تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في البانوراما العربية هذا الأسبوع، يعيد لبنان تكليف رئيس حكومته الحالية لتشكيل حكومة جديدة ويدخل معمعة التأليف بانتظار الرد الإسرائيلي المرتقب على مقترح ترسيم الحدود البحرية. أما في العراق فيتجه البرلمان الجديد نحو قبول عشرات الأعضاء الجدد الذين سيحلون بدلاً من نواب كتلة الصدر الذين استقالوا بشكل جماعي على وقع تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة. وفي تونس، يستمر الكباش بين الرئيس قيس سعيد والقوى المعارضة له، مثل «حركة النهضة» و«اتحاد الشغل»، حول رسم مستقبل البلاد ودستورها الجديد. لكن الحدث الأبرز تمثل في جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مصر وتركيا والأردن تمهيداً لزيارة الرئيس الأميركي للشرق الأوسط الشهر القادم.
لبنان
أسفرت الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا –الخميس الماضي- عن تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الرابعة في حياته السياسية، والأخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
ويؤشر عدد الأصوات المنخفض الذي حصل عليه، وهو 54 صوتاً، إلى صعوبة تمكنه من تشكيل حكومة قادرة على نيل ثقة مجلس النواب، المحددة دستورياً بالأكثرية المطلقة، أي 65 نائباً، ناهيك عن حاجته إلى موافقة رئيس الجمهورية، شريكه في التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة.. التي ستُنقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال وقع الفراغ في قصر بعبدا، بعد أربعة أشهر، إذا فشلت القوى السياسية في انتخاب بديل لعون.
وفي حال لم يتمكن ميقاتي من التأليف وحلّ الفراغ في القصر الجمهوري، فسوف يتوجب عليه إدارة البلاد بحكومة تصريف أعمال للمرة الأولى في الحياة السياسية اللبنانية.
وبسبب إدراكه لصعوبة ما ينتظره، دعا ميقاتي جميع القوى السياسية، عقب استدعائه إلى قصر بعبدا لتكليفه بتشكيل الحكومة إلى «لحظة مسؤولية تاريخية، لحظة نتعاون فيها جميعاً لاستكمال مسيرة الإنقاذ الفعلي بأقصى سرعة»، معلناً مدّ يده إلى الجميع «من دون استثناء، بإرادة وطنية طيبة وصادقة».
وشدد ميقاتي على ضرورة تنحية الاختلافات المتفاقمة بين الأفرقاء السياسيين، وقال: «لم نعد نملك ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب»، مضيفاً: «أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة».
وفي مقابل الأصوات الـ54 التي حصل ميقاني عليها، نال السفير نواف سلام 25 صوتاً. وفيما نال كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والدكتورة روعة الحلاب، صوتاً واحداً، فقد امتنع 46 نائباً عن التسمية.
وأتت الأصوات التي نالها ميقاتي من كُتل: «الوفاء للمقاومة»، «التنمية والتحرير»، «نواب الأرمن» و«المشاريع»، إضافةً إلى تكتلي: «الوطني المستقل» و«الاعتدال الوطني»، وعددٍ من النواب المستقلين.
وفيما أعطى النائب جهاد الصمد صوته للحريري والنائب إيهاب مطر للحلاب، صوّتت لسلام كتل: «اللقاء الديمقراطي»، «نواب الكتائب»، و«شمال المواجهة»، إضافةً إلى «النواب التغييريين» (ما عدا النواب سينتيا زارازير وإلياس جرادي وحليمة قعقور الذين لم يسموا أحداً).
أمّا من امتنعوا عن التّسمية، فهم تكتلا «لبنان القوي» و«الجمهورية القوية»، إضافةً إلى عددٍ من المستقلين.
وفيما سيبدأ ميقاتي اليوم جولته البروتوكولية على رؤساء الحكومة السابقين، والتي ستشمل الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، يُنتظر أن يحدّد رئيس مجلس النواب موعد الاستشارات النيابية غير الملزمة للتأليف، في مجلس النواب.
العراق
دعا مجلس النواب أعضاء المجلس لحضور جلسة استثنائية ستُعقد يوم الخميس (مع إعداد هذا التقرير)، استناداً إلى أحكام المادة 58 من الدستور، وبناءً على طلب عددٍ من أعضاء المجلس، لحضور قسم اليمين للنواب البدلاء الذين سيحلون مكان النواب المستقيلين من كتلة الصدر، ما سيرفع عدد مقاعد «الإطار التنسيقي» إلى نحو 123 مقعداً، مما سيجعله الكتلة الأكبر التي ستسمّي رئيس الوزراء الجديد.
وقالت العضوة في مجلس النواب العراقي زهرة البجاري، إن «الإطار بعد أداء اليمين الدستورية للنواب الجدد سيتقدم بطلب الى هيئة الرئاسة مقروناً بتواقيع نوابه لإعلان نفسه الكتلة الأكبر، التي سيتم تكليفها بتسمية رئيس الوزراء بعد التصويت على رئيس الجمهورية المقبل».
وفي تقييم للوضع المستجد إثر استقالة نواب الكتلة الصدرية، أكد القيادي في تحالف «الفتح» محمود الحياني، أن التحالف سعى بنوايا خالصة من أجل إقناع التيار الصدري بالمشاركة في الحكومة المقبلة، لِما له من ثقل سياسي وجماهيري، ولما لوجوده من أهمية في دعم الحكومة المقبلة ونجاحها، لافتاً إلى أن استقالة نواب الكتلة الصدرية كانت نهائية بحسب قرار زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، كما أن البرلمان أصدر رسمياً أوامر ديوانية بقبولها.
واعتبر الحياني الإسراع في استبدال النواب المستقيلين أمراً طبيعياً لضمان تثبيت عضوياتهم ومصادقة المحكمة الاتحادية عليها قبل مباشرة مجلس النواب عقد جلساته في الفصل التشريعي المقبل. ولفت الحياني إلى أن تشكيل الحكومة المقبلة لن يكون سهلاً وهو بحاجة الى جهود كبيرة لضمان ولادتها بالشكل الملائم لمعطيات المرحلة بتحدياتها السياسية والاقتصادية والصحية والخدمية.
وفي سياق المشاورات القائمة بشأن استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية أفاد مصدر سياسي عراقي، بأن «الإطار التنسيقي» التقى وفداً من «الحزب الديمقراطي الكردستاني» خلال زيارته العاصمة بغداد، وأبلغه بضرورة حسم الحزبين الكرديين لمرشح رئاسة الجمهورية، مشيراً الى أن «الإطار» أكد أن مدة حسم الكرد لمرشح الرئاسة ليست مفتوحة وبخلافه قد يدخلون البرلمان بمرشحين اثنين.
تونس
تسلّم الرئيس التونسي قيس سعيّد مسودة الدستور الجديد، والذي أُنجز على عجل بعد أربع جلسات معلنة للجنة الاقتصادية والاجتماعية.
وكان المنسق العام لـ«الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة» في تونس، الصادق بلعيد، سلم الاثنين الماضي النسخة الأولية لمشروع الدستور الجديد للرئيس سعيد، للنظر فيه قبل نشره للعموم يوم 30 حزيران (يونيو) الجاري.
وأكّد سعيد أن مشروع الدستور ليس نهائياً وأن بعض فصوله قابلة للمراجعة قبل طرحه للاستفتاء العام يوم 25 تموز (يوليو) المقبل.
ووفقاً لبعض المشاركين في جلسات الحوار الأخيرة، فإن الدستور الجديد سيعتمد النظام الرئاسي، بدلاً من النظام شبه البرلماني الذي أرساه دستور عام 2014.
وأعلنت قوى سياسية عدة –بينها حركة «النهضة»– مقاطعتها الاستفتاء، مؤكدة أن نتيجته معلومة مسبقاً، فيما تتواصل الاضرابات التي تقودها النقابات كـ«اتحاد الشغل» والمتضررين من قرارات سعيد مثل القضاة المعزولين.
وقد نقلت مواقع إخبارية عن سعيد قوله إنه لا يمكن تطهير البلاد من دون تطهير القضاء.
وقال الرئيس التونسي إنه سيتم تغيير الفصل الأول من الدستور الجديد لتونس لينص على أن الإسلام دين الأمة وليس دين الدولة، ورأى أن الدولة ذات معنوية في حين أن الدين يرتبط بالإنسان، حسب تعبيره.
وأضاف سعيد، في كلمة خلال إشرافه على انطلاق أول رحلة للحجيج التونسيين من مطار تونس قرطاج الدولي، أن الدولة تسعى إلى تحقيق مقاصد الإسلام والشريعة، على حد قوله.
ونقلت عنه مواقع إخبارية تونسية قوله «الدين دين الأمة، وليس دين الدولة، فهذه الأخيرة شركة عمومية لا يمكن أن تمر على الصراط أو تُحمَل زقفونة لتدخل الجنة أو النار»، (زقفونة تعبير ورد في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري الذي عاش في القرن الخامس الهجري).
مسوّدة الدستور تضمنت أيضاً، الإصلاحات الاقتصادية المقترحة والتنصيص على الحقوق والحريات مع التوجه نحو نظام رئاسي. ويقول المشاركون في إعداد الدستور إنه يحتوي على الضمانات الممكنة كي لا يتحول إلى نظام رئاسي مطلق وإنه سيجمع بين النظام الرئاسي بصلاحيات تامة ونظام برلماني له المراقبة وله مبادرة التشريع وله مكانته.
جولة ابن سلمان
أجرى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال الأسبوع الماضي، جولة إقليمية شملت مصر والأردن وتركيا، وتخللها توقيع اتفاقيات اقتصادية وتفاهمات سياسية لرسم خارطة التحالفات في المنطقة قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة للشرق الأوسط، الشهر القادم.
ووفق بيانات صحفية، بحث ولي العهد مع قادة مصر والأردن وتركيا «القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك»، ناهيك عن الإعلان عن اتفاقيات اقتصادية بين السعودية وهذه الدول.
ورمت الزيارة بحسب المراقبين إلى تحديد «الأولويات والملفات» قبل قمة جدة الأميركية–الخليجية–العربية التي سيحضرها بايدن تمهيداً لإقامة جبهة موالية لواشنطن –تشمل تركيا– في مواجهة إيران.
في مصر تم الإعلان عن وعود باستثمارات سعودية بقيمة 30 مليار دولار، من ضمنها 14 اتفاقية بقيمة 7.7 مليار دولار تم توقيعها بالفعل الثلاثاء المنصرم.
وكشفت صحيفة «الأهرام» الحكومية أن الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة كانت بين «مجموعات استثمارية سعودية وجهات مصرية حكومية وخاصة»، وشملت عدة قطاعات بينها البنية التحتية والخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والطاقة المتجددة.
وبحسب بيان رسمي، جرى خلال اللقاء الذي جمع ابن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «استعراض العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين، والإشادة بمستوى التعاون والتنسيق في ما بينهما على جميع الأصعدة»، وذلك قبل أن يتوجه ولي العهد السعودي إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المجمع الرئاسي وسط استقبال مهيب، بعد قطيعة بين البلدين استمرت منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018.
واكتسبت زيارة ابن سلمان إلى تركيا، أهميّة خاصة، نظراً لكونها الأولى لشخصية من «آل سعود»، إلى تركيا، منذ زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أنقرة في 11 نيسان 2016، والتي سبقت قمّة «منظمة التعاون الإسلامي» في إسطنبول حينها. كما تأتي الزيارة بعد أخرى أجراها أردوغان إلى السعودية، في 28–29 نيسان الماضي، حيث التقى الملك سلمان ووليّ عهده. ولا شكّ في أن جدول أعمال الزيارة الأخيرة، كان حافلاً بالموضوعات الثنائية والقضايا المشتركة، وعلى رأسها التطوّرات في شرق المتوسّط وشمال سوريا، والعلاقات الإقليمية والدولية، ولا سيما بعدما تراجعت حظوظ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
وأكد الأمير السعودي والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عزمهما المشترك لتعزيز التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك، المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية.
ويكثف أردوغان المبادرات لتطبيع العلاقات مع قوى إقليمية بينها السعودية وإسرائيل والإمارات قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف حزيران 2023، وفي وقت يقضي التضخم على قدرة الأتراك الشرائية.
وبعد أنقرة، توجه ابن سلمان إلى الأردن للقاء الملك عبدالله الثاني في ختام الجولة الشرق أوسطية، حيث أكدت السعودية والأردن في بيان مشترك دعمهما الجهود الدولية الرامية إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وجدد البيان الطلب من إيران وقف التدخل في شؤون دول عربية.
وقال بيان مشترك في ختام الزيارة إن الرياض وعمّان تدعمان «الجهود العربية لحث إيران على الالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول العربية والمحافظة على مبادئ حسن الجوار وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار».
وجاءت زيارة ولي العهد السعودي للأردن في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأردني من الآثار الاقتصادية غير المباشرة لحرب أوكرانيا.
وعقد ملك الأردن وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان اجتماعاً في قصر الحسينية بحضور ولي عهد المملكة الأردنية، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.
ونقل عن ولي العهد السعودي قوله في بيان عقب المحادثات إنه يؤكد حرص بلاده المتواصل على توطيد العلاقات الأخوية مع الأردن، مضيفاً أن هناك فرصاً كبيرة في الأردن ستعود بالنفع على البلدين.
وقال مسؤول أردني كبير لوكالة «رويترز» إن صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية السعودي، يدرس استثمار مليارات الدولارات في مشاريع بنية تحتية عملاقة في الأردن، ومنها مشروع سكك حديدية يقدر بنحو 2.5 مليار دولار.
وللسعودية ما يزيد على 12 مليار دولار من الاستثمارات في الأردن. وكانت أنقذت الأردن ذات مرة بضخ السيولة، لكنها أوقفت الدعم المباشر للميزانية.
وشهدت العلاقات السعودية – الأردنية فتورا، في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عندما شعر الأردن الحليف الوثيق للولايات المتحدة بأن علاقات الرياض القوية مع الإدارة الأميركية قوضت دوره المحوري في صنع السلام بين العرب وإسرائيل، وفق «رويترز».
كما توترت العلاقات بين السعودية والأردن بسبب اتهامات بأن الرياض كان لها دور في مؤامرة حيكت ضد العاهل الأردني من جانب أخيه غير الشقيق الأمير حمزة.
Leave a Reply