تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في بانوراما هذا الأسبوع، جولة تشمل العراق الذي ساده هدوء سياسي فرضته أربعينية الإمام الحسين لكنه قد لا يكون سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة مع استمرار أزمة الحكم التي تعصف بالبلاد منذ عشرة أشهر، وفلسطين المحتلة حيث أعلنت حركة «حماس» عودة علاقاتها مع سوريا إلى سابق عهدها بينما تتزايد المخاوف الإسرائلية من اندلاع انتفاضة جديدة، فيما لبنان المأزوم على الصعد كافة، يخطو بسرعة نحو الانهيار الشامل.
العراق
بعد استضافة مدينة كربلاء الأسبوع الماضي الدورة الأولى من مؤتمر «نداء الأقصى الدولي»، تحت عنوان «مبادئ النهضة الحسينية ودورها في تحرير القدس وثورة الشعب الفلسطيني»، والذي شارك فيه المئات من الشخصيات السياسية والدينية من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، تغص بلاد الرافدين هذه الأيام بالوافدين إليها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي إحياءً لأربعينية الإمام الحسين، حيث امتلأت شوارع المدن بملايين الزوار من داخل العراق وخارجه.
المناسبة الدينية أرخت بظلالها على المشهد السياسي العراقي برمته، ما انعكس هدوءاً في الخطاب العام في ما يشبه الاتفاق الضمني لتمرير الحدث الديني الذي يتهيأ له العراقيون على مدار العام، ولاسيما على الصعيد الأمني بهدف ضمان أمن الزائرين، وسط اعتقال العديد من الشبكات التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضدهم.
وكانت لافتة هذا العام، المشاركة الفاعلة –للسنة الثانية على التوالي– في «موكب نداء الأقصى» وهو موكب فلسطيني يشارك في مسيرة الأربعين واستقبال واستضافة الزائرين المتوجهين نحو مرقد الإمام الحسين، وقد أكدت شعاراته مركزية القضية الفلسطينية، وتحرير القدس.
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، الخميس المنصرم، توافد أكثر من 20 مليون شخص بينهم أجانب، إلى محافظة كربلاء المقدسة، لأداء الزيارة الأربعينية.
وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء يحيى رسول، في تصريح لعدد من وسائل الإعلام، إن «مجموع زائري الأربعين، تجاوز 20 مليون شخص، بينهم خمسة ملايين زائر أجنبي». وأضاف رسول، أن «هناك قطعات أمنية كبيرة وصلت إلى محافظة كربلاء، لتأمين الزيارة، كما أن هناك جهداً لطيران الجيش على مدار الساعة لتأمين أجواء مدينة كربلاء ومحيطها».
وعلى خط الأزمة السياسية، ما زال التيار الصدري على موقفه في رفض مبدأ التوافق في تشكيل الحكومة، ويصرّ على مبدأ الأغلبية، بمعنى أن تشكَّل الحكومة من قوى تمثل أغلبية في مجلس النواب، فيما تذهب باقي القوى لتشكل المعارضة.
غير أن قراءة الواقع العراقي تؤكد أنه لا يمكن تشكيل حكومة أغلبية، والحل الوحيد هو الذهاب الى حكومة توافقية، وأكبر دليل على ذلك حالة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وأن الحل الوحيد هو الحوار الوطني بين القوى السياسية كافة، والذي بدوره يحتاج إلى عقد جلسة للبرلمان، من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، ثم تكليف مرشح الكتلة الأكبر (الإطار التنسيقي) بعد استقالة الكتلة الصدرية لترؤس الحكومة العتيدة، من أجل إكمال بقية الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمتها النظر في حل البرلمان بالاتفاق مع باقي الكتل السياسية. يُشار إلى أنه وفقاً للدستور العراقي، لا يمكن حل البرلمان إلا بناء على طلب من ثلثي أعضاء المجلس أو بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية.
من جهته، أعلن «الإطار التنسيقي» في بيان ألّا تراجع عن الأطر الدستورية، وشدّد على تمسكه بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني مشترطاً تعيين رئيس جديد للحكومة بصلاحيات كاملة قبل إجراء أية انتخابات جديدة، بالتوازي مع مواصلة الحوار مع جميع الأطراف لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية.
ووسط حالة الجمود القائم، تحدثت مصادر عراقية عن زيارة ستتم في الأيام المقبلة تضم وفداً مشتركاً من تحالفَي «السيادة» برئاسة محمد الحلبوسي و«الفتح» برئاسة هادي العامري، إضافة إلى رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، لزعيم التيار الصدري بهدف محاولة إقناعه بالقبول بتشكيل الحكومة المقبلة وطرح مبادرة قد تمثل خريطة طريق لحل الأزمة، تتلخص في تشكيل حكومة لمدة سنة واحدة والإعداد لانتخابات مبكرة.
فلسطين
وسط تزايد المخاوف الإسرائيلية من اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية انعكست في تصريحات العديد من المسؤولين الإسرائيليين، استشهد مقاومان فلسطينيان، وقُتل ضابط صهيوني، صباح يوم الأربعاء الماضي، في اشتباك مسلح وقع قرب حاجز الجلمة، شمال جنين بالضفة الغربية المحتلة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إنه بارتقاء شهداء الجلمة يرتفع عدد الشهداء منذ بداية العام الحالي إلى 151 شهيداً، بينهم 100 في الضفة الغربية و51 في قطاع غزة
فيما ذكرت صحيفة «هآرتس» أنه منذ بداية عام 2022 بلغ عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا برصاص القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية 81 فلسطينياً، وهو رقم غير مسبوق منذ سبع سنوات.
وفي إطار سياسة التهجير والتطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين في ظل غياب تام لمؤسسات حقوق الانسان، أوقفت قوات الاحتلال، الثلاثاء الماضي، العمل في منزل وبئر مياه وبإزالة منشآت زراعية، في مسافر يطّا، جنوب الخليل.
يُذكَرُ أن سلطات الاحتلال أصدرت عام 1999، أوامر بإخلاء نحو 700 فلسطيني من سكان مسافر يطّا بسبب «السكن في منطقة إطلاق نار بصورة غير قانونية» بحسب زعمها.
كما اعتقلت بحرية الاحتلال أربعة صيادين فلسطينيين، واستولت على قاربين في عرض بحر قطاع غزة، ولا يزال مصير قارب ثالث مجهولاً. وتطارد قوات الاحتلال الصيادين العاملين في بحر قطاع غزة وتعتدي عليهم يومياً عبر إطلاق النار والاستيلاء على قواربهم ومعداتهم.
كما أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء أيضاً، مدخل بلدة قصرة جنوب نابلس بالسواتر الترابية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع مواجهات في المنطقة، أطلق خلالها جنود الاحتلال الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع.
في المقابل، وحفاظاً على هوية الأقصى، دعت مؤسسة القدس الدولية الأهالي في القدس والأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية إلى النفير العام، والرباط في الأقصى في هذا الموسم الخطير منَ الأعياد اليهودية، وإلى التصدي للمستوطنين «المقتحمين» في بيان لها يوم الثلاثاء المنصرم.
في الشأن الفلسطيني أيضاً، وبعد زيارة مطوّلة لموسكو، ولقاءات عديدة أجراها وفد من حركة «حماس» برئاسة إسماعيل هنية، كان لافتاً البيان الذي أصدرته الحركة الخميس الماضي، وأعلنت فيه عودة العلاقات مع سوريا إلى سابق عهدها قبل القطيعة التي استمرت نحو عشر سنوات إثر الحرب السورية التي اتخذت فيها «حماس» موقفاً معادياً لدمشق. وحرص بيان الحركة على إبداء التقدير لسوريا قيادة وشعباً لوقوفهم إلى جانب القضية الفلسطينية.
لبنان
على حاله منذ أكثر من ثلاث سنوات، يترنّح لبنان مقترِباً أكثر فأكثر من الانهيار الشامل، وسط ضبابية تلف المشهد الإقليمي–الدولي، مع ما لذلك من انعكاس على الداخل اللبناني، وتستمِر أيضاً المراوحة في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وملف تأليف الحكومة المتعثّر منذ أشهر، بالتزامن مع ارتفاع جنوني لسعر صرف الدولار الأميركي الذي يكاد يلامس الأربعين ألفاً، ومع رفع الدعم نهائياً وبالكامل عن المحروقات لتصبح أسعارها عرضة لتقلبات سعر الصرف في السوق السوداء.
وعلى مسار تأليف الحكومة، قال مصدر قريب من القصر الجمهوري إن حراك الساعات الماضية أعطى إشارات مختلفة عن السابق، حيث يظهر أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بدأ يتلقى نصائح محلية وخارجية تدعوه إلى تأليف الحكومة بأي ثمن وعدم أخذ البلاد إلى مواجهة وليس الفراغ فقط، وهو ما دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال إلى تقديم عروضات جديدة تستند إلى التشكيلة الحكومية الحالية مع تعديلات طفيفة، حيث التقى رئيس الجمهورية صباح الخميس الماضي في قصر بعبدا قبل توجهه إلى المملكة المتحدة للمشاركة في مراسم تشييع الملكة إليزابيت الثانية، وتباحثا في الشأن الحكومي، كما زوّد رئيس الجمهورية، ميقاتي ببعض التوجيهات المتعلقة بكلمة لبنان التي سيلقيها ميقاتي في الأمم المتحدة. وبعد خروجه، أكد ميقاتي أن اللقاءات ستستمر حتى تأليف الحكومة. سياسياً أيضاً، عُقدت جلسة نيابية عامة برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإقرار موازنة العام الحالي.
على جبهة المفاوضات البحرية، كانت كل من إسرائيل والولايات المتحدة تتوقعان نتيجة مغايرة لما تراه اليوم من صمود لبناني في وجه الأزمة الاقتصادية الكبيرة، لكن وحدة الموقف اللبناني الرسمي المدعوم بردع المقاومة العسكري، عزز من قدرة لبنان على انتزاع مطالبه.
وإلى حين إنجاز الاتفاق التام، يبقى احتمال المواجهة العسكرية قائماً في حال بدأت تل أبيب بالاستخراج من حقل «كاريش». مطالب لبنان باتت معروفة وهي حصوله على كل المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها وفقاً للخط 23 وإعطاؤه حقل «قانا» كاملاً مهما توغّل حدّه الجنوبي ضمن المياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة وتمكين شركات التنقيب من العمل في الحقول اللبنانية بعد رفع «الفيتو» الأميركي عنها.
الوسيط الأميركي عاموس هوكستين الذي زار بيروت الأسبوع الماضي، غادرها متفائلاً، ولاحقاً أعلن عدد من المسؤولين اللبنانيين أنهم تسلموا منه إحداثيات جديدة يعكفون على دراستها.
من جانبه، رفع الطرف الإسرائيلي، نبرة التهديد، وتبارز عدد من جنرالاته ومسؤوليه في رفع سقف تلك التهديدات ضد لبنان ولاسيما ضد «حزب الله»، متوعدين بتدفيعه ثمناً باهظاً إذا أقدم على أي عمل عسكري ضد المنصات الإسرائيلية، وليبعدوا عن حكومتهم في الوقت نفسه شبهة الخضوع لإملاءات لبنان و«حزب الله»، كي تبدو في ظاهر الأمر وكأنها مجرد بادرة إسرائيلية طيبة ملؤها الإشفاق والتعاطف إزاء شعب بات على شفير المجاعة الحقيقية، فيما هي في حقيقة الأمر خضوع حقيقي بسبب معادلة الردع المستجدة التي أرستها المقاومة ودعمت بها المفاوض اللبناني.
ترقب يسود الساحتين اللبنانية والإسرائيلية وعضّ أصابع في المربع الأخير، بانتظار ما سيقوله الأمين العام لـ«حزب الله» السبت المقبل في خطابه بمناسبة أربعينية الإمام الحسين.
Leave a Reply