تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في بارنوراما هذا الأسبوع، نتجول في أبعاد قمة طهران كرد جيوسياسي على زيارة الرئيس الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط، ونجاحها في تحقيق الأهداف المنشودة منها، على عكس لقاءات الأخير في تل أبيب وجدة. مروراً بالغضب الشعبي والرسمي في العراق من الاعتدءات التركية على مدينة دهوك بكردستان العراق التي أسفرت عن قتل وجرح العشرات، وانتهاء بلبنان حيث أعاد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله التأكيد على المعادلة التي تضمنها خطابه الأخير، والتي شددت على أنه ليس بإمكان إسرائيل الاستفادة من النفط، إذا لم يحفظ حق لبنان.
قمة طهران
حتى قبل أن تتكشّف نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية التي عوّلت على تخفيف تداعيات الحرب على أوكرانيا، وزيادة إنتاج النفط السعودي، وتشكيل «ناتو» عربي ضد الجمهورية الإسلامية، جاءت قمة طهران –الثلاثاء الماضي- لتشكل رداً جيوسياسياً صارماً على الإدارة الأميركية وحلفائها الأساسيين، وفي مقدمتهم العربية السعودية وإسرائيل.
القمة التي جمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نجحت بترجمة التقارب مع روسيا على عكس رغبة الولايات المتحدة التي تسعى إلى تعميق عزلة موسكو، ولجم القيادة التركية عن توسيع عملياتها العسكرية في شمال سوريا، والتقدم باتجاه فتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة من جهة، وكذلك زيادة التعاون بين موسكو والرياض في إطار «أوبك+»، بحسب ما أفاد الكرملين، الخميس الماضي.
في الملف السوري، نجحت قمة طهران، على الأقل في الوقت الحالي، في تجميد العملية العسكرية التركية التي كان أردوغان يلوّح بها، لإخلاء الشريط الحدودي من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهو ما لاقى رضى سورياً تمثل في إعراب الحكومة السورية عن ارتياحها من نتائج القمة، وذلك رغم إصرار الأتراك على أنهم لم يحصلوا على ما يصبون إليه، بسبب التحديات الماثلة أمام الجهود الرامية إلى تطبيق اتفاقيات سوتشي، وعلى رأسها ضرورة إخلاء المناطق المهددة بشكل فعلي، لا رمزي، وهو ما تزال «قسد» تبدي تذبذباً فيه.
لكن تركيا المستاءة من استبعادها من قمة جدة وعدم استدعائها لكي تكون شريكاً في الترتيبات الأمنية الأقليمية، خاصة بعد أن تطورت علاقاتها مع دول الخليج الرئيسية وإسرائيل، أرادت من مشاركتها في قمة طهران توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة، مؤداها أن استثناءها من ترتيبات الشرق الأوسط، سيكون له تأثير على موقفها من الصراع الروسي–الأوكراني، إلا أن طموحها بالحصول على ضوء أخضر في عملية عسكرية بشمال سوريا لم يتحقق.
ففي اللقاء الثنائي الذي جمع بين أردوغان، والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله السيد علي خامنئي، أبلغ الأخير الزعيم التركي بأن العملية المحتملة لأنقرة في الشمال السوري «ستعود بالضرر» على مختلف دول المنطقة؛ إذ قال: «ستعود بالضرر على سوريا، ستعود بالضرر على تركيا، وستعود بالضرر على المنطقة».
وحذّر خامنئي من أن الخطوة التركية المحتملة ستحول دون تحقيق «الدور السياسي المتوقع من الحكومة السورية أيضا»، وستصبّ في صالح «الإرهابيين»، معتبرا أن على «إيران وتركيا وسوريا وروسيا حل هذه المشكلة من خلال الحوار».
ويلوّح أردوغان منذ قرابة شهرين بتنفيذ عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، تنطلق من الحدود التركية وتمتد إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب في شمال سوريا، إذ تخشى أنقرة من الوجود القوي لأكراد سوريا على حدودها ما قد يعزّز موقع حزب العمال الكردستاني المتمرد داخلها، والذي تصنفه كـ«منظمةً إرهابية».
ورغم أن القضية السورية شكلت المحور الأهم في القمة، إلا هدف إيران الأساسي كان واضحاً بشكل لا لبس فيه، والذي تمثل في تشكيل تحالف مضاد للناتو العربي المزمع، الذي تتطلع الولايات المتحدة إلى تشكيله بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.
ومشاركة بوتين في قمة طهران لم تكن بعيدة عن تأكيد ذلك الهدف، إذ كان بإمكان الرئيس الروسي أن يعقد قمة مع الإيرانيين في منتجع سوتشي أو في أي مكان آخر، لكن إصراره على الذهاب إلى طهران، اشتمل على رسالة موجهة إلى بايدن، تفيد بأن لموسكو أوراقاً يمكن توظيفها لإفشال خطط واشنطن، مثلما تتدخّل هي في أوكرانيا لعرقلة التقدم العسكري الروسي.
لقد أظهرت زيارة بوتين إلى طهران، التي أعلن عنها بالتزامن مع زيارة بايدن الشرق أوسطية، بأن موسكو مستعدة لدعم الإيرانيين بأكثر من استعداد واشنطن لدعم الأوكرانيين، وذلك بقصد إفشال خطط الرئيس الأميركي وحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، لاستهداف إيران، بعدما نأت دول الخليج بنفسها عن المشاركة في تحالف إقليمي كان الغرض منه تلويح العصا بوجه الجمهورية الإسلامية.
بالمقابل، وجدت إيران الفرصة متاحة لإثبات أنها ليست «مكسر عصا»، وأنها تمتلك بدائل جدية لمواجهة أي «ناتو»، من خلال تأكيدها على الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، بما فيها تزويدها بالأسلحة والأعتدة الحربية لموسكو، والتي لن تكون صفقة المسيرات الأخيرة بين البلدين سوى البداية.
وفي هذا الإطار، أكد أحد المسؤولين الإيرانيين المرموقين، أن العلاقات الجيوسياسية المتطورة بين طهران وموسكو بعد الحرب على أوكرانيا، هي رسالة لواشنطن بأن إيران لن تتوانى عن دعم روسيا في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
في الأخير، نجحت القمة في تصدير الصورة المطلوبة من «التضامن» بين الأطراف المستهدفة بالعقوبات الغربية، فيما ثبت بوضوح توجّه كلّ من روسيا وإيران إلى تعزيز علاقاتهما على المستويات كافّة، الأمر الذي سيكون محطّ متابعة ورصد من قِبَل الأطراف الغربية، التي لا تستبشر خيراً بتلاقي خصومها والمعاندين لسياساتها.
وفي هذا السياق، جاءت القمة بين الأطراف الثلاثة المتضررة من قمة جدة، كرد مباشر على الرئيس الأميركي لإفهامه بأن أجندته في الشرق الأوسط وأوروبا وأوكرانيا لن تمر بالسهولة التي كان يتصورها، والتي كشف النقاب عن بعض ملامحها خلال تصريحاته في جولته الشرق أوسطية.
العراق
المجزرة المروّعة التي ارتكبتها تركيا من خلال استهداف أحد المنتجعات في مدينة دهوك بكردستان العراق، حرفت الأنظار -إلى حد ما- عن التسريبات التي نُسبت إلى رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي ونشرها الناشط العراقي المقيم خارج البلاد علي فاضل، عبر صفحته على موقع تويتر، والتي انشغلت بها أروقة السياسة العراقية، مستدرجة ردوداً عنيفة من البعض، في مقدمتهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي تناوله المالكي في التسريبات -إن صحت- «بالعمالة لإسرائيل وقتل العراقيين»، وبأنه قاتل وسارق كما وصف فيها الحشد الشعبي بأنه «أمّة الجبناء»، حيث نصح الصدر المالكي «بإعلان الاعتكاف واعتزال العمل السياسي، أو بتسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية، مبدياً تعجبه من صدور هذه الاتهامات من «حزب الدعوة المحسوب على آل الصدر»، وفق تعبيره.
ودعا الصدر جميع قيادات الكتل المتحالفة مع «حزب الدعوة»، وكبار عشيرة المالكي، إلى إصدار استنكار مشترك لهذه الاتهامات، بُغية إطفاء الفتنة. كما استنكر الصدر في بيانه اتهام الحشد الشعبي بالجُبن، والتحريض على الاقتتال الشيعي-الشيعي، وحذّر من تدخل طرف ثالث في إزكاء الفتنة بين العراقيين، عبر استغلال هذا التحريض.
مجزرة دهوك
وبالعودة إلى مجزرة دهوك، ووسط حداد عام، رسمي وشعبي، شيّع العراق -الخميس الماضي- جثامين ضحايا الهجوم الذي استهدف منتجعًا سياحيًا في محافظة دهوك بإقليم كردستان، والذي اتهمت بغداد تركيا بالوقوف خلفه واصفة إياه بـ«الغاشم»، فيما نفت أنقرة على لسان وزير خارجيتها تشاويش أوغلو مسؤوليتها عن الاعتداء.
هذا، وتوحد العراقيون في إدانتهم لجريمة دهوك بكل مكوناتهم واعتبروها اعتداء صارخاً على السيادة والأمن العراقيين، وطالبوا بتقليل التمثيل الدبلوماسي مع تركيا وإغلاق المعابر معها، بالتوازي مع خروج تظاهرات في العديد من المدن العراقية، استنكرت الاعتداء التركي وطالبت تركيا بالاعتذار والانسحاب من الأراضي العراقية.
وعلى أثر ذلك، قررت بغداد إعداد ملف شامل حول الانتهاكات التركية ورفعه إلى مجلس الأمن. كما قرر المجلس الوزاري للأمن الوطني في العراق، استدعاء السفير التركي لدى بغداد على خلفية الهجوم الذي استهدف مصيف برخ بمحافظة دهوك، وأسفر عن سقوط 9 ضحايا و23 جريحاً، وإبلاغه إدانة بغداد لهذا الهجوم.
لبنان
استكمالاً لتصريحاته حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، الأسبوع الماضي، تحدث الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في اللقاء العاشورائي الذي يعقده سنوياً مع المبلّغين وقرّاء العزاء، مؤكداً بأن «المقاومة تمسك باللحظة التاريخية لإنقاذ لبنان».
وأعاد نصرالله التأكيد على مواقفه السابقة، بأن «لا استخراج للنفط والغاز في كل إسرائيل إذا لم يأخذ لبنان حقه»، لافتاً إلى أن الحرب ليست حتمية، وقال: «لسنا متأكدين بأننا ذاهبون إلى حرب، قد نشهد استهدافاً موضعياً ورداً يناسبه، والأمر مرتبط بموقف الإسرائيلي الذي قد يدحرج الأمور إلى الحرب، لكن، في المقابل، قد يخضع الإسرائيلي حتى من دون حرب».
وأضاف نصرالله: «ليس لدينا رغبة بفتح جبهة. نريد حقوقنا فقط. ونحن نرفع السقف لكي يخضع الأميركي والإسرائيلي، لأن مسار الانهيار في لبنان مستمر. إذا كان الحل بالنسبة إلى البعض هو الاستسلام، فهذا ما لا نقبل به على الإطلاق».
وأشار نصر الله إلى أن الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود لم يعد –حتى الآن- بجواب واضح، رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها لبنان. وقال: «أتمنى ألا نطلق رصاصة أو صاروخاً وأن يتراجع العدو. وننتظر التطورات وجاهزون لكل شيء».
ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أن خطابه الأخير ساهم في التأكيد على المفاوضات وليس تعطيلها، وقال: «مازلنا ننتظر الردود، هنالك إشارات إيجابية، ولكن لا رد من العدو حتى هذه اللحظة».
وفيما يخص ترسيم الحدود البحرية، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أن المستشار الأميركي لشؤون الطاقة، آموس هوكستين، سيواصل العمل مع لبنان وإسرائيل في ملف المفاوضات حول الحدود البحرية. ورداً على سؤال عما إذا كانت هناك أية خطة لذهاب هوكستين إلى لبنان أو إسرائيل لدفع المحادثات بين البلدين، قال برايس: لم نعلن أي سفر لآموس هوكستين، فقد كان في لبنان، وكان في إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسبق أن أصدرنا بيانًا في أعقاب سفره الأخير.
في الأثناء، أعلن نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب أنّ موضوع ترسيم الحدود البحرية أصبح في مرحلة متقدّمة.
في المقلب الآخر، أكدت وسائل إعلام عبرية بأن المسؤولين الإسرائيليين يتعاملون بجدية كبيرة مع تهديدات نصر الله لأنهم “يدركون أنه قد ينفذها”، فيما كشف محللون إسرائيليون أن رئيس الحكومة يائير لابيد طلب من الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستين التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت، بسبب الخشية من تنفيذ حزب الله تهديداته.
أما ملف تشكيل الحكومة، فمايزال يراوح في مكانه، إذ لم يُسجل -خلال الأيام الماضية- أي تطور عملي في هذا الشأن، ويبدو أن كلا الرئيسين ينتظر من الآخر خطوة متقدمة، ما يشي الملف قد وضع على الرف، في المرحلة الراهنة.
Leave a Reply