابقة، الى مشروع طرد الفلسطينيين القاطنين في الأراضي المحتلة منذ العام 1948.
كل هذه المؤشرات، تدلّ على أن إسرائيل دولة حرب دائمة، وليست معنية بالسلام الذي رفضت مقايضته بالأرض، وفق أسس مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد عام 1991، الذي بنيت عليه عملية السلام، من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي، مما يؤكد أن النوايا الإسرائيلية العدوانية، لا تزال قائمة، وأن المؤسسة العسكرية الصهيونية تتحيّن الفرص من أجل شن حروب واعتداءات جديدة، ولو كانت أحياناً تحاول أن تستظل عملية سلام، كما حصل في اتفاقية “كامب دايفيد”، التي وقّعتها مع مصر، وأخرجتها من الصراع العربي–الإسرائيلي بإعادة سيناء إليها، وهي ليست حاجة إستراتيجية لإسرائيل، بعد أن حوّلت النظام المصري في المعاهدة التي وقّعتها معه، الى حرس حدود لها وضامن لأمنها، وتحوّلت الى جنوب لبنان، تحتل أرضه في آذار 1978، تحت اسم “عملية الليطاني” بإبعاد المقاومة الفلسطينية وسلاحها عن الحدود، الى مسافة 20 كلم، وهي المسافة التي كانت تطلق منها صواريخ “الكاتيوشا” الى الجليل الأعلى والمستوطنات القائمة فيه.
خروج الجمهورية المصرية من الصراع العربي–الإسرائيلي، فرّغ الكيان الصهيوني الى حروب ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، فكان اجتياح العام 1982 الذي وصل الى بيروت الذي جابهته المقاومة وأخرجته من أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة، حتى كان التحرير في العام 2000، الذي سبقته حربان في تموز 1993 و1996 إضافة الى الاعتداءات الإسرائيلية التي لحقت بالمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، بعد أن ظهرت انتفاضة الحجارة في العام 1987 ثم تطورت الى الكفاح المسلح والى العمليات الاستشهادية التي هزت أمن إسرائيل وأجبرت أرييل شارون على الانسحاب من محيط قطاع غزة، وإزالة 21 مستوطنة يهودية.
هذه الحروب المستمرة، تعتبرها إسرائيل ترتبط ببقاء كيانها الغاصب، وللحفاظ على أمنها، إذ خاضت حروبها تحت هذا العنوان، وكان شارون يرى أن أمن إسرائيل، يبدأ في باكستان وصولاً الى إفريقيا، وأن الحروب التوسعية الصهيونية، كانت تحت عنوان “الأمن الوقائي”، وقد خاضت حرب 2006 ضد لبنان، مستهدفة المقاومة فيه التي تمتلك صواريخ تصيب عمق الكيان الصهيوني، ففشلت في تدمير الترسانة الصاروخية لـ”حزب الله”، التي زادت حسب تقارير إسرائيلية، الى حوالي أربعة أضعاف، وبات الحزب يملك حوالي 80 ألف صاروخ، كما يقول شيمون بيريز، رئيس الدولة العبرية، ويعتقد وزير الدفاع إيهود باراك أن عدد الصواريخ بلغ حوالي الـ 40 ألف صاروخ.
فإسرائيل، تستعد لحرب جديدة، وهي تقوم بمناورات وتدريبات، وإعداد الجبهة الداخلية، لحرب منتظرة، وقد حاولت في نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009، التعويض عن خسارتها في لبنان، بعدوان على غزة، فلاقت المصير نفسه، إذ صمدت المقاومة فيها، 2٣ يوماً، ولم تتمكّن قوات الاحتلال من وقف الصواريخ على مستوطناتها، ولا التي وصلت الى عمقها، كما لم تحرّر الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وهو السيناريو نفسه، الذي حصل في لبنان، ولذلك يستعد الجيش الصهيوني لحرب جديدة، ليستعيد فيها هيبته وقوة ردعه، بعد أن أذلّته المقاومة، باعتراف تقرير لجنة فينوغراد، وأن الخوف والرعب يسيطران على المستوطنات والمدن الإسرائيلية الكبرى، من سقوط الصواريخ في أية لحظة تقع الحرب على لبنان أو غزة أو سوريا وإيران، ولقد سعت الصناعة العسكرية الإسرائيلية، الى بناء “القبة الفولاذية”، لمواجهة سقوط الصواريخ، وستكون جاهزة للعمل في حزيران المقبل.
فالاستعدادات الإسرائيلية للحرب قائمة، وهو ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد، الى التنبيه من أن الدولة العبرية لا تريد السلام، وقد أبلغ وزير الخارجية الإسبانية ميغيل أنخيل موراتينوس، الى أن الحرب هذه المرة ستكون شاملة، إذا ما بدأتها إسرائيل، التي لا تعمل للسلام أبداً، بعكس سوريا التي لم تنفك تسعى له، وهي أيّدت مبادرة تركيا لوساطة غير مباشرة، ولم ترَ مانعاً أن تلعب فرنسا دوراً، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي تترأسه إسبانيا هذه الدورة ويشجعها أن تقوم بمساعٍ في هذا الإطار، كما كانت مطالبة سورية دائمة للولايات المتحدة الأميركية، للقيام بدور الراعي النزيه، وكذلك للأمم المتحدة.
ففي الوقت الذي تؤيد سوريا مساعي السلام، فهي أيضاً لا تأمن لإسرائيل وقد حذّرها وزير الخارجية السورية وليد المعلم، من أن أي حرب تشنّها على سوريا، فلن تكون المدن الإسرائيلية بعيدة عن صواريخها، كما أعلن تضامنه مع المقاومة في لبنان وفلسطين.
والتصعيد الإسرائيلي ضد سوريا، يكشف عن أن الحرب المقبلة قد لا تكون بعيدة، إذ هدّد قائد المنطقة الوسطى في إسرائيل العقيد آفي مزراحي باحتلال دمشق وإلحاق هزيمة بالجيش السوري، وقد تطابق كلامه مع وزير الخارجية ليبرمان، الذي قال أن الحرب المقبلة ستطيح بالنظام في سوريا، وستقضي على آل الأسد، مما خلق حالة من الاحتقان والتشنج، الذي كان الرد السوري عليه قاسياً باستهداف عمق الكيان الصهيوني، مما وضع المنطقة أمام خطر الانفجار العسكري، وهو ما أقلق الإدارة الأميركية التي تحاول أن تحرك عملية السلام، من خلال الموفد الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل، الذي وصل في جولته الأخيرة الى شبه طريق مسدود، وكان الرئيس اوباما قد أعلن أنه لم يكن يعتقد أن عملية السلام معقدة ولما كان خاطر في رصيده، واندفع نحو المنطقة وقدم نفسه على أنه يعمل للتغيير، فأصيب بخيبة أمل وإحباط بسبب الغطرسة الإسرائيلية وعدم تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع الدعوات الأميركية لتجميد الاستيطان، وقد انقلب رئيسها بنيامين نتنياهو على وعوده للإدارة الأميركية بوقف الاستيطان لفترة زمنية.
فارتفاع حرارة التهديدات الإسرائيلية بأن تشمل الحرب سوريا، دفع بها الى إجراء اتصالات سريعة مع الدول المعنية فجاءتها تطمينات أميركية، أن إسرائيل لن تلجأ الى هذا الخيار، وقد أبلغت إدارة أوباما الحكومة الصهيونية استياءها من تصريحات ليبرمان مما دفع نتنياهو الى إرسال إشارات تطمينية، الى سوريا والتزامه بالسلام، ومثله حاول باراك، الذي كان أول من هدّد وتوعّد سوريا، التي تزوّد “حزب الله” بالسلاح، حيث نقل نائب وزير الخارجية الإسرائيلية دانيال أيالون الى منسق الأمم المتحدة في لبنان مايكل ويليامز، قلق إسرائيل، من امتلاك “حزب الله” للصواريخ، وهدّد بأن بلاده لن تسكت عنها، وقد نقل وليامز التهديدات الإسرائيلية الى المسؤولين اللبنانيين الذين أخذوها على محمل الجد بعد أن تلقوا تحذيرات أميركية وفرنسية ومصرية، من احتمال قيام إسرائيل بعدوان شامل، إذ أعلن نتنياهو وباراك وغيرهما من القادة الصهاينة، أن الحكومة اللبنانية ستتحمّل المسؤولية، وستعرّض لبنان كله للعدوان، ولن توفر بناه التحتية.
وما يقلق إسرائيل، هو امتلاك “حزب الله” لصواريخ مضادة للطائرات، إذ أعلن يوسي بيلين وغيره من المسؤولين الصهاينة، أن سوريا زوّدت المقاومة في لبنان بصواريخ من نوع “سام–2” وأنه جرى تدريب عناصرها عليها، في سوريا، وقد تمّ نشر صواريخ في منطقتي البقاع وأجزاء من الشمال والسفوح الشرقية لجبال لبنان، وهذا يعتبر خرقاً للقرار 1701.
لذلك فإن إسرائيل تتهيأ لإزالة هذه الصواريخ، وهي تذكّر بالمرحلة التي سبقت الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، عندما نشرت سوريا صواريخ في سهل البقاع وسفوح جبل صنين، فاعتبرتها الدولة العبرية أنها تهدّد أمنها، وهي ترى أن زرع صواريخ المقاومة، يشبه تلك المرحلة، ولن تقبل أن يكون أمنها مهدّداً، وهي ستضطر أن تقوم باجتياح للأراضي اللبنانية، لتدمير أماكن تواجد الصواريخ، التي زرعتها المقاومة في أنفاق.
والسيناريو الإسرائيلي، يقوم على اجتياح برّي للبقاع ابتداء من البقاع الغربي، وصولاً الى البقاع الأوسط والشرقي والشمالي، وقد تزجّ إسرائيل حوالي 125 ألف جندي وفق تقديرات صهيونية، وهذا ما أشار إليه أيضاً الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، عندما تحدث في أكثر من مناسبة عن احتمال أن تدفع القوات الصهيونية ما بين خمسة وعشرة ألوية في حرب مقبلة، وستواجهها المقاومة بآلاف المقاتلين في كل مدينة وقرية ووادٍ وجبل.
وإذا كانت إسرائيل ستختار البقاع، لحربها المقبلة، فهي ستوسّعها باتجاه سوريا، التي لن تسكت على وجود القوات الإسرائيلية عند حدودها، وعلى مسافة قريبة من دمشق، وستضطر أن تدخل المعركة، كما فعلت في العام 1982، عندما واجهت قوات الاحتلال عند خاصرتها، في السلطان يعقوب، وقرب المصنع، وعلى طريق بيروت–دمشق.
لذلك فإن تهديد إسرائيل لسوريا، بأن الحرب ستشملها وستصل قواتها الى دمشق، هو تحذير لها، بأن توقف أولا تزويد “حزب الله” بالسلاح، وأن تسحب الصواريخ التي وفرتها له، وأنها تتحمل المسؤولية مع لبنان على حد سواء، وستكون عاصمتها تحت مرمى النيران الإسرائيلية وقد تصل القوات الإسرائيلية إليها وتحتلّها، فرد الوزير المعلم على التهديدات الصهيونية، بأن المدن الإسرائيلية لن تكون بعيدة عن الصواريخ السورية، فإذا أرادتها حرب مدن فلتكن.
ومع الرد السوري القاسي سواء من الرئيس الأسد أو الوزير المعلم، وهو الأول من نوعه منذ سنوات، فان إسرائيل تبلّغت رسالة سورية قاسية، بأن دمشق لن تقف مكتوفة الأيدي، كما حصل في أثناء حرب صيف 2006، إذ رفضت المقاومة دخولها فيها، لأنها ليست بحاجة لها، ولكن هذه المرة فإن الحرب إذا ما اقتربت من حدودها، فإنها ستكون شاملة وأن بعض المحلّلين في إسرائيل يرونها ضرورية، لفرض شروط على سوريا، وتحريك عملية السلام.
فهل تُقدِم الدولة العبرية على شن حرب جديدة، وهل أنهت استعداداتها لها، وهل ستحصل على الضوء الأخضر الأميركي؟
كل المؤشرات تعطي أجوبة، بأن إسرائيل تتحضّر للحرب، وهي لن تقبل أن تتساكن مع آلاف الصواريخ المحيطة بها، وأن المستوطنات تعيش بحالة قلق، والجيش يسعى لاستعادة هيبته، كما أن الأزمة التي تعيشها مع عملية السلام، قد يدفعها الى الحرب، لعلّها تفرض شروطها، لكن الوقائع لا تعطي أي فرصة لإسرائيل للفوز بالحرب .
Leave a Reply