تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
في جولتنا الأسبوعية على المنطقة العربية، نتوقف أولاً عند أزمات لبنان الخانقة والمتصاعدة وسط جمود المسار الحكومي ولعبة عض الأصابع المستمرة بين التهدئة والحرب التي يخوضها «حزب الله» ضد إسرائيل حول ملف الغاز، فيما تشهد الساحة السورية تطورات ميدانية خطيرة مع الأميركيين شرقاً وسط رسائل الغزل التركي، أما في العراق فتغلي البلاد على صفيح ساخن وخيارات مفتوحة على احتمالات التوافق والتفجير.
لبنان
بانتظار عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت في الأيام القليلة المقبلة، لحسم مسار المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، وسط غموض موقف تل أبيب من شروط المفاوضين اللبنانيين وتهديدات «حزب الله» باستخدام القوة العسكرية لمنعها من استخراج الغاز في حال لم يتم السماح للبنان بالاستفادة من ثرواته.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «الأخبار» خريطة رسمية صادرة عن إدارة قطاع البترول تثبت امتلاك لبنان مزيداً من الحقول الغازية خلافاً لإصرار بعض المسؤولين اللبنانيين على حصر هذه الحقوق بحقل قانا المشكوك في احتمال وجوده كحقل عابر للخطوط. كما أن دراسات أجرتها شركات أجنبية تضمنت خرائط ثنائية الأبعاد تظهر بوضوح وجود مكامن غاز عابرة للخطوط في البلوكات الجنوبية 8 و9 و10 وخصوصاً «قانا الغربي» كحقل عابر من ناحية البلوك رقم 8، إضافة إلى «قانا الرئيسي».
وفي السياق أكد «حزب الله» أنه ينتظر نتائج المفاوضات، مجدداً وقوفه خلف الدولة اللبنانية مع «الجاهزية العالية»، مشدداً على أن شهر أيلول هو موعد الحسم.
هذا الموقف أعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» خلال مهرجان كبير نظمه تحت عنوان «أبجدية النصر» اختتم به فعاليات «الأربعون ربيعاً» التي كان قد أحياها لمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيس الحزب. وقد تميز الاحتفال باستخدام تقنيات فنية عالية مثل تقنية «الهولوغرام» إضافة إلى مشهدية تمثيلية امتزج فيها التمثيل المسرحي الحي بعرض توثيقي للمراحل المفصلية التي مر بها الحزب خلال مسيرته.
في شأن تشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، لم تأتِ الزيارة الرابعة التي قام بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يوم الأربعاء المنصرم لقصر بعبدا بنتيجة تذكر، واكتفى بالقول «للبحث صلة»، فيما أكدت مصادر بعبدا عدم وجود تقدم وأن لا جديد في طرح ميقاتي، الذي ربط البعض اندفاعته باتجاه تحريك عجلة التشكيل باستشعاره «لا مبالاة» دولية إزاء الجمود الحاصل على الساحة السياسية، ولاسيما مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، بلحاظ أن حكومته ليست سوى حكومة تصريف أعمال.
أمام ذلك، عمد ميقاتي إلى أخذ المبادرة لتعويم حكومته أملاً بحصولها على صلاحيات تمكنها من إدارة البلاد ولاسيما مع ترجيح كفة الفراغ الرئاسي، على الأقل في المدى المنظور، وفي حال فشله في بث الروح في حكومة تصريف الأعمال سواء عبر التعديل في بعض الأسماء أم في تطعيمها بستة وزراء يسميهم القادة السياسيون، كما جرى التداول. وستكون بذلك، الكرة قد أصبحت في ملعب الرئيس عون، وأنه هو من يعرقل عميلة التشكيل.
هذه الأجواء السلبية المثيرة لليأس في عملية التشكيل، أخذت الأزمة باتجاه الخلاف على هوية وريث الموقع الرئاسي ما دام الشغور بات أمراً شبه واقع، بينما ترتفع حدة السجال بين فريق ميقاتي وفريق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
في الشأن الحياتي، عادت هذا الأسبوع طوابير المواطنين لتزدحم أمام محطات البنزين، فيما تأرجح دولار بيروت بين 33 و 34 ألف ليرة، وسط استمرار أزمة الدواء والاستشفاء، فضلاً عن مشكلة اللبنانين الكبرى والتي تؤثر على كل تفاصيل حياتهم اليومية بنحو ضاغط جداً وهي أزمة الكهرباء، حيث أعلنت «مؤسسة كهرباء لبنان» وضع معمل الزهراني قسرياً خارج الخدمة بعد ظهر يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) من جراء نفاد مخزونها من الوقود، ما سيؤدي إلى توقف إنتاج الطاقة على الأراضي اللبنانية كافة.
سوريا
بعد رسائل الغزل المتكررة من جانب أنقرة باتجاهها، خرقت دمشق أخيراً جدار الصمت وأعلنت من موسكو، التي تقوم بوساطة إلى جانب طهران، بين الجارين –تركيا وسوريا– أنها لا تُمانع من عودة العلاقات مع تركيا على أساس متين وواضح، يضمن لها استعادة سيطرتها على كامل أراضيها، ويمهّد لبدء حوار سوري–سوري حقيقي.
وفي ما يمكن اعتباره أول تصريح سوري رسمي بهذا الخصوص، وبعد تجاهل «متعمَّد»، نفى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بعد لقاء مطوّل بينهما في موسكو يوم الثلاثاء الماضي، وجود شروط لتطبيع العلاقات مع تركيا، مستدركاً بأن ثمة قضايا جوهرية يجب معالجتها «على أساس احترام سيادة الدول»، مضيفاً أن أول الاستحقاقات الماثلة أمام البلدَين هو «إنهاء الاحتلال، ووقف دعم الإرهاب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحلّ مشكلات المياه».
في شأن سوري أيضاً، وحيث لا يكاد يخلو أسبوع واحد من اعتداء إسرائيلي على أراضيها، آخر هذه الاعتداءات كان مساء الخميس الماضي حيث تحدثت مصادر إعلامية عن أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت عدداً من الصواريخ قبل أن تصل إلى أهدافها.
يأتي هذا العدوان غداة شن الطائرات الأميركية عدواناً آخر على ريف دير الزور شرقي سوريا، حيث شنّت القوات الأميركية هجمات صاروخية ضد موقعين كانا يُستخدمان لإطلاق بعض الصواريخ على مواقعها، حسب زعمها.
وكان هجوم بالقذائف الصاروخية قد استهدف يوم الأربعاء الماضي القاعدتين العسكريتين للقوات الأميركية في حقلي العمر وكونيكو النفطيين. وكانت شبكة «أن بي سي نيوز» الأميركية قد أفادت بإصابة عدد من الجنود الأميركيين بهجوم صاروخي استهدف قواعدهم العسكرية شرق محافطة دير الزور. يُشار إلى أن قيادة القوات الوسطى الأميركية أعلنت وضع قواتها في كل من سوريا والعراق في حالة تأهب تحسباً لهجمات متزايدة ضدها.
ولتبرير اعتداءاتها، أعلن وكيل وزارة الدفاع الأميركية كولين كال أن بقايا طائرات مسيرة من الهجوم الذي استهدف في 15 من الشهر الحالي، موقعاً عسكرياً للجيش الأميركي في سوريا تشير إلى أنها تعود مباشرة إلى إيران، فيما نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، وجود أي صلة بين طهران وبين المجموعات التي زعمت واشنطن ارتباطها بها، وسط تأكيد مراقبين أن من يقوم بهذه الأعمال هي المقاومة الشعبية شرق الفرات.
العراق
في أزمة مشابهة للأزمة اللبنانية من حيث تعطل المؤسسات الدستورية، يستمر الفراغ الحكومي في العراق بوضع البلاد على صفيح ساخن، في ظل المسار التصعيدي الذي يسلكه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بعد انسحاب كتلته من البرلمان، ومطالبته بإجراء انتخابات مبكرة.
وبعد اعتصام في مجلس النواب، اعتصم أنصار التيار الصدري في محيط مجلس القضاء الأعلى في بغداد، وهو أعلى سلطة قضائية في البلاد إثر إعلان القضاء عدم قانونية تدخله في مسألة حل البرلمان الحالي، ليعود المتظاهرون وينسحبوا بعد ساعات مع إبقاء الخيم وبعض اللافتات، بعدما واجه تحركهم أمام المجلس تنديداً واسعاً من قبل العديد من الشخصيات والقوى السياسية.
وخرج كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وقادة أحزاب وكتل سياسية بمواقف تكاد تكون متقاربة تُجمع على ضرورة إبعاد القضاء عن دائرة الخلاف السياسي وعدم التوجه نحو تعطيل السلطة القضائية، أما «الإطار التنسيقي» فقد علّق أي فرصة للحوار مع «التيار الصدري» إلا في حال تحقق شرط واحد وهو سحب المعتصمين من البرلمان ومحيط مجلس القضاء الاعلى.
وما هي ساعات على بدء الاعتصام، حتى أعلن مجلس القضاء الأعلى تعليق العمل في جميع المحاكم والمؤسسات القضائية المرتبطة به وبالمحكمة الاتحادية، مع تحميل حكومة مصطفى الكاظمي المسؤولية لعدم توفيرها الحماية اللازمة.
نقابة المحامين العراقيين بدورها، أعلنت تضامنها الكامل مع مجلس القضاء والتوقف عن العمل. تعليق عمل المحاكم هذا اعتبره الصدر عبر وزيره محاولة لإثارة الشارع وإجهاض ثورة وصفها بـ«الإصلاحية»، فجاء التحول نحو التهدئة، إذ طالب الصدر في آخر مواقفه، أنصاره بالانسحاب من محيط مجلس القضاء مع الإبقاء على الخيم، في رسالة واضحة مفادها أن الاعتصام قد يعود في أية لحظة.
«الحشد الشعبي» دخل أيضاً على خط الأزمة معلناً استعداده الكامل لحماية مؤسسات الدولة، كما شدد على الطلب من كل قياداته عدم التدخل في الأزمة السياسية الراهنة وألا يكونوا طرفاً فيها بأي شكل من الأشكال.
وقد أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق، الأربعاء الماضي، أوامر بالقبض على كل من محافظ صلاح الدين السابق ومجموعة موظفين، بسبب شبهات فساد ومخالفات في مشروع التطوير الأمني للمحافظة، كما أصدرت محكمة تحقيق الكرخ، الثلاثاء الماضي، مذكرة قبض بحق النائب المستقيل عن التيار الصدري غايب العميري، والقيادي في التيار، صباح الساعدي، إضافة إلى قادة آخرين من التيار الصدري.
بالتوازي يستمر من يسمي نفسه «وزير القائد» محمد صالح العراقي في إطلاق تغريداته، والتي بات أنصار الصدر ينتظرونها ويعتبرونها أوامر صادرة عن مقتدى الصدر نفسه. آخر التغريدات يوم الخميس الماضي، اتهم فيها المناوئين من الأحزاب، بأنهم «يريدون تشكيل حكومة لكي يكملوا بيع ما بقي من العراق ونهب ما تبقى من ثرواته وخيراته ولكي يخضعوا من لم يخضع لهم إلى الآن»، على حد وصفه.
وكان قد استبقها بتغريدة أخرى في اليوم السابق، تضمنت بياناً من ست عشرة نقطة بشأن أحداث التظاهرات الأخيرة أمام مجلس القضاء، فيما هدد باتخاذ خطوات «مفاجئة» أخرى.
يتساءل العراقيون عما إذا كانت خطوة انسحاب التيار الصدري من أمام مجلس القضاء الأعلى، ستحدث انفراجاً في الأزمة وتكون مقدمة لتلبية الدعوة إلى حوار وطني، في ما عدا ذلك، فإن المشهد العراقي مقبل على تطورات حاسمة يأمل العراقيون بدور فاعل للعقلاء فيها يجنّب البلاد والعباد أي منزلق خطر لا يبقي ولا يذر!
Leave a Reply