يقفل العام ٢٠١٧، بانضمام لبنان إلى نادي دول النفط والغاز مع اكتشاف كميات هائلة من الذهب الأسود والغاز الطبيعي ظلت خفية لعقود طويلة، لتظهر نتائج الدراسات الأخيرة أن في مياهه الإقليمية عشرة بلوكات من النفط والغاز، كما في الدول المجاورة له، فكان لا بدّ من اتخاذ الإجراءات القانونية والفنية، لإستخراج هذه الثروة من قاع البحر، والتي دلّت أبحاث وتنقيبات أنها موجودة في البحر اللبناني، لكن لم تتعاطَ الحكومات المتعاقبة منذ الخمسينات من القرن الماضي، بجدية مع هذا الموضوع.
لبنان النفطي
وبعد تأخير دام نحو عشر سنوات، أقرّت الحكومة إعطاء الترخيص القانوني لثلاث شركات مكوّناً من «كونسورتيوم» وهي: «توتال» الفرنسية، و«إيني» الإيطالية، و«نوفاتك» الروسية للتنقيب عن النفط في قطعتين بحريتين تعرفان بالرقعة 9 في الجنوب وتمتد على مساحة 1742 كلم2 من الحدود البحرية الجنوبية إلى شمال صيدا، والرقعة رقم 4 البالغة مساحتها نحو 2030 كلم2، والممتدة من البترون إلى شمال بيروت، حيث تعتبر هذه الشركات من الأهم عالمياً، وستبدأ العمل في العام 2019، على أن يتم الاستكشاف في العام 2022 وفق التوقعات الأولية، على أن يتحوّل النفط إلى مادة تجارية بعد خمس أو سبع سنوات من ذلك.
وجاء هذا الإنجاز للحكومة قبل نهاية العام، كهدية إلى اللبنانيين لاسيما الأجيال الشابة التي ستكون أمام ثروة مالية تقدر ما بين 300 و500 مليار دولار، وبعض التقارير ترفعها إلى 700 مليار، مما سينعكس تحسناً اقتصادياً ومالياً في بلادهم، إذا ما تمّت إدارة هذا القطاع بشفافية ودون تقاسمه كما جرت العادة في المحاصصة والهدر والفساد.
إستقالة الحريري
قبل أن يتلقى اللبنانيون البشرى بطي صفحة ملف تلزيم النفط في رقعتين بحريتين، كانت قضية استقالة الرئيس سعد الحريري، أبرز تطور للأحداث الداخلية العام الماضي. فقبل نحو شهرين من نهاية ٢٠١٧ حصلت مفاجأة سياسية لم تكن متوقعة، وهي استدعاء رئيس الحكومة إلى الرياض من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي فرض عليه الاستقالة، فانصاع الحريري وبقي في المملكة محتجزاً لمدة أسبوعين، قبل أن ينجح لبنان بتجاوز الأزمة غير المسبوقة بفعل التضامن السياسي والشعبي الواسع.
الاستقالة غير المسبوقة لرئيس حكومة لبنان من الخارج، وتقييد حرية حركته واتصالاته أشعرت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالارتياب، فرفض قبول الاستقالة حتى عودة الحريري إلى بيروت لشرح أسبابها، لاسيما وأنها جاءت مفاجئة وغير منطقية.
مع رفض الرئيس عون الإستقالة، ووقوف رئيس مجلس النواب نبيه برّي معه، وكذلك أبرز القوى السياسية والحزبية والمرجعيات الدينية، وصمود عائلة الحريري معه ومطالبتها بعودته أيضاً، تحرك المجتمع الدولي المعني باستقرار لبنان، فطالب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون السلطات السعودية بالإفراج عن الحريري، لزيارة فرنسا بناء على دعوة منه، وتدخلت الإدارة الأميركية أيضاً، ووصفت الحريري بـ«الشريك الموثوق» منها، وإتصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ودعا المسؤولين السعوديين إلى إعطاء الحرية للحريري الذي أفرجت عنه المملكة وغادرها إلى فرنسا فمصر وقبرص ثم لبنان، ليتريّث في تقديم استقالته، ويربطها بتنفيذ مبدأ «النأي بالنفس» فعلاً لا قولاً وتجنب تدخل في شؤون دول أخرى لاسيما الشقيقة منها.
قانون الانتخاب
انتهت أزمة استقالة الحريري مع «ندوب» حصلت في العلاقة مع «القوات اللبنانية»، وتخوين لقوى ولشخصيات لم تحفظ الوفاء كما يقول الحريري، ومن هؤلاء اللواء أشرف ريفي، الذي رفع مناصرون لـ«تيار المستقبل» لافتات تصفه بـ«الخائن»، وهو الذي يعتبر أحد المنافسين «للتيار الأزرق» في «المناطق السّنّية».
هذا القطوع الذي مرّ به لبنان في العام 2017، أنقذه من الوقوع في فتنة وحرب داخلية، وهو الذي شهد تطورات إيجابية منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل نهاية العام 2016، وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة الحريري الذي استطاعت أن تنجز قانوناً للانتخاب، بعد تجاذبات سياسية أسفرت عن تمديد ولاية مجلس النواب ثلاث مرات، إلى أن حصل التوافق السياسي على قانون يعتمد النظام النسبي للمرة الأولى في الانتخابات النيابية، وهو عمل إصلاحي في تكوين السلطة لم يشهده لبنان منذ الاستقلال.
وسوف تقام الانتخابات النيابية في أيار (مايو) القادم، بعد انقطاع استمر منذ العام ٢٠٠٩.
إقرار الموازنة
ولم يكتف مجلس النواب الحالي بإقرار قانون انتخاب جديد، بل نجح أيضاً في إصدار أول موازنة عامة للبلاد منذ نحو 12 عاماً. إذ لم تقر موازنة للبنان منذ العام 2005، وكان الإنفاق يتم على قاعدة الإثني عشرية، حيث تعددت مبررات هذا النهج منذ ترؤس فؤاد السنيورة للحكومة منذ العام 2005 وحتى العام 2008، وشغور رئاسة الجمهورية بعد إنتهاء ولايتي إميل لحود وميشال سليمان، ومعرفة أين صرفت مبالغ بقيمة 11 مليار دولار في عهد حكومة السنيورة، إضافة إلى مسألة قطع الحساب، حيث اجتمعت كل هذه العوامل على عدم إقرار الموازنة، حتى انتظمت الأمور مع العهد الجديد، حيث سيكون أمام مجلس النواب دراسة ومناقشة موازنة العام 2018، لضبط الإنفاق وزيادة الواردات.
سلسلة الرتب والرواتب
ومن الإنجازات التي تحققت في العام المنصرم، صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب بعد نضال دام خمس سنوات لموظفي الإدارات الرسمية والأساتذة والعسكريين، بحيث تم رفع الرواتب وتعديل في الدرجات التي يستحقها الموظفون، مع إصلاحات تقوم على تمديد الوقت الرسمي لدوام الموظفين من الإثنين حتى الجمعة إلى الساعة الثالثة والنصف، والتعطيل يوم السبت، وهو ما لاقى رفضاً من مراجع دينية إسلامية، لاسيما من دار الفتوى بأن تكون العطلة يوم الجمعة، لكن العمل بوشر وفق القانون الجديد.
التعيينات
مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب كانت الحكومة قد قامت أيضاً بإجراء تعيينات بارزة في المؤسسات الرسمية، فأنجزت التشكيلات الدبلوماسية التي وضعتها وزارة الخارجية، وكذلك القضائية، وأكملت كل الأجهزة العسكرية والأمنية، كما عيّنت محافظين ومدراء عامين، من أجل تحريك الإدارة وتفعيل القضاء وإظهار حضور لبنان في الخارج.
هذه التعيينات، أرفقها رئيس الجمهورية بوعد وإصرار على مكافحة الفساد، فكان اهتمامه بتعيين هيئات الرقابة التي عليها المساءلة والمحاسبة، وطلب من القضاء التحرّك تلقائياً عند تلقيه أو سماعه بخبر أو تقرير عن فساد، مما يحصّن وضع المؤسسات الرسمية ويقطع باب الرشوة، إذ تمّ إحالة موظفين إلى النيابة العامة المالية في تهم فساد، وصدرت أحكام بحقهم.
تحرير الجرود من الإرهاب
وفي الوقت الذي كانت الحكومة وبمسعى من رئيس الجمهورية، منهمكة في إنجاز الملفات العالقة أو الأساسية، كان الجيش اللبناني، يستعد لمعركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة من تنظيمي «داعش» و«النصرة» حيث لاقت المقاومة بما حققته من تحرير على مدى أعوام لكل الحدود السورية مع لبنان من الإرهابيين، إذ تمكّنت في آب (أغسطس) من العام الماضي من دحر المجموعات الإرهابية من جرود عرسال، وفرض الإنسحاب عليها، كما على «داعش» في القلمون، حيث نجح الجيش مع «حزب الله» في القضاء على الإرهاب عند السلسلة الشرقية من جبال لبنان، واستعادة جثامين تسعة عسكريين من الجيش اللبناني كانوا اختطفوا على يد «داعش» في 2 آب 2014، وبقي مصيرهم مجهولاً، إذ اعتبر تحرير الجرود وقراها من الإرهابيين يوازي تحرير الجنوب مع الاحتلال الإسرائيلي عام 2000.
ومع تمكن الجيش وبالتنسيق مع المقاومة التي كانت تتعاون مع الجيش السوري من إنجاز التحرير، لم تتوقف القوى الأمنية بكل فروعها من اكتشاف وإلقاء القبض على مجموعات وعناصر إرهابية، وإنقاذ لبنان من عمليات تفجير، منها ما كان سيحصل في مقهى «الكوستا» بالحمرا، إلى شبكة كانت تعمل لتفجيرات تستهدف المطار والكازينو والمطاعم والكنائس والمساجد والتجمعات الشعبية في كل المناطق، إضافة إلى اغتيالات سياسية، وهذه كلها أفشلتها الأجهزة الأمنية.
إستحقاقات 2018
ومع طي صفحة 2017، فإن العام 2018 يزخر باستحقاقات مهمة تبدأ مع الشهر الخامس منه في إجراء الإنتخابات النيابية التي حدّد موعدها وزير الداخلية نهاد المشنوق في 6 أيار (مايو) في لبنان وفي 22 و28 نيسان (أبريل) للمغتربيين، الذين تسجل منهم نحو 92 ألفاً موزعين على أربعين دولة، سيشاركون في الانتخابات للمرة الأولى في تاريخها، وهذا إنجاز لمطلب قديم، في أن يقترع المنتخبون، حيث سيكون لهم ستة نواب في الدورة المقبلة موزعين على القارات الخمس ووفق التوزيع الطائفي.
وهذه الانتخابات التي أدخلت عليها إصلاحات، لم تتمكّن الحكومة من إنجازها لاسيما البطاقة الانتخابية البيومترية أو الممغنطة، وسيتم استخدام الهوية أو جواز سفر، وكذلك لن يتمكن الناخبون من أن يقترعوا في أماكن سكنهم.
ومع بدء العام الجديد، سيكون أمام الأحزاب والتيارات، البدء بإعداد مرشحيها وتجهيز ماكيناتها الإنتخابية، وإجراء إتصالاتها السياسية للتحالفات، والتي خلطت الأوراق منذ إنتخاب العماد عون والتحالف بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ»، والتداعيات السياسية التي تركتها استقالة الحريري ونتائجها.
ومع التحضير للإستحقاق الإنتخابي، والذي سيفرز كتلاً نيابية بأحجام جديدة، فإن الاقتصاد وتحريكه هو ما يشغل بال الجميع، مع تدني نسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وازدياد حالة الفقر.
Leave a Reply