عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كانت «عاصفة السوخوي» الروسية قد شكلت تهديداً حقيقياً للمجموعات المسلحة فـي سوريا، إلا انها نزلت برداً وسلاماً على المؤيدين للنظام السوري، من شرائح شعبية وقوى صديقة وحليفة. ليس صعباً على من يزور دمشق هذه الايام أن يتلمس الأثر المعنوي الكبير الذي تركه القرار الروسي بدخول الحرب، فـي الشارع السوري «الموالي»، حيث ارتفعت المعنويات وانتعشت الآمال، بعد فترة من الاحباط أو الهبوط النفسي، بفعل التقدم الذي أحرزته الفصائل المسلحة مؤخرا على حساب الجيش فـي العديد من النقاط الحيوية.
ازدحام السير في شوارع دمشق ليلاً ونهاراً يؤكد قدرة السوريين على تخطي الأزمة |
بل حتى أن بعض اللبنانيين الذين سبق لهم أن قاطعوا دمشق منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من أربع سنوات، عادوا الى زيارتها تحت مظلة الأمان الروسية.
يشعر السوريون الداعمون للرئيس بشار الأسد، وهم يتابعون أخبار الغارات على مواقع المسلحين، أن رهانهم على الحليف الروسي كان صائباً ورابحاً، بعدما حاول البعض الايحاء فـي الماضي بان علاقة موسكو مع دمشق ليست جذرية، وأن لدى الروس قابلية للبيع والشراء فـي الملف السوري، وصولا الى المساومة أو المقايضة على مصير الاسد إذا اقتضت مصالح الكرملين ذلك.
مرة واحدة سقطت جميع هذه المقولات مع سقوط أول صاروخ روسي على هدف إرهابي فـي الاراضي السورية، ليثبت فلاديمير بوتين انه يتعاطى مع حليفه الأسد بقدر عال من المصداقية والجدية، تفتقر اليه علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها المفترضين من فصائل المعارضة المعتدلة التي لا تزال تشكو حتى الآن من امتناع واشنطن عن تزويدها بالحجم المطلوب من الاسلحة النوعية، بل إن المفارقة المدوية تكمن فـي أن برنامج التدريب الاميركي تمخض فـي نهاية المطاف عن تخريج أربعة مقاتلين معتدلين فقط لا غير.
وعلى وقع الضربات الجوية الروسية التي تستهدف مواقع لـ«داعش» وفصائل مسلحة أخرى فـي مناطق واسعة، تستمر الحياة فـي مدينة دمشق على إيقاع طبيعي، تخرقه الحواجز الأمنية المكثفة وأصوات بعض القذائف العشوائية التي تسقط أحيانا بشكل مفاجىء.
لقد تعايش «الدمشقيون» مع هذا الواقع منذ زمن طويل، الى حد أنهم باتوا يمتلكون القدرة على تجاوز آثاره ومواصلة يومياتهم المعتادة، الأمر الذي يفسر حيوية العاصمة وازدحام السير فـي شوارعها، ليلاً نهاراً.
فـي قلب العاصمة، وتحديدا فـي دار الاوبرا، احتفلت الفنانة السورية سلاف فواخرجي قبل ايام بافتتاح فـيلم «رسائل الكرز» الذي تولت اخراجه، فـي أول تجربة اخراجية لها. يروي أحد الفنانين المدعوين كيف أن قذيفة سقطت قبل فترة فـي المكان الذي يقف فـيه، أمام مدخل الأوبرا، ويدلك على الفجوات التي تركتها فـي الأرض، ثم ينتقل ليحدثك كخبير عسكري عن خصوصيات دمشق وأسوارها الدفاعية العصية على أي اختراق، لينتهي به المطاف عند فـيلم فواخرجي متوسعاً فـي شرح خصائصه!
ساعة ونصف تقريباً هي مدة الفـيلم الذي يروي قصة عاشقين من الجولان المحتل، فـي توليفة تنطوي على رسائل وطنية وسياسية ممزوجة ببعد عاطفـي-إنساني، كأن فواخرجي اردات من خلال هذه التجربة ان تعيد تصويب بوصلة الاولويات والاهتمامات فـي اتجاه القضية الاصلية والعدو الاسرائيلي، بعدما كاد غبار الفتنة والنزاعات الجانبية يغطي على جوهر الصراع وحقائقه التاريخية.
ثم أن الفـيلم أتى فـي هذا التوقيت بالذات ليشكل بحد ذاته فعل مقاومة مدنية للحرب، وعلامة إصرار على الابداع فـي زمن التكفـير. ولعل مشهد قاعة العرض الممتلئة بالضيوف الذين لبوا الدعوة لمشاهدة الفـيلم، يعكس طبيعة المزاج السوري الذي لا يزال يقاوم كل أنواع الضغوط، ويحاول ان يقتطع مساحة أو فسحة للفن وسط الدخان والدماء.
بعد عرض الفـيلم، توجه المدعوون الى أحد فنادق دمشق لتناول طعام العشاء. كانت الطريق المؤدية اليه مزدحمة بالسيارات، فـيما المقاهي والمطاعم تملتئ بالرواد. استمرت السهرة فـي الفندق حتى ساعة متأخرة من الليل، فـي انعكاس لحالة التحدي التي يواجه بها السوريون ظروف الحرب.
لا يخفـي «الدمشقيون» عاطفتهم حيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي لا يزال يحتل مكانة مميزة ومتقدمة فـي وجدانهم برغم جميع حملات التعبئة والتشويه التي يتعرض لها، من دون تجاهل ارتفاع شعبية بوتين مع الانخراط الروسي فـي المواجهة، بل ان الافلام الروسية باتت تحجز مقعدا اماميا لها فـي برمجة التلفزيون السوري الرسمي، تماما كما أن قناة «روسيا اليوم» أصبحت موضع متابعة كثيفة من السوريين الداعمين للاسد. وفـي طريق العودة الى بيروت، كان السائق السوري يروي تفاصيل عن رحلته السياحية الى روسيا قبل أسابيع..
Leave a Reply