طائرات مدنية تتحول لأسلحة دمار شامل.. والمحافظون الجدد يشنون حرباً مفتوحة على الإرهاب
واشنطن – مرت الأسبوع الماضي الذكرى السنوية السابعة لأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 التي هزت أركان مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك الأميركية وضعضعت معها أساسات الاستقرار على الساحة الدولية.
بدأت تلك الهجمات في مدينتي نيويورك والعاصمة واشنطن ولكنها لم تنته عند حدودهما بل تجاوزتهما إلى أعالي جبال تورا بورا في أفغانستان وأنهار العراق مروراً بصحراء القارة الإفريقية وليس انتهاء بسهول بلاد الشام. لم يكن يدرِ في خلد أسامة بن لادن أن خطته في استخدام طائراتٍ مدنية كأسلحة انتحارية فتاكة وتحطيم رموز بلاد العم سام الاقتصادية والعسكرية ستفتح أبواب حرب مفتوحة بلا سقف للمكان والزمان.
وكما في الأسطورة الإغريقية، فتحت باندورا صندوقها وأطلقت شروراً ما زلنا نعاني منها وسنبقى إلى أجل غير مسمى. هي وجه من أهوال القيامة كما وصفها كثيرون، دشنت حقبةً جديدةً من العلاقات الدولية وأردتنا صرعى حماقات القوم. أسامة بن لادن، اسم لم يكن ليعرفه الكثيرون ولكنه ظهر في العلن فجأةً لينافس أعتى نجوم «هوليوود» في أغسطس العام 1998 عندما تعرضت السفارتان الأميركيتان في تنزانيا وكينيا لاعتداءٍ إرهابي أودى بالمئات.
ولعل من سخرية الأقدار أن ابن لادن سبق له وأن زار الولايات المتحدة العام 1978 في رحلةٍ علاجية وطفق يدور في أرجاء أوروبا مع عائلته من السويد إلى بريطانيا وغيرها قبل أن ينضم في الثمانينات إلى المد الأصولي الإسلامي الجارف الذي كان ينال زخمه الأكبر من دعم استخبارات الولايات المتحدة وبعض الدول الإسلامية ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
تزعم بن لادن تنظيم القاعدة بعد مقتل مؤسسه الفلسطيني عبدالله عزام، والذي يوصف من قبل العديد من المراقبين بأنه الأب الروحي لابن لادن، بانفجار قنبلة في ظروفٍ غامضة. وجاء شباط (فبراير) من العام 1998 ليعلن بنفسه تأسيس ما يسمى بـ«الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد الصليبين واليهود» ولينتقل من حربٍ مستترة طوال النصف الأول من تسعينات القرن الماضي ضد من تخلوا عنه في ما وراء المحيطات إلى حربٍ معلنة مقدسة لاهوادة فيها هدفها الأول والأخير: قتل أكبر عدد ممكن من الأميركيين أينما كان وكيفما كان.
صباح أسود
لن ينسى النيويوركيون قط الساعة 8:47 من صباح يوم الثلاثاء 11 أيلول 2001. ففي ذلك الصباح الخريفي الممل برتابته وبينما كان مئات الآلاف من سكان نيويورك منهمكين في أعمالهم ارتطمت طائرة بوينغ 767 تابعة لشركة «أميركان إيرلاينز» كانت متجهة إلى مدينة لوس أنجلوس في الرحلة رقم 11 بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي وأحدثت فوهة ما بين الطابقين 92 و99 ما أدى إلى مصرع جميع ركابها الـ103 و1462 شخصاً كانوا متواجدين في البرج إثر تحويل مسارها بعدما كانت أقلعت من مدينة بوسطن.
وتلتها طائرة أخرى من نفس الطراز تابعة لشركة «يونايتد إيرلاينز» برقم رحلةٍ 175 كان على متنها 65 راكباً حولت من مسارها واخترقت البرج الجنوبي في الساعة 9:03 عند الطابق الحادي والثمانين ما أدى إلى مصرع ركابها ونحو 600 شخص كانوا في البرج.
وتوالت الأنباء عن طائرةٍ أخرى من نفس النوع تابعة لشركة «أميركان إيرلاينز» برحلةٍ تحمل رقم 77 على متنها 46 راكباً التهمت مبنى «البنتاغون» في العاصمة واشنطن في تمام الساعة 9:38 وصرعت 125 شخصاً أما الطائرة الرابعة بوينغ 757 في رحلة الموت رقم 93 العائدة لشركة «يونايتد إيرلاينز» والمتجهة إلى مدينة سان فرانسيسكو فقد تحطمت في الساعة 30:01 في أحد الحقول في ولاية بنسلفانيا بعدما كانت متجهة بحسب المباحث الفيدرالية إلى البيت الأبيض مودية بحياة ركابها الـ44.
وانهار البرجان التوأمان في غضون 100 دقيقة إثر انصهارهما بفعل ملايين اللترات من الوقود التي أشعلت «جهنم» بدرجة 1500 مئوية وقتل مئات آخرون اختناقاً أو خلال عمليات الإنقاذ، وأظهرت محطات التلفاز لقطات درامية لأناس كانوا يقفزون من علو شاهقٍ نحو المجهول هرباً من لسع النار لتستقر حصيلة قتلى ذلك الصباح المشؤوم عند 2998 ضحية وإصابة 6291 بجروح.
وفي 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2004 أقّر بن لادن في شريط مسجل بشكل رسمي بأنه خطط وأدار الهجمات التي كان وقودها 91 شاباً عربياً تلقوا دروساً في معاهد الملاحة الجوية الأميركية ليوزعوا على مجموعاتٍ أربع.
كلنا أميركيون.. ولكن
لن ينسى الأميركيون عنوان المقالة الشهيرة التي كتبها جان ماري كولومباني في صحيفة «لوموند» صبيحة الثاني عشر من أيلول 2001: «كلنا أميركيون». نعم، لقد تعاطف العالم بدرجةٍ كبيرة مع مأساة نحو 3000 مواطنٍ أميركي بريء، وما زال، لا ذنب لهم سوى أنهم قرروا صبيحة ذلك اليوم التعس التوجه كما في كل يومٍ إلى أعمالهم غير مدركين أن فصول حياتهم ستختم بطريقة درامية أشبه ما تكون بمأساةٍ إغريقية.
ولكن ذلك التعاطف سرعان ما خبا مع مرور الوقت ليس بفضل نعمة النسيان فحسب بل بفضل سياسات إدارة المحافظين الجديد التي أرادت أن تفصل عالماً جديداً على مقاسها في مرحلة ما بعد 11 أيلول 2001 فارتكبت معها زلاتٍ وأخطاءً قاتلة في تعاملها أثارت تململ حتى أقرب حلفائها. ولطالما أشارت استطلاعات الرأي في العديد من الدول الأوروبية إلى قناعة الأوروبيين بأن أخطر شخصين على السلم والأمن العالميين في عصرنا هذا هما: أسامة بن لان وعدوه اللدود جورج بوش.
لقطات
ابقوا هادئين
في تمام الساعة 2:38 أراد قائد المجموعة الإرهابية في الرحلة رقم 11 محمد عطا التحدث إلى المسافرين من مقعد ربان الطائرة لكنه ضغط الزر الخطأ فأرسل رسالة إلى مراقبة الملاحة الجوية قائلاً فيها «لدينا بعض الخطط، ابقوا هادئين. نحن عائدون إلى المطار». وأردف بعد دقيقة «كل شيء سيكون بخير. إذا حاولتم التحرك، فستعرضون أنفسكم والطائرةَ للخطر، ابقوا هادئين فحسب».
إني أرى الماء
أبلغت المضيفة في الرحلة رقم 11 مادلين سويني موظفي الملاحة الجوية في بوسطن بأن أربعة أشخاص قاموا بخطف الطائرة وتحويل مسارها وقيادتها بسرعة على علو منخفض جداً. وكانت آخر كلماتها قبل أن ينقطع الاتصال: «يا إلهي، يا إلهي، إني أرى بناءً وماء». أثارت تلك المكالمة جدلاً واسعاً لأن سويني أعطت أرقام مقاعد مختلفة للخاطفين عن تلك التي كشفت في سجلات الرحلة. كما أنها تحدثت عن «أربعة خاطفين» فيما أشارت معلومات الاستخبارات الأميركية عن أن المجموعة التي خطفت الطائرة كانت مؤلفة من خمسة أشخاص.
دعونا نسيطر
كانت تلك كلمات أحد الركاب على متن الرحلة رقم 93 ويدعى تود بيمر كإشارة البدء لزملائه المسافرين لاقتحام قمرة القيادة ومنع الخاطفين من تنفيذ مخططهم بعد أن علموا بأن طائراتٍ أخرى تم تفجيرها بمبنى «البنتاغون» ومركز التجارة العالمي. كشفت تسجيلات اللحظات الأخيرة لتلك الرحلة عن عراكٍ وفوضى نشبا على متن الطائرة ما أدى على الأرجح إلى فقدان السيطرة عليها وسقوطها في الخلاء بولاية بنسلفينيا.
Leave a Reply