تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
جولتنا العربية هذا الأسبوع تشمل كلاً من لبنان والعراق وسوريا. ففي بلاد الأرز انشغلت الساحة المحلية بالتعديلات التي أدخلت على طبيعة مهام القوات الدولية، قبل عودة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيما لا تزال الساحة العراقية تحاول لملمة مفاعيل الهزة الأمنية التي حدثت الشهر الماضي ولم تكن كافية للدفع باتجاه الحوار. أما في سوريا، حيث تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية، بوتيرة متصاعدة، فقد حسمت دمشق أمرها بعدم المشاركة في القمة العربية المرتقبة في الجزائر في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
لبنان
طغى خبر التعديلات التي أُدخلت على مهام قوات «اليونيفل» في لبنان، إلى جانب عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكستين المرتقبة إلى بيروت، على ما عداهما من الملفات رغم حماوتها، كتشكيل الحكومة والاستحقاق الرئاسي، الذي دخل المربع الزمني الأخير، الأمر الذي استدرج مزيداً من السجالات الحادة بين فريقي الرئاستين الأولى والثانية.
التعديلات الأممية التي أثارت قلق اللبنانيين، ولا سيما «حزب الله»، تتركز حول تغيير طبيعة عمل القوات الدولية، حيث بات بإمكانها القيام بمهام التفتيش والمراقبة والدوريات من دون العودة أو حتى التنسيق مع الجيش اللبناني، كما كان يحصل سابقاً وفقاً للقرار الدولي 1701، الذي صدر إثر حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006.
القرار الأممي جرى تمريره هذه المرة من دون اعتراض روسيا والصين كما جرت العادة، وهو ما يكشف عن سوء إدارة للملف وتقصير فاضح من قبل بعثة لبنان في الأمم المتحدة، التي قالت على لسان رئيستها أمل مدللي إنها تواصلت مع الخارجية اللبنانية بشأن مسألة التعديلات قبل عشرة أيام من صدور القرار، فيما نفت أوساط رئيس الحكومة نفياً قاطعاً علمها بالأمر، في وقت أكدت فيه وزارة الخارجية أنها أبلغت مدللي بالرفض التلقائي للتعديلات.
ولاحقاً استدعى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب رئيس بعثة «اليونيفل» أرولدو لاثارو وأبلغه أن «القرار مرّ من دون موافقة لبنان عليه وأن ذلك لا يمكن أن يمرّ ببساطة لما قد يؤدي إليه من توترات ومخاطر تصيب لبنان ويمكن أن تصيب القوات الدولية نفسها». وقد حصل بوحبيب من لاثارو على التزام بعدم تغيير قواعد العمل، وبأن قوات «اليونيفل» يمكنها استكمال مهامها الميدانية بالطريقة السابقة نفسها وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.
مصادر مطلعة على الملف أكدت أن «حزب الله» المعني الأول بما حصل، أرسل رسالة إلى قيادة «اليونيفل» مفادها ضرورة الالتزام بالقواعد المعمول بها سابقاً، لأن أي تجاوز ستكون له مفاعيل خطرة.
أما على خط ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة –وبعد تأكيد عودته ثم نفيها عدة مرات– وصل بعد ظهر الخميس الماضي، الوسيط الأميركي عاموس هوكستين إلى تل أبيب بحسب وسائل إعلام إسرائيلية حيث سيجتمع مع مسؤولين كبار لمناقشة المفاوضات مع لبنان حول الحدود البحرية، قبل توجهه إلى بيروت محملاً بموقف تل أبيب تجاه العرض اللبناني.
ورجحت المصادر ألا تحمل زيارة هوكشتين مسودة اتفاق للنقاش، بل سيكتفي باستعراض نتائج اجتماعته على مدى خمسة أسابيع، ويستمع إلى وجهة نظر لبنان حيال بعض النقاط قبل أن يسافر إلى الخليج ومن ثم إلى الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات مع كل الأطراف المعنية. وبحسب المصادر فإن المقاومة الإسلامية تقوم بخطوات ميدانية على الأرض تشير إلى أنها في وضعية قتالية، وأن التهديدات التي أطلقتها ضد المنشآت الإسرائيلية حقيقية ووشيكة ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات سريعة. كما أبلغ الأوروبيون، الأميركيين بأن عدم التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى معركة تطيح بالاستقرار في كل منطقة شرق المتوسط، وقد يتسع ليشمل كل منطقة البحر الأبيض المتوسط، ما سينعكس على كل مشاريع إمداد أوروبا بالغاز من هذه المنطقة، فيما ستكون موسكو المستفيد الأول من هذه المعركة في حال حصولها.
وبناء على هذه المعطيات، سارع الأميركيون إلى تكرار ضغوط غير معلنة على زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لعدم إقحام الملف في المعركة الانتخابية في إسرائيل، واتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بلابيد لحثه على السير قدماً في الاتفاق.
وبحسب المصادر، فإن المعطيات التي تجمعت في أميركا وفرنسا ولبنان تشير إلى أن الجانب الأميركي حصل من حكومة لابيد على موافقة مبدئية على مطالب لبنان لناحية تثبيت الخط 23 واعتبار حقل قانا كاملاً من حصة لبنان مقابل «كاريش» لإسرائيل. واعتُبرت موافقة لابيد، مدعوماً من المؤسستين الأمنية والعسكرية، بمثابة ورقة حفظها الوسيط الأميركي في جيبه.
وقبيل وصوله، أجربت سلسلة اتصالات بين كبار المسؤولين اللبنانيين، وتم الاتفاق على صياغة الموقف الذي سيتبلغه الموفد الأميركي، والذي سيؤكد على أنه ليس لدى لبنان ما يضيفه على ما أبلغه إياه في الرحلة الأخيرة، وأن الوقت الذي سيطلبه هوكشتين يجب أن يكون محدداً وليس مفتوحاً كما حصل المرة الماضية.
كذلك سيتبلّغ الوسيط الأميركي بأن محاولة تأخير الاتفاق إلى ما بعد الأول من تشرين الثاني المقبل، أي موعد الانتخابات في إسرائيل، وبقصد عدم توقيع الرئيس ميشال عون، يتطلب إما ضمان انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون الاتفاق أول أعماله، أو ضمان تشكيل حكومة جديدة في لبنان قبل نهاية الولاية الرئاسية.
في شأن لبناني آخر، أعلن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض تكليفه من قبل الرئيس ميقاتي بتشكيل وفد للذهاب إلى طهران ومناقشة ملف هبة الفيول الإيرانية. خطوة اعتبرها كثيرون ذرّاً للرماد في العيون بعد التسويف الفاضح الذي أبداه ميقاتي إزاء العرض الإيراني الذي تكرّر مرات عديدة، في محاولة لتفادي الحرج الذي أوقع نفسه فيه من خلال الرفض غير المبرّر، على غرار ما حصل بتوقيع اتفاقيات استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية!
على صعيد الاستحقاقات الدستورية، يستمر السجال عنيفاً بين فريقي الرئيسين عون وميقاتي، على خلفية وراثة صلاحيات رئيس الجمهوية بعد شغور منصبه، حيث نُقل عن ميقاتي تأكيده أن الحكومة هي التي ستتسلّم تلك الصلاحيات، وسط رفض قاطع من الفريق الآخر وإصرار على تشكيل حكومة جديدة. اللبنانيون باتوا يعرفون جيداً أن حسم هذا الملف دونه عقبات كثيرة بفعل التدخلات الخارجية المكثفة التي اعتادها بلدهم، وربما لن يحصل الحسم إلا في ربع الساعة الأخير، هذا إن حصل!
العراق
يبدو أن الخضة الأمنية الخطيرة التي حدثت في بغداد الشهر الماضي، لم تكن كافية لدفع العراقيين للجلوس إلى طاولة حوار تأخذهم باتجاه التوافق والخروج من أزمتهم السياسية المستحكمة.
فزعيم «التيار الصدري»، السيد مقتدى الصدر، «المعتزل لفظياً» لا يزال يخوض معركته السياسية بكل ديناميكية، مستمراً في تغريداته النارية المليئة بالشروط واللاءات تحت اسم وزيره الوهمي «محمد صالح العراقي» رغم الدم الذي سُفك وكاد أن يأخذ البلاد والعباد إلى الهاوية!
آخر تغريدات «وزير القائد»، الخميس الماضي، أعلن فيها أن الصدر يرفض وبشكل مطلق عودة كتلته إلى مجلس النواب العراقي بعد استقالة أعضائها منه، فيما أكد أن هذا الانسحاب هدفه سد الطرق كافة على التوافق السياسي مع «الإطار التنسيقي»، عاقداً الأمل على حلفائه من السنة والكرد لحل البرلمان والمضي قدماً نحو إجراء انتخابات مبكرة في البلاد يشرف عليها رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي.
من جانبه، رفض «الإطار التنسيقي» دعوة الصدر للإبقاء على الكاظمي وحكومته للإشراف على الانتخابات البرلمانية المبكرة، ونقل عن أحد قيادييه عائد الهلالي القول إن «قرار تغيير حكومة الكاظمي أمر متخذ ولا تراجع عنه» مؤكداً أن «حكومة الكاظمي بلا صلاحيات ولا يمكنها أن تكون مشرفة على الانتخابات المبكرة» وأن قوى «الإطار التنسيقي» «عازمة ومصرّة على تشكيل حكومة جديدة، خلال الأيام القليلة المقبلة، ولا تراجع عن هذا الخيار».
دستورياً، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، الأربعاء الماضي، أنه لا يجوز لأية سلطة «تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية»، مؤكدة أنه ليس من اختصاصها حل مجلس النواب العراقي، وذلك في ردّها على دعوى «التيار الصدري» بهذا الصدد.
وكان نصار الربيعي، الأمين العام للكتلة الصدرية، قد رفع دعوى على كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، للحكم بحلّ مجلس النواب لدورته الخامسة، وإلزام رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية وفقاً لأحكام المادة 64 من الدستور. أما الصدر، فكان قد دعا مجلس القضاء الأعلى إلى حل البرلمان، وتكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة، لكن المجلس رفض طلب الصدر، قائلاً: «إنه لا يمتلك هذه الصلاحية». في ظل هذه الأجواء المشحونة والمأزومة، يعيش العراقيون يومياتهم، وهم يترقبون انفراجة تنتشلهم من قعر الأزمة السياسية التي طالت أوجه حياتهم كافة.
سوريا
للمرة الثانية خلال أسبوع، تعرّض مطار حلب شمالي سوريا، مساء الثلاثاء الماضي، لقصف إسرائيلي جديد، بعدد من الصواريخ من اتجاه البحر غرب اللاذقية ، ما أدى إلى أضرار مادية في مدرج المطار وإلى خروجه من الخدمة. وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن «الدفاعات الجوية تصدّت للعدوان الإسرائيلي وأسقطت عدداً من الصواريخ». وفي نهاية الشهر الماضي، كان مطار حلب قد تعرّض لقصف إسرائيلي، أدّى إلى أضرار مادية، كما طال قصف مماثل بعض النقاط جنوب شرقي دمشق. ويأتي هذان الهجومان بعد قصف نفّذته طائرات إسرائيلية، لمنشأة بحوث سورية في مدينة مصياف أواخر آب الماضي، وأدى إلى وقوع إصابات.
وفي بيان لها، أكدت وزارة الخارجية السورية أن تكرار الاعتداءات الإسرائيلية ولا سيما الاستهداف الممنهج والمتعمّد للأعيان المدنية في سوريا، هو جريمة حرب بموجب القانون الدولي وإنه لا بد أن تُحاسب إسرائيل عليها. ولفت البيان إلى أن سوريا ستمارس حقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها بكل الوسائل اللازمة وفي ضمان مساءلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن هذه الجرائم.
بعيداً عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أعلن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، يوم الأحد الفائت، عدم مشاركة بلاده في القمة العربية المقرر عقدها في الجزائر يومي 1 و2 تشرين الثاني المقبل. وأشارت وزارة الخارجية الجزائرية إلى أن الموقف السوري الذي عبّر عنه المقداد يأتي «حرصاً على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي».
يذكر أن الموقف السوري بعدم حضور القمة، جاء بعد تأجيلها عن موعدها الذي كان مقرراً في آذار الماضي، حيث كان موقف حضور سوريا من عدمه أحد أهم نقاشات الجزائر مع الدول العربية بسبب موقف عدد من الدول العربية التي لا تزال ترفض حتى اليوم عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد قرار تجميد عضويتها من قبل وزراء الخارجية العرب في 12 تشرين الثاني عام 2011، وتزامن أيضاً مع فرض عقوبات على دمشق.
Leave a Reply