تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في جولتنا العربية هذا الأسبوع، نعرّج على بغداد التي تشهد سباقاً محموماً بين مساعي التهدئة والتوتر الميداني. أما في لبنان، فالعين على ملف الترسيم الذي يتوقع حسمه سلباً أو إيجاباً خلال الأيام المقبلة، وصولاً إلى سوريا حيث يزداد الحديث عن «مصالحة» بين أنقرة ودمشق وسط استمرار الاعتداءات التركية والإسرائيلية على الأراضي السورية، ونختم في غزة حيث أكدت التحقيقات تورط إسرائيل في مجزرة راح ضحيتها خمسة أطفال من عائلة واحدة، وعلى.
العراق
بعد دعوته الأسبوع الماضي ،العراقيين كافة إلى الخروج في تظاهرات «سلمية مليونية» في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد «ضد الفساد والميليشيات والأحزاب الفاسدة المتسلّطة»، يوم السبت المقبل، عاد زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، يوم الثلاثاء المنصرم، وألغى الدعوة إلى التظاهرة، التي توجّس العراقيون من نتائجها على الأرض التي قد تكون مدخلاً إلى فتنة وحرب أهلية بين أكبر المكونات العراقية.
على أثر ذلك، بادر رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي إلى دعوة القادة السياسيين إلى اجتماع وطني في قصر الحكومة يوم الأربعاء الماضي؛ «للبدء بحوار وطني جاد من أجل إيجاد الحلول للأزمة السياسية الحالية»، وبالفعل عُقد الاجتماع لكن في غياب التيار الصدري الذي رفض المشاركة، حيث عبّر المجتمعون عن التزامهم بالثوابت الوطنية وأكدوا أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع مجدداً ليس حدثاً استثنائياً عندما تصل الأزمات إلى طريق مسدود، ودعوا التيار الصدري إلى الانخراط في الحوار لإيجاد الحلول، كما دعوا إلى إيقاف كل أشكال التصعيد الميداني والسياسي والإعلامي. وفي وقت سابق، كشف قيادي في «تحالف الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري، عن طلب الأخير لقاء الصدر، نهاية الأسبوع الحالي، من دون تلقّي رد، وأضاف أن العامري يعمل على حل الأزمة بين الصدر وقادة «الإطار التنسيقي» من خلال طرح مرشح جديد مقبول لمنصب رئيس الوزراء، وتشكيل الحكومة على أن تُجرى الانتخابات المبكرة خلال فترة لا تتجاوز سنة واحدة.
ومنذ نحو 10 أشهر، يشهد تأليف الحكومة في العراق حالاً من الانسداد السياسي، بسبب خلافات بين الكتل الشيعية الرئيسية.
وكان ما بات يُعرف بـ«وزير الصدر»، قد شنّ، الثلاثاء الماضي، هجوماً جديداً على قوى معيّنة في «الإطار التنسيقي»، وسط تصاعد المخاوف من وقوع مصادمات مسلحة بين القطبين الشيعيين، على وقع أزمة سياسية يعيشها العراق.
وقال «وزير الصدر» الذي يعرّف نفسه بـ«صالح محمد العراقي»، «يجب على الكتل المنضوية في الإطار كبح جماح «الثالوث الإطاري المشؤوم» فوراً، فهذا الثالوث (المالكي والخزعلي والحكيم) يلعب بالنار وقد يكون من صالحه تأجيج الحرب الأهلية».
في شأن قضائي متصل، أرجأت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، يوم الأربعاء المنصرم، موعد البت بدعوى حل البرلمان إلى 30 من آب (أغسطس) الحالي. ويمرّ المشهد السياسي في العراق بمنعطف خطير منذ أن اقتحم أنصار التيار الصدري مبنى مجلس النواب في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، واعتصموا فيه احتجاجاً على ترشيح تحالف «الإطار التنسيقي» محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الحكومة، والذي يعتبرونه ظلاً لرئيس الوزراء السابق نوري لمالكي.
لبنان
في ما خلا «التكويعة» التي بادر إليها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط باتجاه «حزب الله» مؤخراً، تعيش الساحة السياسية في لبنان، حالة مراوحة وجمود حكومي، وسط تراجع منسوب التفاؤل حول ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وازدياد الحديث عن مواجهة عسكرية في حال مضي دولة الاحتلال بخططها لضخ الغاز من المياه المتنازع عليها في أيلول (سبتمبر) القادم.
من جانبه، بادر الوسيط الأميركي عاموس هوكستين، إلى الاتصال بالمسؤولين اللبنانيين خلال الأيام القليلة الماضية لإبلاغهم بأن «كل الأجواء السلبية إنما تصدر من قبل جهات عندكم، ولا علاقة لنا أو للإسرائيليين بها، بل نرى أن هناك تقدماً يتيح التوصل إلى اتفاق». وأضاف: «عندما زرتُ لبنان أخيراً انتقلتُ ليلاً عبر الناقورة إلى تل أبيب، لكن المسؤولين في إسرائيل كانوا منشغلين بالحرب على غزة ولم يتطرق الاجتماع الوزاري المصغر إلى مسألة ترسيم الحدود، وقابلتُ رئيس الحكومة واتفقنا على الإطار الإيجابي». وختم: «أنا بانتظار موعد مرتقب لي في إسرائيل خلال أيام قليلة وسوف يُبنى على أساسه الكثير من الخطوات».
وفي الداخل اللبناني، ثمة توقعات بحسم ملف الترسيم خلال أيام، في ظل الحديث عن وساطات حثيثة مع «حزب الله» لمنع الانفجار أو على الأقل تأجيلة لتمرير الانتخابات في إسرائيل. ولا سيما بعد ترسيخ «حزب الله» معادلة: حقل قانا مقابل كاريش والنتنقيب، والاستخراج في إسرائيل مقابل التنقيب والاستخراج في لبنان.
وربطاً بهذه المعادلة، اختلفت حسابات الأميركيين والإسرائيليين تماماً، ولا سيما بعدما جدد الأمين العام لـ«حزب الله» تهديداته في خطابه لمناسبة ذكرى عاشوراء، وقد طلبت تل أبيب من هوكستين التعاطي مع ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان بالكثير من الجدية والاهتمام، سعياً منها إلى تجنب خيار الحرب لأنها تقدّر مدى جدية «حزب الله» في تهديداته، ولأنها أيضاً غير مستعدة للحرب ولا تريدها، وهي التي لديها ما يكفيها من الانقسام والمشاكل في الداخل.
في المقلب الآخر، «حزب االله» أيضاً لا يريد الحرب، وليس الجهة التي تفاوض، لكن يده على الزناد وفي أعلى درجات الجاهزية لخوض الحرب في حال انتقاص أي حق من حقوق لبنان، بحسب أمينه العام.
في المحصّلة، فإن منتصف أيلول هو الموعد النهائي والحاسم لإقفال الملف، فإما نجاح المفاوضات وإما الذهاب إلى الحرب! وفي ظل وضع اقتصادي منهار يعيشه اللبنانيون منذ نحو ثلاث سنوات، يتساءلون عن المصير الذي ينتظرهم في حال اندلاعها، وعما سيؤول إليه حالهم بعد انتهائها إذا حالفهم الحظ وكُتبت لهم النجاة من آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تقيم وزناً للمواثيق الدولية والإنسانية، ومجازر قانا والمنصوري وغيرها العشرات ما زالت ماثلة في أذهانهم.
حكومياً، وبعد أن نُقل عن رئيس الحكومة قوله: «لشو الحكومة؟» في تأكيد للفتور الواضح الذي يبديه إزاء عملية التشكيل، وهو الذي قرر النأي بنفسه عن هموم الشعب ومشاكله وحزم حقائبه لقضاء إجازة عائلية في مدينة كان الفرنسية، تاركاً وراءه شعباً بأكمله يرزح تحت سطوة مافيا الدواء وكارتيلات النفط وأصحاب المصارف والدولار الذي تخطى 32 ألفاً وأصحاب المولدات في غياب تام للكهرباء.
ووسط تقاذف مستمر للاتهامات بالتعطيل بين الرئاستين الأولى والثانية، سُجل خرق خجول للجمود السائد على خط السراي الحكومي–بعبدا، حيث زار رئيس الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، رئيس الجمهورية بعد غياب طويل، فيما يعتقد كثيرون أن ميقاتي يراهن على ترحيل الاستحقاق الرئاسي، ما يعني بقاءه على رأس حكومة تصريف الأعمال، مستنداً إلى «فتوى دستورية» أعدّها الخبير الدستوري الدكتور حسن الرفاعي، تؤكد أن في إمكان حكومة تصريف الأعمال تسيير شؤون البلاد في ظل الفراغ الرئاسي المرتقب، وفق المادة 62 من الدستور التي تنقل إلى الحكومة ممارسة السلطة التنفيذية كسلطة تنفيذية وكوكيلة عن صلاحيات رئيس الجمهورية، إضافة إلى أن تعقيدات المواقف والتوازنات النيابية ترجّح فرضية الفراغ في سدة الرئاسة.
سوريا
استهدف عدوان إسرائيلي بالصواريخ من الأجواء اللبنانية بعض النقاط في محافظتي ريف دمشق وطرطوس مساء الأحد الفائت، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة عسكريين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.
فيما استهدفت طائرات مسيرة انتحارية وأخرى مزودة بصواريخ، القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف عند الحدود السورية – العراقية يوم الإثنين الفائت، في ما اعتبره بعض المراقبين رداً سورياً غير مباشر على استهداف ريف دمشق وطرطوس في اليوم الذي سبقه.
كذلك أُفيد باستشهاد ثلاثة عسكريين سوريين وجرح ستة آخرين الثلاثاء الماضي، بعد أن استهدفت الطائرات الحربية التركية بعض النقاط العسكرية في ريف حلب. في هذا الوقت، أكدت مصادر سورية أن القوات التركية أطلقت تحذيرات عبر مكبّرات صوت في المساجد في المدن الحدودية المحاذية لمدينة جرابلس بريف حلب، تحذيرات للأهالي وطالبتهم بالتزام منازلهم تمهيداً لبدء عملية عسكرية جديدة على الأراضي السورية.
لكن أنقرة، سارعت إلى نفْي نيّتها بدء أيّ عمل عسكري برّي في الأراضي السورية، وقد خرج مسؤولون أتراك، ونفوا وجود أيّ عملية من هذا النوع، وأعلنوا فتْح تحقيق للوقوف على خلفيّة تلك الدعوات.
ورغم اعتداءاتها المتواصلة على السيادة السورية، تصب تصريحات المسؤولين في أنقرة في اتجاه آخر، حيث قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، إنه «يجب التوصل إلى تسوية بين النظام والمعارضة لضمان حل واستقرار دائمين في سوريا».
كما نقلت وسائل إعلام تركية عن حياتي يازيجي، نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، قوله «إن العلاقات مع دمشق قد تصبح علاقات مباشرة بعد أن تتطور وترتقي إلى مستوى أعلى». وتأتي تصريحات يازيجي هذه عقب كشف وزير الخارجية التركي، عن لقاء جمعه بنظيره السوري فيصل المقداد العام الماضي، وكذلك بعد دعوته للمصالحة بين المعارضة والرئيس بشار الأسد.
فلسطين
مع توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد 46 فلسطينياً بينهم 15 طفلاً وأربع نساء، وخسائر مادية كبيرة، بدأت تتكشف بعض الحقائق حول جرائم الاحتلال، وآخرها مجزرة مقبرة الفالوجا في جباليا والتي راح ضحيتها خمسة أطفال من عائلة واحدة إثر استهدافهم بصاروخ من طائرة إسرائيلية مسيّرة أثناء تواجدهم داخل المقبرة التي تتوسطّ منازلهم، لا بصاروخ فلسطيني كما تم الترويج سابقاً.
وخلال مؤتمر صحافي عُقد في مكان استشهاد الأطفال في مخيم جباليا، طالب ذوو الأطفال الشهداء السلطة الفلسطينية برفع ملف مقتل أطفالهم إلى محكمة الجنايات الدولية ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة. كما طالب ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين بتحقيق فوري وشفاف ومستقل وبمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمسؤوليّته عن ارتكاب المجزرة بعد أن ادّعى سابقاً أنها وقعت بسبب سقوط صاروخ أطلقته حركة «الجهاد الإسلامي» ضمن رشقة كبيرة طالت أكثر من 58 مستوطنة، و«فشل في الوصول إلى هدفه».
وعلى رغم أن الاعتراف الإسرائيلي أغلق باباً استُهدفت منه المقاومة معنوياً وشعبياً خلال المعركة، إلّا أنه يفتح أبواباً جديدة «تهدف إلى تعزيز فكرة أن جيش الاحتلال يمتلك مساحة من المصداقية والشفافية والاعتراف بالأخطاء».
من جهتها، اعتبرت «الجهاد» أن «المؤسّسات والمنظّمات الدولية والإنسانية والعالم كلّه أمام أدلّة ساطعة على ارتكاب الاحتلال جرائم حرب استهدفت المدنيين والأطفال خلال العدوان الأخير على غزة.
Leave a Reply