تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
لا تزال الساحة العراقية تعيش أصداء الاستقالة الجماعية للكتلة الصدرية من البرلمان، فيما حط المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت وغادرها محمّلاً بمقترح لبناني جديد حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي ستشكل منطلق زيارة الرئيس جو بايدن المرتقبة إلى السعودية منتصف الشهر القادم.
العراق
خيّم الصمت على الساحة العراقية عقب الساعات الأولى للقنبلة المدوّية التي ألقاها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في وجوه خصومه، بإعلان استقالة 74 نائباً من البرلمان دفعة واحدة.
الخطوة ليست بالأمر السهل، وتستتبع مخاوف من انزلاق الأمور نحو الفوضى الأمنية، بالنظر إلى سلوكيات الصدر الفجائية وغير المتوقعة.
وفي محاولة لامتصاص الصدمة، دعت غالبية القوى الفاعلة على الساحة السياسية العراقية إلى الثريث والعودة إلى الحوار كسبيل واحد لإنهاء الانسداد السياسي وتشكيل حكومة جديدة تنهض بأعباء البلاد الغارقة في أزماتها على مختلف الصعد.
منذ إعلان الاستقالة، ثمة مساعٍ حثيثة تُبذل لثني الصدر عن موقفه، رغم وجود سياق قانوني ودستوري يُعتمد في الحالات المماثلة، ويقضي باستبدال أوائل الخاسرين من الطوائف والمناطق نفسها بالمستقيلين. رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبِل الاستقالة الصدرية الجماعية التي باتت نافذة، ولكن ماذا بعد؟
هذه الاستقالة وبخلاف ما توقع البعض، لا تستلزم حل البرلمان و الذهاب إلى انتخابات جديدة، بحسب الدستور، لأن ذلك يتطلّب استقالة أكثر من نصف أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائباً.
بات واضحاً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حجم التعقيد الذي بلغته الأزمة السياسية في بلاد الرافدين، وأن الأمور ستكون مفتوحة على خيارات متعددة أبرزها احتمال قيام مَن تبقى من تحالف «إنقاذ وطن» أي تكتل الحلبوسي وخميس الخنجر والحزب الديمقراطي الكردستاني بتشكيل حكومة مع قوى «الإطار التنسيقي». أما الاحتمال الثاني فهو أن يلتزم هذا التحالف جانب المعارضة ويمتنع عن المشاركة في الحكومة. أما السيناريو الثالث فهو الأكثر تصعيداً، ويتمثل بتقديم المزيد من النواب استقالتهم ما قد يُفقد البرلمان شرعيته ويستلتزم الذهاب إلى انتخابات جديدة، لا أحد يمنكه التكهن بنتائجها بعد كل ما جرى على مدى الأشهر الثمانية المنصرمة.
ما عجز عن نيله بالسياسة سيحاول الحصول عليه من خلال تحريك الشارع، هذا ما يتوقعه العارفون بأسلوب التفكير السياسي الذي يعتمده الصدر، لكن، ثمة شارع مُوَازٍ لشارع الصدر قد يُطلب منه هو الآخر النزول، ولديه من القوة الشعبية التمثيلية ما يؤهله «للمواجهة»، وهذا ما يخشاه العراقيون اليوم.
يُشار هنا إلى أنه في حال اعتماد الخيار القانوني الدستوري فإن غالبية الخاسرين الذين سيحلون محل النواب المستقيلين سيكونون بغالبيتهم من المنتمين إلى «الإطار التنسيقي»: «تحالف الفتح» الذي يمثّل الحشد الشعبي سيحصل على 10 مقاعد إضافية، لترتفع حصّته في المجلس المكوَّن من 329 نائباً إلى 27 مقعداً، بينما ستزيد حصّة «تحالف قوى الدولة» بزعامة عمار الحكيم بواقع 9 مقاعد إلى 14 مقعداً، و«ائتلاف دولة القانون» 7 مقاعد إلى 40 مقعداً، ليمتلك الأخير واحدة من أكبر الكتل التي تمثّل حزباً واحداً في البرلمان. كما سيرتفع عدد أعضاء «تحالف العقد الوطني» برئاسة فالح الفياض 4 مقاعد إلى 7 مقاعد، و«حركة حقوق» بواقع 5 مقاعد إلى 6، فضلاً عن إضافة مقعد أو مقعدَين لعدد من الكتل الصغيرة المحسوبة على «الإطار». أمّا من خارجه، فسيكون المستقلون أبرز الفائزين بمقاعد جديدة، وسيحصلون على 11 مقعداً إضافياً، ليرتفع عددهم إلى أكثر من 50 نائباً. كذلك، ستضيف حركة «امتداد» 7 مقاعد إلى مقاعدها التسعة لتصبح كتلتها مكوّنة من 16 نائباً.
لبنان
حط المبعوث الأميركي رحاله في بيروت الأسبوع الماضي مستطلعاً الموقف اللبناني من ملف ترسيم الحدود البحرية، عقب الزوبعة المفتعلة والمحاولة الإسرائيلية الاستفزازية باستقدام سفينة تنقيب يونانية للعمل في حقل «كاريش» المتنازع عليه مع لبنان.
مصادر مطلعة على مجريات اللقاءات التي أجراها آموس هوكستين أكدت أن الرجل تلقى من الجانب اللبناني رداً موحداً على اقتراحه الذي كان قد قدمه خلال زيارته الأخيرة للبنان والقاضي بتعديل الخط 23 من جانب الرئاسات الثلاث مدعوماً من قيادة الجيش.
لم يفُت المفاوضَ الأميركي أن يستوضح المسؤولين اللبنانيين بشأن تهديدات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله وإمكانية تنفيذها، فتل أبيب ورغم سعيها إلى الإسراع في دخول سوق الغاز من البوابة الأوروبية، ولا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لا تحبذ في الوقت الحالي الدخول في حرب مع حزب الله –قد تتدحرج لتشمل جبهات متعددة– بل تفضل السير في عملية التفاوض.
هوكستين الذي اختتم زيارته لبيروت بمقابلة مع قناة «الحرة» قال فيها إنه جاء للاستماع إلى ردود الفعل حول الاقتراحات السابقة، وإن ما سمعه يعني أن الخيار الحقيقي لمستقبل لبنان هو أن حل الأزمة الاقتصادية يرتبط بشكل وثيق بملف النفط. أما «الخبر السار»، بحسب هوكستين، فهو أنه وجد إجماعاً أكبر حول الرسالة، وإعداداً لبنانياً جدّياً لزيارته، وقد قدّم اللبنانيون بعض الأفكار التي تشكّل أسساً لمواصلة المفاوضات والتقدم فيها.
الطرح اللبناني البديل وفقاً للنائب جبران باسيل يقول باجتماع الحكومة وتعديل المرسوم 6433، مع بعض التعديلات. فلبنان لن يُضيف 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية إلى الـ860، لكنه سيحدّد خطاً جديداً ينطلق من الناقورة، أي الخط 23 ويتوسّع فيضمّ حقل قانا، ثم يمتدّ جنوباً ليضيف مساحة قليلة، لكنها لن تلامس الخط 29. أي أن لبنان سيحدد مساحة جديدة متنازعاً عليها بين الخطين 23 و29 لا تتضمّن حقل «كاريش». وقد أكدت مصادر عين التينة أنه في حال تجاوب إسرائيل، فإن الاتفاق المقبل سيوقّع في الناقورة عبر وفد لبناني جديد يجري تشكيله وبمفاوضات غير مباشرة، وفي حال الرفض يُمكن العودة إلى طاولة الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية أممية ووساطة أميركية.
لطالما كان لبنان ساحة لتبادل الرسائل في الإقليم المتوتر، الشرق الأوسط، لذلك يأمل اللبنانيون أن تكون الرسائل هذه المرة رسائل تهدئة تعزز آمالهم بصيف سياحي واعد.
في شأن لبناني آخر، وبعد انتهاء مهلة تقديم الطعون في الانتخابات النيابة والتي بلغ عددها 13 طعناً، حدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم 23 حزيران الحالي موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة، في مسعى لتشكيل حكومة تتصدى للأزمات التي ترزح تحتها البلاد، وهي تُعد ولا تُحصى، وقد يتأخر التشكيل أشهراً قليلة تمثل عملياً الوقت الفاصل عن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تشرين الأول المقبل.
في ما يتعلق بالاستشارات النيابية التي حدد موعدها الرئيس عون، لا تزال أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأكثر ارتفاعاً في بورصة الأسماء، فرئيس المجلس النيابي متمسك بترشيحه ويدعمه، فيما لم يبدِ «حزب الله» حماسة حتى اللحظة ولا اعتراضاً على إعادة تكليفه، وكذا فعل الحزب «الاشتراكي»، أما حزب «القوات اللبنانية» فلم يعد نائبه بيار بو عاصي الذي زار السعودية برفقة النائب الاشتراكي وائل بو فاعور باسم آخر تزكّيه الرياض للسير فيه، أما «التيار الوطني الحر» فقد أعلن عن نيته عدم تسمية ميقاتي.
في كل الأحوال، العبرة ليست في التكليف بقدر ما هي في التأليف، وثمة صعوبات كبيرة تنتظر عملية تقاسم الحصص في الحكومة الجديدة، علماً بأن العهد الحالي شارف على نهايته ولن يتجاوز عمر أية حكومة مقبلة الأشهر المعدودة.
السعودية
يبدو أن لهيب أسعار الطاقة قد نجح في إذابة جليد العلاقات الأميركية السعودية منذ بداية عهد الرئيس بايدن حيث أكد البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أن الرئيس الأميركي سيزور السعودية ضمن جولة شرق أوسطية تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية بين 13 و16 تموز (يوليو) المقبل.
وسيتوجه بايدن إلى السعودية بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نافتالي بينيت، في القدس، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في مدينة بيت لحم.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية، أن بايدن سيزور السعودية يومي 15 و16 يوليو المقبل، بناء على دعوة من العاهل السعودي، حيث يلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان في اليوم الأول.
وأضافت أن جدول الزيارة في يومها الثاني يتضمن حضور بايدن قمة مشتركة لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق.
وذكر بيان للبيت الأبيض أن زيارة بايدن للسعودية التي ترأس مجلس التعاون الخليجي، تأتي بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز للسعودية، معرباً عن تقديره له.
وقال بايدن، في البيان، إنه يتطلع إلى «هذه الزيارة المهمة للمملكة»، ووصفها بأنها «كانت شريكة استراتيجية للولايات المتحدة منذ ما يقرب من ثمانية عقود»، متفادياً ربط الزيارة بأزمة أسعار الطاقة.
وبعد انقطاعه عن زيارة المنطقة منذ انتخابه رئيساً منذ عام ونصف، أكد بايدن أنه يتطلع إلى تحديد رؤيته الإيجابية لانخراط الولايات المتحدة في المنطقة خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
وندد نشطاء حقوق الإنسان وشخصيات إعلامية، وحتى بعض زملاء بايدن الديمقراطيين بفكرة مصافحته لمحمد بن سلمان الذي أشار تقرير استخباراتي أميركي إلى أنه «أصدر الأمر» بقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية المملكة بتركيا.
وحين كان مرشحاً للرئاسة، تعهد بايدن بجعل السعودية «تدفع الثمن وأن تكون منبوذة» بسبب جريمة قتل خاشقجي.
وبعد توليه منصبه، أمر بنشر التقرير الاستخباراتي الذي يربط الأمير محمد بمقتل خاشقجي، وفرض عقوبات متواضعة على شخصيات أقل مستوى.
ولكن مع ارتفاع أسعار المحروقات بشكل مطرد، وفرض الحظر على الطاقة الروسية، قال محللون إن بايدن «لا يستطيع» تحمل إبقاء أحد أكبر منتجي النفط في العالم بعيداً لوقت أطول.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين في البيت الأبيض أن فرص بايدن في الحصول على مساعدة فورية من السعودية لتخفيض أسعار الطاقة تبدو «قليلة»، في حين يعول البعض داخل الإدارة على أن تثمر الزيارة تطبيعاً للعلاقات السعودية الإسرائيلية.
Leave a Reply