في الذكرى العاشرة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2011 نتذكر ضحايا تلك الضربة المؤلمة التي تلقتها بلادنا، ولكننا في الوقت نفسه نتساءل عن فداحة آثارها على العرب والمسلمين وجسامة الأكلاف التي أثقلت كواهلهم طوال عقد كبيس من الزمن واجهوا خلاله حملات تمييز وكراهية واتهامات وتشكيكا بأدوراهم وانتمائهم وتنميطا متعسفا لصورهم، وتعميقا لثقافات التخويف من دينهم ومن سحناتهم، فيما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا” و”المسلموفوبيا”.
وأيضا، نتساءل عن معنى ودلالة تفريخ عشرات المؤسسات الأمنية التي تعمل ضمن سياسات غامضة ومراوغة، معلنة أو سرية، منها على سبيل المثال تجنيد عملاء ومخبرين للتجسس على المسلمين ومساجدهم.
وكانت آخر التقارير قد رصدت تجنيد ما يزيد عن 15 ألف مخبر للعمل لصالح “مكتب التحقيقات الفدرالي” بزيادة ملفتة عما كان عليه الحال في السابق، حيث يشير مراقبون أن تلك الزيادة جاءت لصالح “توظيف” هؤلاء المخبرين في مجال “مكافحة الإرهاب”.
ناهيك عن سن قوانين ضد الشريعة (الإسلامية) في عشرات الولايات الأميركية، سرت فيما يشبه الحمى، لدرجة أن المرء يتساءل فعلا فيما إذا كان المسلمون الأميركيون الذين تبلغ نسبتهم 1 بالمئة من إجمالي السكان، يشكلون فعلا تهديدا للنظامين القضائي والاجتماعي، وللوجهين الاجتماعي والتاريخي، في البلاد!
ويؤكد كثير من المراقبين والمحللين أن الولايات المتحدة صاحبة التجربة والتراث العريقين في الحريات والديمقراطية قد تحولت فعلا إلى “دولة بوليسية” تحت مظلة قوانين وسياسات وممارسات تشبه إلى حد بعيد قوانين الطوارئ في البلدان ذات الأنظمة الديكتاتورية. وفي هذا السياق ليس المسلمون وحدهم من يعانون من وطأة تلك القوانين والإجراءات والمتابعات الأمنية، بل إن الكثير من الأميركيين يشتركون بدفع الفاتورة، ويعبرون عن استيائهم وتذمرهم من التضييقات التي تزيد حياتهم صعوبة في ظل أوضاع اقتصادية كارثية، استثنائية في تدهورها وانسداد آفاقها، لناحية فقدانهم وظائفهم ومنازلهم وتلاشي الحلم الأميركي وانقلابه إلى كابوس مؤرق. ومن يتابع تقارير وأنشطة المؤسسات والمنظمات الحقوقية يعرف حجم الأذى والتهديد الذي يطال منظومة الحقوق والحريات المدنية الأميركية.
وأميركا التي أصبحت القطب الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر ثمانينات القرن الماضي، والتي يفضل البعض وصفها بقائدة المجتمع الدولي، هي أيضا غدت القاطرة التي تجر العالم إلى الهاوية. وبالتدقيق قليلا نكتشف أن أثمان مكافحة الإرهاب يقوم بدفعها إلى جانب العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.. الأميركيون أنفسهم، ومعهم معظم أبناء الأمم الأخرى. فالحرب الأميركية على الإرهاب منذ انطلاق شرارتها الأولى في أفغانستان، ولاحقا في العراق، كان من نتائجها أنها أوقعت أميركا، ومعها العالم، في براثن أزمة اقتصادية تهدد بتفجيرات أزمات سياسية واجتماعية في كثير من المواقع، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
نعم. نتذكر في الذكرى العاشرة لهجمات أيلول 2001 ضحايا ذلك الاعتداء الأثيم، ولكننا أيضا نتذكر الملايين من ضحايا الحروب التي شنتها أميركا في العراق وأفغانستان والغارات على باكستان واليمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب. وإذا كانت أميركا قد نجحت كما تدعي بالقضاء على رأس الشر ودماغ تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، فيحق لنا أن نتساءل إذن.. هل توقفت الحرب هناك؟ وقبلها حققت أميركا هدفها بالنيل من ديكتاتور بلاد الرافدين صدام حسين في العام 2006، فكم هو عدد العراقيين الذين أريقت دماؤهم منذ التاريخ، وأين وصلت “الديمقراطية العراقية”؟
والأهم.. هل توقف المواطنون الأميركيون عن دفع الفاتورة الباهظة بمقتل كل من أسامة بن لادن وصدام حسين؟
ونذكر أيضا كيف ذهب الرئيس باراك أوباما إلى العاصمة المصرية القاهرة بعيد انتخابه لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، وكيف فشل بإنجاز تلك المهمة.
لكن مالم ينتبه له أحد.. هو صورة أميركا عن نفسها هذه الأيام. وفي الذكرى العاشرة لهجمات أيلول الإرهابية علينا امتلاك الشجاعة الكافية للقول: إن على أميركا تحسين صورتها داخل أميركا نفسها قبل كل شيء!!..
“صدى الوطن”
Leave a Reply