الاجواء الايجابية التي تحدث عنها الرئيس السوري قد تعجل فـي تشكيل الحكومة
اشتباكات طرابلس قد تنسف اتفاق الدوحة وتستجيب لصيف ولش الساخن
يعيش اللبنانيون ولادة حكومتهم للعهد الجديد بالساعات، لكنهم يفاجأون، بان تفاؤلهم قد تبدد بسبب الشروط والشروط المضادة، ولعبة توزيع الحقائب، وحجم التمثيل للاطراف السياسية، اضافة الى محاولات الاستئثار واحتكار المراكز الوزارية. ولقد قطع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة فؤاد السنيورة، الفترة المحددة التي تعطى عادة، لتذليل العقبات وتلبية المطالب، ولم يعد مقنعاً ان يأخذ مزيداً من الوقت، وان كان نجح في تلبية مطالب المعارضة، وتحديداً ما كان يطرحه رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» العماد ميشال عون، الذي حصل على حقيبتين خدميتين، مقابل التنازل عن حقيبة سيادية كان يطالب بها، واصبحت حصته مع حلفائه في التكتل هي الوزارات الاتية الاتصالات والشؤون الاجتماعية «للتيار الوطني الحر» وتمت تسمية جبران باسيل وماريو عون لتسلمهما، الزراعة ايلي سكاف، الطاقة الان طابوريان ممثلاً حزب الطاشناق الارمني، وعصام ابو جمرا نائب رئيس الحكومة.
اما حصة حركة «امل» فتوزعت على الشكل الاتي: فوزي صلوخ الخارجية، محمد خليفة الصحة وغازي زعيتر الصناعة، بعد ان تنازل الرئيس نبيه بري عن الزراعة لصالح سكاف.
وحصر «حزب الله» حصته بالوزير فنيش للعمل، وسمى علي قانصو رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي كوزير دولة، وطلال ارسلان وزير الشباب والرياضة، وبذلك يكون اعطى حلفاءه في المعارضة حقيبتين منه، وكان اقترح ان تكون لسني ودرزي، فلم يتجاوب النائب سعد الحريري مع هذا الاقتراح بالتخلي عن مقعد وزاري لشخصية سنية من المعارضة، في حين ان النائب وليد جنبلاط قبل بتوزير طلال ارسلان، لانه لا يريد ثلاثة مقاعد للدروز بل مقعدين فقط، ليتمكن من توزير نائب مسيحي من كتلته النيابية، وقد سمى الوزير الحالي نعمة طعمة ليعود الى وزارة المهجرين، وهو ما دفعه الى الموافقة على ان يكون المقعد الدرزي الثالث للمعارضة، ولكن شرط ان يعود ارسلان ولا يذهب الى الوزير السابق وئام وهاب، او النائب السابق فيصل الداوود او شخصية درزية تنتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث ينظر جنبلاط الى هذه القوى الثلاث، على انها حليفة لسوريا، كما لا يمكنه تحمل حصول اختراق درزي من خارج الثنائية الدرزية الجنبلاطية والارسلانية.
ومع رفض الحريري التخلي عن مقعد سني للمعارضة، اضطر «حزب الله» الى تسمية علي قانصو عن احد المقاعد الشيعية، لان الحزب الذي يمثله هو حزب مقاوم وله تاريخه في المقاومة، ووقف في الاحداث الاخيرة التي شهدتها بيروت وبعض المناطق في الجبل والشمال والبقاع، يدافع عن المقاومة وسلاحها، في وجه قرار الحكومة حول شبكة اتصالات «حزب الله»، وقد سقط له 11 شهيداً في مجزرة ارتكبها «تيار المستقبل» وبعض القوى الاسلامية الاصولية، بحق القوميين الاجتماعيين في حلبا، عندما حاصروهم في مركزهم، وبدأوا باطلاق النار عليهم، وتمكن القوميون من الصمود سبع ساعات ولما نفذت ذخيرتهم، قام المهاجمون بتصفيتهم وهم احياء، ومنهم من كان جريحاً في المستشفى، وقد صوّر المعتدون ما ارتكبوه على اجهزة الهاتف الخلوي، ووزعوا الصور على شبكات «الانترنت» والمواقع الالكترونية، مما اثارت الاشمئزاز والاستنكار، وقد تمت الجريمة على اعين بعض رجال الامن، كما ذكر الحزب القومي الذي اتهم مرتكبي الجريمة مباشرة وسمى «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري والنائب السابق خالد الضاهر الذي اسس ما سمي بـ«المقاومة السنية» لقتال «حزب الله» وحلفائه، كما وجه اصابع الاتهام الى بعض رجال الدين ومنهم مفتي عكار الشيخ اسامة الرفاعي بتهمة التحريض على المعارضة.
ولم يكن اسم قانصو مستحباً عند بعض قوى 14 شباط، وتحديداً سعد الحريري، ولم يهضمه الرئيس السنيورة الذي حاول التنصل من انه لم يتلق رسمياً ترشيحه لدخول الحكومة من «حزب الله» ولا من المعارضة، مما اثار غضب الرئيس بري الذي اكد انه سماه هو، كما سماه «حزب الله» امام السنيورة اثناء لقاء وفد منه به في السراي، ولمزيد من التأكيد اعلن بري، انه لو حصلت الاستشارات مرة جديدة فان اسم قانصو سيكون في طليعة الاسماء، فاحرج بذلك «تيار المستقبل» الذي يتجه الى تسمية شيعي من فريقه، حيث تردد اسم النائب غازي يوسف، وذهب اطراف في الموالاة الى تسمية الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون والسيد ابراهيم شمس الدين نجل الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لاحراج بري وحليفه «حزب الله» الذي سربوا له اسم الامين العام السابق لـ«حزب الله» الشيخ صبحي طفيلي وهو انشق عن الحزب، للضغط عليهما من اجل التخلي عن تسمية قانصو، الذي برر السنيورة والحريري تحفظهما عليه، انه لا يمثل حيثية سياسية، وليس مطروحاً لحكومة وحدة وطنية، وان حزبه شارك في عمليات عسكرية في بيروت يوم 7 ايار مع حركة «امل» و«حزب الله»، وهو من اكثر الاحزاب على علاقة مع سوريا وله امتداد فيها.
لكن هذه التبريرات لم تكن مقنعة لبري و«حزب الله»، فتمسكا بتوزير قانصو، الذي كان وزيراً سابقاً، واكدا ان حزبه له امتداد في كل لبنان، وتجاوز كل المناطق والطوائف وله نائبان في مجلس النواب، وهو منخرط في العمل السياسي وله مرشحون دائمون للانتخابات منذ منتصف الاربعينات من القرن الماضي، وبالتالي فان «الفيتو» عليه ساقط، ولن تتشكل حكومة من دون تمثيل الحزب القومي بالاسم الذي يريده، وان الدخول في لعبة «الفيتوات» على الاحزاب والاشخاص ينسف اتفاق الدوحة، الذي نص على ان يكون للمعارضة 11 مقعداً وللموالاة 16 مقعداً ولرئيس الجمهورية 3 مقاعد، ولا يحق لاي طرف التدخل في حصة الطرف الاخر، فقد يتم تحويل مقاعد المعارضة الى طرف سياسي واحد او اكثر، فهذه حقوق المعارضة، كما قال الرئيس نبيه بري.
فمحاولة السنيورة والحريري خلق عقدة اسمها علي قانصو وتمثيل الحزب القومي ودخوله الى الحكومة، جوبهت بالرفض، لانه اضافة الى عدم استساغة «تيار المستقبل» عودة ممثل القومي الى الحكومة، فهو حاول نقل الازمة من داخل فريق الموالاة، والهروب من الاستحقاق الذي ينتظر، قوى 41 شباط، التي بدأت تتفكك بالرغم من كل الكلام الذي يقال عن انها مازالت موحدة، كما اعلن الحريري، وهو ما يعاكس ما اعلنه جنبلاط من هذه القوى فقدت روحيتها وابتعدت عن اهدافها «الاستقلالية»، الى مصالح فئوية.
فالأزمة داخل الفريق الحاكم كبيرة، وقد ظهرت من خلال، المطالب التي رفعتها «القوات اللبنانية» وحاولت ان تأخذ حصة تساوي حصة «التيار الوطني الحر»، الذي لا تريده ان يخرج منتصراً بأن نال ما طلبه بعد خمسة اسابيع من المفاوضات، فطلب قائد «القوات اللبنانية» بحقيبتين واحدة منهما الاشغال، ولكن طلبه هذا لم يلب، لان هذه الوزارة ذهبت الى الحزب التقدمي الاشتراكي بعد ان تخلى عن وزارة الاتصالات التي حصل عليها عون، عندها طلب جعجع حقيبة العدل التي يصر «تيار المستقبل» عليها للوزير سمير الجسر وهي لها رمزيتها كونها مرتبطة بالمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، كما ان الوزير محمد الصفدي يرفض التنازل عن وزارة الاشغال، في وقت كان «لقاء قرنة شهوان» يطالب بحقيبة وهو ممثل الآن بالوزيرة نايلة معوض، لكنه جوبه بطلب «تيار المستقبل»، توزير ماروني منه، هو النائب السابق غطاس خوري، مما يضع «لقاء قرنة شهوان» خارج الحكومة، وقد عصفت الخلافات داخله ايضاً، على من سيمثله، اذ طالب النائب بطرس حرب ان يكون هو في الحكومة، فيما يطرح النائب السابق منصور غانم البون تسميته هو اضافة الى تشبث معوض بالمقعد الوزاري.
وهكذا برزت الخلافات الى العلن داخل الفريق الحاكم، فقطع الحريري زيارته الى الخارج، وعاد الى حلحلة العقد، لكنه لم يوفق، الا اذا قرر التخلي عن حصته، فيتخلى عن توزير غطاس الخوري لصالح «قرنة شهوان»، ويعطي وزارة العدل الى «القوات اللبنانية»، لكنه سيواجه بعقدة مع النائب وليد جنبلاط الذي يصر على توزير نعمه طعمه عن المقعد الكاثوليكي، فيما يطالب الحريري بتوزير ميشال فرعون، وكذلك هناك عقبة وزارة الاشغال بين «التكتل الطرابلسي» الذي يمثله محمد الصفدي في الحكومة الحالية، ومطروح اسمه في الحكومة الجديدة ويطالب بحقيبة الاشغال، لكن مطروح عليه وزارة الاقتصاد، وقد تتم التضحية بالصفدي لصالح توزير محمد كبارة من «التكتل الطرابلسي».
هذه العقد داخل قوى 41 شباط، قد لا تلاقي حلولاً لها، لا سيما وان «القوات اللبنانية» تهدد بالخروج من التشكيلة الحكومية، وكذلك قد يفعل «التكتل الطرابلسي»، و«لقاء قرنة شهوان»، وقد يملأ «تيار المستقبل» هذه المقاعد مع حليفه النائب جنبلاط، ويكون تشكيل الحكومة معبراً لانفراط عقد قوى 14 شباط، عشية الانتخابات النيابية، حيث ستتبدل التحالفات.
ففي الوقت الذي ظهرت المعارضة موحدة، برزت الموالاة مفككة، ولم تتمكن من الاجتماع للتشاور، وقد ذهب الفريق الحاكم الى حد تأخير تشكيل الحكومة لمنع انهياره، ورافقها توتير للأجواء الامنية في طرابلس التي عادت اليها الاشتباكات بين بعل محسن وباب التبانة، مما زاد من مخاوف ان يبدأ الصيف ساخناً كما وعد مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ولش، حيث بدأ القلق يتصاعد من ان اسقاط اتفاق الدوحة الذي يتعثر في البند الثاني منه وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية، قد يعيد تفجير الوضع الامني، اذ تحدثت التقارير الدبلوماسية، ان السعودية ليست راضية عن النتائج التي خرج بها مؤتمر الدوحة للحوار، لأنه اعطى المعارضة حضوراً قوياً في الحكومة، واعاد الدور السوري الى لبنان، وهذا ما ترفضه المملكة التي ما زالت غير مستعدة لاعادة الحوار مع سوريا واستقبال رئيسها، وهو ما انعكس سلباً على لبنان، ورفع سقف المواجهات السياسية والامنية، وان ما يحصل في طرابلس من معارك، مرتبط بالخلاف السوري-السعودي، وان المعلومات تشير الى ان ثمة تنظيمات اسلامية سلفية تتلقى دعماً من المملكة، تحت عنوان جمعيات دينية، حيث ارتفع الخطاب المذهبي، وبدأ الحديث عن صراع سني-علوي، كما في بيروت صراع سني-شيعي، وهذا يخدم التطرف السني، كما تقول اوساط في المعارضة التي تتهم الفريق الحاكم بإفتعال احداث طرابلس للضغط على تشكيل الحكومة وفق شروط الموالاة، او تأخيرها ريثما تنجلي تطورات المنطقة لجهة توجيه ضربة عسكرية الى ايران وهو ما يستبعده مسؤولون اميركيون، ويعاكس الرئيس السوري بشار الاسد الاجواء المتشائمة،ويتحدث عن ان الاجواء في المنطقة ايجابية لجهة المفاوضات السورية-الاسرائيلية، او التوصل الى اتفاق الدوحة ،او الحوار بين «حماس» و«فتح»، وهذه اشارات ايجابية ستنعكس على لبنان، وان تشكيل الحكومة سوف يتم، حيث نشطت المساعي من اجل ان تحصل قبل 31 تموز، وذهاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى باريس لحضور قمة «الاتحاد من اجل المتوسط»، حيث سيلتقي هناك الرئيس الاسد، الذي جرى بينهما اتصالاً هاتفياً، للبحث في بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية بحق المسافرين اللبنانيين العائدين من دمشق ودفع بدل مالي، وقد تجاوب الاسد في رفع هذا التدبير، الا ان الاتصال لم يقتصر على هذا الموضوع، بل تشير المعلومات الى ان التطرق تم الى الوضع العام في المنطقة، والاجواء السياسية في لبنان، حيث اكد الرئيس السوري لنظيره اللبناني، انه يدعم الاسراع في تشكيل الحكومة، كما كان الامر بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث تقف سوريا الى جانب المؤسسات الدستورية.
هذا الاتصال رفع من نسبة التفاؤل، بأن الحكومة اذا لم تبصر النور قبل قمة الاتحاد من المتوسط، فانها ستولد بعد انعقادها، وان الرئيس سليمان ابلغ زواره وكذلك القيادات السياسية، انه لن يسكت عن تأخير تشكيل الحكومة، لان اوضاع البلاد السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية لا تتحمل التباطؤ في ولادة الحكومة، ولا يجوز ان لا يستفيد لبنان من هذا الصيف اقتصادياً.
فالحكومة اصبحت على قاب قوسين من ان تولد، اذا ما تمكن الفريق الحاكم من حل الخلافات داخله وتقديم تنازلات من اطرافه، وهو الذي كان يؤكد، ان المشكلة هي في انتخاب رئيس الجمهورية، وقبله في التمديد للرئيس اميل لحود، وتبين ان الازمة هي في ان هذا الفريق يحاول ان لا يستجيب للواقع السياسي والشعبي، وان يأخذ بالتحولات التي حصلت على المستوى اللبناني لجهة الحضور القوي للمعارضة، اضافة الى التطورات العربية والاقليمية والدولية مع الفشل الذي اصاب المشروع الاميركي، والبتدل الذي اصاب الموقف الاوروبي من سوريا ودورها الايجابي في لبنان.
Leave a Reply