ظاهرة القمم العربية أضحت نكتةً سخيفة ليس أسخف منها إلا النظام العربي الرسمي، ومضحكة أين منها مسلسل الرسوم المتحركة السياسية في وطننا العربي المثلوم! ومؤتمر “الخاطف والمغيب”، الذي إنعقد في سرت، بإستضافة أكبر متنكر لأصول الضيافة والأخلاق والغادر بسماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، لم يشذ عن قاعدة المهازل المضحكة المبكية معاً!
للأسف لقد ذهبت، إلى غير رجعة، تلك الأيام عندما كان الإسرائيليون والغربيون يحسبون ألف حساب لمؤتمر القمة العربية زمن الزعيمين جمال عبدالناصر وحافظ الأسد. أما اليوم، في زمن المستر “غرينش” القذافي (الأخضر)، فقد تحولت المؤتمرات العربية إلى مادة للتسلية والكوميديا والفكاهة.
وهكذا تمخضت القمة القذافية ضحالةً فولدت… أعجز زمن عربي رديء عرفة التاريخ المعاصر!القمة لم تستحق خبرها، فحتى الإعلام والناس نسوها في نفس اليوم. المشاركة من قبل أصحاب “الجلالة والفخامة” من النشامى الغيارى، لدى “ملك الملوك” (قائد الثورة الشعبية الجماهيرية طبعاً)، كانت باهتة بسبب غياب أكبر عدد من حاملي الصولجان والألقاب الأسطورية المنشغلين عن تهويد القدس الشريف وإزالة معالم فلسطين من الوجود لجعلها بلداً لليهود فقط، وعن رد التهديدات عن لبنان عبر ترك إبتداع إستراتيجية دفاعية عبقرية بأيدي أمينة قوامها ثلاثي أضواء المسرح “فتفت-السنيورة-جعجع”.
وضع مؤتمر “الغمة العربية” رؤوسهم في التراب وكل بيضهم في سلة باراك ابن حسين اوباما وسلموا أمرهم إليه طائعين صاغرين لأنهم لم يعودوا قادرين حتى على المطالبة بحقوقهم. ذلك أنهم ما زالوا تحت تأثير مخدر خطاب أوباما في القاهرة وكأنهم أبناء البارحة رغم وجودهم على عروشهم المتوارثة منذ عشرات السنين، لكنهم لم يستوعبوا بعد أن أمن أميركا من أمن إسرائيل ولا إنفصام بينهما مهما بلغ الخلاف المسرحي المقصود منه ذرالرماد في العيون العربية حتى يتسنى لإسرائيل مواصلة سياسات التوسع والإستيطان والتهويد والإغتصاب. أو أنهم علموا وفهموا ولكنهم إدعوا الغباء حتى لا ينكشف أمر استعبادهم ورقهم لسيدهم! وهكذا اتفق العرب على الا يتفقوا ولكن من دون ضجة أو شوشرة، على غير عادتهم الحضارية، فأجلوا الخلاف إلى قمة “إستثنائية” طارئة، مثل انظمتهم، تعقد في آخر العام الحالي. طبعاً فإن اسرئيل أخذت علماً بذلك وستوقف بناء ١٦٠٠وحدة سكنية في القدس الشريف إلى حين التئام عقد القمة المقبلة!
لقد كانت قمة “غرينش” بحق وحقيق ذروة الإسفاف والشرف العربي المفقود وإضاعة الفرص الثمينة. كل المتواجدين هناك في سرت، بإستثناء الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان نجم القمة بلا منازع والمنطقي الوحيد المدافع عن ألحق العربي، كانوا في غيبوبة سياسية وأخلاقية ولم يبالوا بشيء وكأنهم من كوكب آخر. الحمد لله أن القذافي أعفانا من عبء أفكاره “الخلاقة” الرهيبة ونزواته وفلتاته المعهودة من قبيل إنشاء دولة واحدة فلسطينية-إسرائيلية اسمها “إسراطين” كما أنه لم يدع للجهاد ضد سويسرا “الكافرة” لأنها طبقت القانون على إبنه-الولد اللعوب والنزق. هؤلاء هم أبناء الحكام العرب الذين سيتوارثون السلطة بعد موت آبائهم.. نجوم الليالي الحمراء ومبذروأموال وثروات شعوبهم المسكينة على ملذاتهم وشهواتهم. ولكن مرة جديدة يبرز الإستثناء السوري بوضوح حيث أن تربية حافظ الأسد الوطنية المسؤولة لأبنائه جعلت منهم طينة تختلف جذرياً عن طينة أبناء صدام والقذافي ومبارك وعباس و….
كان بإمكان العرب المؤتمرين (المتآمرين) أن ينتقموا لشرفهم المثكول بعد أن انتهكت إسرائيل أمنهم بتنفيذ عملية قتل القائد الفلسطيني محمود المبحوح في قلب بلدٍ عربي في الإمارات (التي كان عليها طرد الجواسيس المتسترين بالاوروبيين وليس العائلات الجنوبية اللبنانية الكادحة التي ما تزال تنتظر عودتها أوتعويضها)، مستخدمةً جوازات سفر أوروبية أدت إلى طرد ديبلوماسي إسرائيلي من بريطانيا. وكالعادة، أنقذ النظام العربي إسرائيل من ورطتها ولم يصر على معاقبة “الموساد” على جريمته وتشجيع أوروبا على أن تحذو حذو بريطانيا لأن همه هو تشجيع إسرائيل على ضرب إيران-العدو الذي أصبح عنده مكان إسرائيل لأن إيران أضحت المدافع الأول عن قضية العرب الأولى التي نسوها في زحمة مصالحهم الأنانية!
ومن إفرازات العجز العربي المدقع تنبت “الفطريات السامة” على ضفاف الوضع الداخلي اللبناني وتحيي العظام المنسية وهي رميم. فقد اقامت “القوات أللبنانية” إحتفالاً مطنطناً في “البيال” بذكرى حلها أيام حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبمشاركة من أركان الدولة قبل إنسحابهم لاحقاً إحتجاجاً على الكلمات النابية من قبل خطباء قليلي الحياء فكان رد “القوات” أنها غير مسؤولة عن كلام من يعتلي منبرها وأنها تقدس حرية الرأي طبعاً كما كان بشير الجميل يقدس حرية الحركة والرأي لأقرب حلفائه الذين زفهم إلى الأبدية وذبحهم في مغاطسهم وبرك السباحة أثناء مجازر “الصفرا” وغيرها (هرب المدعو “الحنش” مسؤول ميليشيا “نمور الاحرار” يومها ملتجئاً إلى بيروت الغربية نافذاً بجلده، هل من يذكر ذلك؟). هذه الحجة “القواتية” لن تقلي عجة! فمن المعروف أن “القوات” ذات التنظيم الحديدي الفاشي تتميز بالتخطيط لأدق التفاصيل من الأمن وحتى الإضاءة) فراعيها وممولها أيام الحرب أحسن تدريبها (فكيف لم تعلم مسبقاً بترهات مي شدياق مثلاً). بالمناسبة، أظن أنه كفانا تشدقاً من قبل الإعلامية (غير المنحازة) مي شدياق و”تربيحنا جميلة” على محاولة اغتيالها (مع أسفنا الشديد لما حصل لها)! فهي ليست أفضل من أطفال “قانا” والجنوب والبقاع وغزة الذين قتلوا وشوهوا من قبل آلة الحرب الإسرائيلية ولم يتعالجوا في أرقى مستشفيات فرنسا على نفقة الوليد بن طلال.
كل هذا غير مستغرب من “القوات” التي هي أول حزب في العالم يحتفل بذكرى حله كما قال العماد عون. لكن المستهجن هو الهيام الذي بثه خطيبين إثنين من تيار “المستقبل” إزاء “القوات”، متنكرين لقرار الرئيس رفيق الحريري الذي ساهم في فرط عقد “القوات” وسجن رئيسها ثم محاكمته على جريمتي قتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي وداني شمعون. هذين الخطيبين كانا من أوائل المهللين والمصفقين لقرار الرئيس الحريري الأب، فهل كانا يعرفان شيئاً غاب عن علمه؟ أم كانا يمالقانه وأن الوقت قد حان اليوم للتنكروالطعن بموقفه كرمى لعيون جعجع؟ وبالمناسبة، لقد كانت التفاتة لطيفة من قبل جعجع عندما حيا “رفيق الدرب” أمين الجميل رغم تخلل هذا الدرب الوعرنفي جعجع للجميل من لبنان بعد أن كاد أن يصفي دمه!!
الأمر المستغرب نفسه ينطبق على الدولة التي حضرت الحفل بقضها وقضيضها مما شكل إدانةً لها على كل الماضي واستهتاراً بقضائها الذي أدان جعجع بعد محاكمةٍ عادلة ولم تعاد محاكمته بل صدر عفو عام عنه قصرمدة سجنه فقط. لقد تمكن جعجع من تسجيل نقطة لصالحه أمام الدولة النائمة والمعارضة ألسابقة، إلا أن الدولة “زمطت” في آخرلحظة عبر “الهفوة القواتية”! فمن يوقظ “٨ آذار”من نوم الكهف وينسق جهودها المبعثرة حيال الاتفاقيات السنيورية والإستحقاقات المقبلة؟
Leave a Reply