خليل إسماعيل رمَّال
بعد اغتيال النائب المصري العام هشام بركات فـي القاهرة بتفجير موكبه بسيارة مفخَّخة بشكل يشبه تفجير موكب الرئيس رفـيق الحريري فـي بيروت بإجماع المراقبين والأخصائيين، على المحكمة السنيورية الإسرائيلية المتآمرة فـي لاهاي أنْ تسلٍّط تحقيقاتها فوراً على الجماعات التكفـيرية ومموليها من الوهابيين والقطريين والأتراك، لا أنْ تبقى أداةً طيِّعة من أجل القيام بدور مشبوه وخطير ضد المقاومة وسوريا معاً. لكننا نعرف أنَّ هذا غير ممكن بسبب طبيعة المحكمة المنحازة التي أنشئت من أجل هدف وحيد.
لقد أصبح واضحاً أنَّ يد الاٍرهاب هي نفسها وهويتها واحدة من بيروت إلى القاهرة إلى صنعاء إلى بغداد إلى عين عرب إلى القطيف والكويت وفرنسا وباقي أوروبا والعالم. «داعش» لَها خلايا فـي كل أنحاء الأرض ما عدا فـي فلسطين المحتلَّة، وهي لا تذكر فلسطين حتى بالأسم وإذا حصل وذكرتها صدفةً فمن باب تهديد المسيحيين فـي القدس. فمتى يصحو هذا العالم العربي المجنون والغربي المدَّعي ويقفا، فعلاً لا كذباً، ضد الإجرام الوحشي التكفـيري الضاري الذي يدمِّر فـي طريقه كل شيء؟! بل كيف يميِّز الغرب بين إرهابٍ وإرهاب فـيكون الأول جيداً ومعتدلاً فـي سوريا والثاني شيطانياً رديئاً إذا استهدف المصالح الغربية؟ وكيف يقوم إنسان يسمِّي نفسه مسلماً، أو حتى لو كان من عُبَّاد الشيطان، بتفجير نفسه فـي مسجد فـي القطيف ثم فـي الكويت فـيقتل مصلين راكعين فـي صلاة أول يوم جمعة من شهر رمضان المبارك؟! ما نوع الحبوب والهلوسة وغسل الدماغ الذي يستعمله وحوش العصر ليدفعوا بشخص دنيء كهذا ليرتكب أفظع المحرَّمات فـي بيوت الله؟!
ومع هذا لم يكن مستغرباً تفجير مسجد الإمام الصادق الأخير، فالكويت جزء من المنظومة السعودية الوهابية الداعمة للإرهاب الداعشي. وإنْ ننسى فلا ننسى تركها للمجرم شافـي العجمي وهو يتغنى بذبح طفل شيعي فـي سوريا وارتكاب جماعته لمجزرة قرية «حطلة» السورية قرب دير الزور واغتصاب ٣٥ فتاة، والمفاخرة بذلك علناً وأمام الكاميرات، فذرف الدموع الأميرية لن يمحي السياسات التابعة التي أدت الى مجزرة المسجد والحل الجدي يكون بوقف الحرب الإرهابية على سوريا ونصرتها وتجفـيف منابع الاٍرهاب الوهابي وتوأمه الداعشي.
ثم إنَّ جريمة اغتيال بركات هي برقبة النظام السيسي بسبب تذبذب مواقفه وتناقضه وميوعته. إذ كيف يعلِّل محاربة إرهاب «الإخوان المسلمين» ورديفتهم «القاعدة» واختها بالزنى «داعش» فـي سيناء وباقي أنحاء «المحروسة»، ثم يقف مع العدوان السعودي على الشعب اليمني متنكِّراً لتاريخ مصر القومي العروبي وفـي الوقت الذي يدعم آل سعود نفس الأعداء الذين يقتلون المصريين وفـي حين أنَّْ الحوثيين يحاربون ملة التكفـير؟! وكيف لا يعلن السيسي وقوف الجيش المصري الباسل مع الجيش العربي السوري الصامد الذي يحارب نفس الإرهاب منذ ٤ سنوات؟! وكيف يداهن أنظمة الخليج التي ثبت أنها تموِّل الإرهاب ومن أجل ماذا؟!
الجماعات التكفـيرية المجرمة هي وراء مقتل رفـيق الحريري وهذه الحقيقة عُرِفَتْ منذ وقوع الجريمة رغم استهزاء قرطة حنيكر بشريط فـيديو «أبي عدس». كما إنَّ مرشد التكفـيريين الأعلى أردوغان باشا السفّاح قد يكون له يد فـي الجريمة من ضمن خطَّة جهنَّمية تستهدف دور لبنان وسوريا، وحتى مصر، بعد أنْ دخل بقوة فـي البداية على خط إدِّعاء مناهضة إسرائيل قبل «الخريف العربي» المشؤوم فتمسكن حتى تمكَّن إلى درجة تحالفه مع الرئيس بشَّار الأسد الذي تبيَّن أنه مكيدة استعملها ليدخل إلى الداخل العربي من بوابة قلب العروبة النابض دِمَشْق. هذه ليست نظرية مؤامرة ومن يعش يرَ ونحن ننظر بأم أعيننا (وأبيها) إلى ما يحدث فـي المنطقة وكيف يلعب أردوغان دور البواب الخسيس للوحوش البشريَّة العابرة إلى سوريا! هل صدفةً هي أنَّ نرى الجيوش العربية القوية المحيطة بإسرائيل تتفتت وتنشغل بالإرهاب المجرم، بدءاً من سوريا فالعراق واليوم مصر؟!
لقد تزامن التصعيد التكفـيري الأخير فـي سيناء وغيرها من الأماكن مع استمرار غرق آل سعود فـي المستنقع اليمني ومحاولتهم الخروج منه من دون إعلان خسارتهم المريعة ولو تطلب الأمر استجداء القيصر الروسي بوتين من خلال الطريقة الوحيدة التي يعرفونها وهي الرشي غير الرسمي عن طريق الاتفاقات التجارية والاقتصادية المغرية، خصوصاً بعد أنْ بدأت صواريخ «سكود» اليمنية المباركة تلعلع فـي سماء الرياض وتدك ثكناتها العسكرية من ضمن استراتيجية الرد الموزون والدقيق للجيش اليمني البطل واللجان الشعبية التي تعتمد الصبر الاستراتيجي. اليمن ستكون «فـيتنام» السعودية، فحتى الدولة العظمى خسرت الحرب وخرجت منها بأكلاف باهظة ما زالت تدفع ثمنها حتى اليوم. وإذا كانت أميركا كدولة كبرى تتحمل مثل هذه الأثمان، فما سيكون مصير «دولة» قائمة على أساس العائلة فقط من دون هيكلية نظام ومؤسسات حكومية أو مدنية؟
بوتين الذي أخذ من آل سعود بيد لم يعطهم باليد الأخرى بدليل إعادة تأكيده على تأييد الرئيس الأسد خلال زيارة وليد المعلِّم لموسكو. وما طرح بوتين بعَقْد حلفٍ بين سوريا والأردن والسعودية وتركيا لمحاربة الاٍرهاب إلا مناورة دبلوماسية إعجازية لردم مطالبة إسقاط الأسد وللايحاء لآل سعود بوجود مبادرة تحفظ ماء وجههم من الهزيمة المحقَّقَة فـي اليمن وسوريا بعد فشل ما يُسمَّى «عاصفة الجنوب» التي انضم اليها التكفـيريون وإسرائيل والأردن وتركيا. فداعمو الإرهاب فـي سوريا هم فـي مأزق كبير، حتى أردوغان وقع فـي ورطة عندما أحضر الدب إلى كرمه عبر احتمال قيام«الدولة الكردية». لكن بوتين يعلم يقيناً أنَّ هكذا تحالف هو كالعهد بين الذئب والحمل أو كمن يطلب من الذئب أنْ يتخلى عن فطرته العدوانية الفتَّاكة!
المنطقة مقبلة على صيف حار جداً وعلى تغييراتٍ بنيوية فاتحتها ستكون عودة الزبداني إلى حضن الوطن السوري وانتصارات الحشد الشعبي فـي العراق والسيطرة التامة للجيش اليمني على المناطق الحدودية مع السعودية واستعادة المدن اليمنية المحتلَّة.
Leave a Reply