خمسة عشر عاماً مرت على هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) التي أسفرت عن فاجعة إنسانية كبيرة وإطلاق شرارات لصراعات مدمرة تحت عنوان «الحرب على الإرهاب».
وعلى الرغم من مرور عقد ونصف على تلك الهجمات، وقدوم رئيسين أميركيين -من المفترض أنهما متناقضان- إلى البيت الأبيض، إلا أن الحروب لا تزال مستمرة في تهديد مصير بلدان وشعوب كثيرة بنير الإرهاب الأعمى، فيما من الواضح أن العالم غدا مكاناً أكثر خطورة من أي وقت مضى!
بحلول الذكرى الثانية لهجمات 11 سبتمبر كانت قد مرّ ستة أشهر على الغزو الأميركي للعراق. وفي ذلك الوقت، كان سبعة من كل عشرة أميركيين يعتقدون أن نظام الرئيس الراحل صدام حسين كان ضالعاً في الهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالمية في نيويورك، بفعل حملة تضليل منظمة.
فقد أورد الكاتب رون سوسكايند في كتابه «ثمن الولاء» أن وزير الخزانة الأميركية الأسبق بول أونيل قد كشف عن نية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بغزو العراق في بداية شهر شباط (فبراير) من العام 2001، أي قبل سبعة أشهر من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
لقد روّج بوش الإبن الأكاذيب لتحويل الهجمات الإرهابية الغامضة إلى محفز لتحقيق أهدافه التي تنسجم مع أهداف المحافظين الجدد، واستغل المأساة المؤلمة ليطلق سلسلة من الأحداث التي لا تزال تبعاتها الخطيرة تحرق الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أطلق الغزو الأميركي الجائر للعراق شرارات العنف والإرهاب التي لم تقتصر عواقبها الدامية على المنطقة العربية وإنما امتدت آثارها إلى المدن الغربية في أوروبا وأميركا، من باريس إلى سان برناردينو مرورا ببروكسل واسطنبول وغيرها.
فاز الرئيس باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام في السنة الأولى لتسلمه مقاليد الحكم، لكنه وبكل أسف، اتبع خطى سلفه بتكتيكات مختلفة فاستمر القتل والدمار بالوكالة في المنطقة، فقد «فشل» الرئيس الديمقراطي -كما فشل سلفه الجمهوري- في تطويق التطرف وتجفيف منابعه، حتى استشرى الإرهاب وسيطر على مناطق واسعة من البلدان العربية والإسلامية تحت مسميات جديدة. فولدت «داعش» و«النصرة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتفرعة من التنظيم الأم -أو بالأحرى «القاعدة» المعروفة الانتماء والعقيدة.
فلا شك أن الفكر المتطرف الذي تبنى مقتل آلاف الأميركيين في هجمات ١١ أيلول، هو نفسه الفكر الذي يحرك الجماعات الإرهابية في العالم اليوم. وللمفارقة، أن طفرة الإرهاب هذه جاءت كنتيجة مباشرة لسياسات الحرب على الإرهاب، حتى أن المرشح الرئاسي دونالد ترامب اتهم أوباما بالمشاركة في تأسيس داعش بفعل السياسات الخاطئة من غزو العراق الى الحرب السورية.
وفي واقع الأمر إن داعش هو ثمرة طبيعية وتلقائية للسياسات التي انتهجتها واشنطن في العراق منذ الغزو وما أعقبه من سياسات حل الجيش العراقي واجتثاث البعث ووضع دستور طائفي شكل الأرضية والموارد البشرية اللازمة لإطلاق هذا التنظيم المتوحش الذي أطلق له العنان لإسقاط الدولة السورية بأي ثمن كان.
وأوباما، من جهته لم يتدارك أخطاء سلفه، ولم يبل بلاء أفضل، بل كررت إدارته سيناريو مماثلاً في ليبيا بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، فتحول الجيش اللليبي الى رافد جديد للإرهاب كما حصل مع الجيش العراقي الذي تحول ضباطه وأفراده الى جيش من العاطلين عن العمل، قبل أن تغدق عليهم أموال البترودولار لتجنيدهم في التنظيمات الإرهابية تحت العقيدة التكفيرية.
هذا ما يفسر انتشار التنظيم في العراق وفي ليبيا، حيث تحولت سرت (معقل القذافي) الى ولاية في «الدولة الإسلامية» المزعومة، فيما تنقسم البلاد بين حكومتين متنافرتين وعشرات الميلشيات المسلحة.
أما في سوريا فيواصل أوباما سياسته في دفع المنطقة برمتها الى شفير الهاوية، بعدما فشلت واشنطن بطريقة مثيرة للبؤس في العثور على «المتمردين السوريين المعتدلين» ودعمهم، ولم يبق أمام السياسة الأميركية في مفاوضاتها مع الروس سوى التعويل على التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل قوى إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل، حتى لو كانت تلك التنظيمات تنتمي الى «القاعدة» والفكر التكفيري «على راس السطح».
إن التاريخ يعيد نفسه، فكما دعمت وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) والسعودية «المجاهدين الأفغان» لمحاربة الاتحاد السوفياتي السابق، فإن العديد من الوكالات الاستخباراتية والحلفاء الإقليميين يدعمون المسلحين في سوريا، الذين من الطبيعي أن يوجهوا يوما ما بنادقهم ضد الولايات المتحدة وأي دولة أخرى لا تسلّم بعقيدتهم وتعاليمهم الضالة.
لقد ساهم كل من بوش وأوباما في تعزيز الأسباب الكامنة وراء التطرف وزيادة موجات الاستياء من السياسات الأميركية، فغزوات بوش والطلعات المتكررة للطائرات بدون طيار، عمقت الشعور لدى الشعوب العربية بأن الولايات المتحدة عدو لهم.
في الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة، عام 2009 -قبل إطلاق شراراة الربيع العربي- قال بشكل صريح إن «أميركا ليست في حرب مع الإسلام»، ولكن سياساته في السنوات السبع الماضية لا تنسجم مع تلك التصريحات، لاسيما وأن السياسات الأميركية تسببت بمقتل آلاف وآلاف العرب والمسلمين في العراق وسوريا واليمن وليبيا… كما أن نقص الشفافية حول طلعات الطائرات بدون طيار تضع الشعب الأميركي في حالة من الشك وانعدام اليقين، خاصة وأنها فشلت في قمع توسع الجماعات الإرهابية في المنطقة.
لقد حافظت الولايات المتحدة على علاقات وثيقة مع السعودية، التي على حد تعبير صحيفة «نيويورك تايمز» تضخ الأموال لدعم التطرف في البلدان المستقرة، وفي الوقت نفسه تستمر واشنطن ببيع أسلحة بمليارات الدولارات للحكومة المستبدة متجاهلة انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان.
في الذكرى الـ15 لهجمات 11 أيلول، نرسل بتعاطفنا القلبي للضحايا والقتلى الأبرياء، ليس أولئك الذين سقطوا في نيويورك فقط، وإنما إلى الملايين الذين ذهبوا ضحية الأعمال الوحشية… منذ إعلان «الحرب على الإرهاب».
Leave a Reply