طارق عبد الواحد – «صدى الوطن»
يعاني اليمنيون المجنسون والمقيمون فـي الولايات المتحدة من بطء وتعقيد إجراءات معاملات الهجرة الخاصة باستقدام عائلاتهم وأقربائهم، والتي قد تمتد لسنوات عديدة فضلا عن زيادة التكاليف المالية التي تصل فـي بعض الأحيان إلى عدة آلاف الدولارات للأسرة الواحدة، مما حوّل هذه المسألة إلى كابوس ثقيل يؤرق الأسر اليمنية فـي المهجر الأميركي.
ويأتي فحص الحمض النووي (دي أن أي) فـي مقدمة العوامل التي تضاعف من تعقيد معاملات الهجرة وطلبات الاستحصلال على تأشيرات الدخول الأخرى، كونه إحدى أبرز الآليات المعتمدة من قبل المؤسسات الحكومية الأميركية فـي إثبات علاقات القربى بين الآباء وأبنائهم، أو بين الأخوة وأشقائهم.
ويسبب هذا الفحص صداعاً من نوع إضافـي لأبناء الجالية اليمنية، وذلك بسبب حساسيته الاجتماعية التي «تجبرهم»، بطريقة أو بأخرى، على إثبات صلات النسب، بين الآباء والأمهات والأولاد والأشقاء، فـي مجتمع قبلي محافظ يعتبر فـيه التشكيك بالأنساب مسألة لا يجوز التساهل فـيها، أو التسامح معها. ولهذا ينظر الكثير من اليمنيين إلى هذه الآلية، آلية إثبات صلات القربى عبر التقدم لفحوص الـ«دي أن أي»، كنوع من الإهانة المبطنة لهم، الجارحة لمشاعرهم وأحاسيسهم ومصدر اعتزازهم الاجتماعي فـي كثير من الأحيان.
وكانت «دائرة الهجرة والتجنيس الأميركية» قد أضافت فحوص الحموض النووي قبل ما يزيد عن خمسة عشر عاما كخيار إضافـي إلى جانب الخيارات التقليدية الأخرى التي تثبت وجود علاقات النسب والقربى بين المتقدمين لطلبات الهجرة من اليمنيين، مثل الوثائق الحكومية، والصور القديمة، وشهادة الشهود، وغيرها.
ولكن انتشار الفساد فـي المؤسسات الحكومية اليمنية، خلال العقود الماضية، وسهولة الحصول على الوثائق والبيانات المزورة، الصادرة والمصدقة من المؤسسات الرسمية اليمنية، قلّل من موثوقية وجدوى تلك الوثائق لدى المؤسسات الحكومية الأميركية، سواء الخاصة بالهجرة أو بالأمن.
ومن أجل تخفـيف معاناة اليمنيين الذي يريدون لم شمل عائلاتهم، قامت مؤسسات ومنظمات يمنية بطرح هذه المشكلة مع مسؤولين ورسميين أميركيين بغية التوصل إلى صيغة معقولة تخفف مما يسميه ناشطون «بالإجراءات التعسفـية ضد اليمنيين»، ولكن لم تحقق تلك الاجتماعات أية نتيجة.
وفـي هذا الخصوص، قال الناشط ضيف الله الصوفـي، الذي يمتلك مكتبا للمحاسبة والضرائب ومعاملات الهجرة فـي ديربورن: لقد قمنا خلال العامين الماضيين بإثارة هذه المشكلة مع مسؤولين فـي «دائرة الهجرة والتجنيس الأميركية» ومدير «دائرة الجوازات فـي ميشيغن» وكذلك مع المدعي العام فـي مقاطعة وين إضافة إلى مسؤولين فـي مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، ولكننا لم نحقق أية تقدم فـي حل هذه «المشكلة العويصة».
وأشار إلى أن مسؤولا فـي دائرة جوازات السفر رد على مطالب اليمنيين بالقول: «أنا مستعد أن أثبت لكم أنه لا يمكننا الاعتماد على وثائق الحكومة اليمنية، فأنا يمكنني الحصول على هوية شخصية وجواز سفر مزورين».
وأكد الصوفـي أن اختبارات الحمض النووي تؤثر فـي طول المدة المطلوبة لإنجاز معاملات الهجرة، فبدلا من أن تستغرق المعاملة بين 8 الى 12 شهرا فإن معظم المعاملات تستغرق ما بين 3 الى 5 سنوات، وبعضها قد يستغرق أكثر من 10 سنوات.
ولفت إلى أن تلك الاختبارات تزيد من الأعباء المالية على المتقدمين بحيث تكلف معاملة أسرة واحدة مكونة من عدة أفراد بضعة آلاف من الدولارات.
من ناحيته، أشار الزميل الصحفـي عبد الملك المثيل إلى أن معاملات الهجرة فـي السنوات الأخيرة ازدادت صعوبة وتعقيدا بسبب ظروف الحرب فـي اليمن وانهيار المؤسسات الحكومية اليمنية وتوقف السفارة الأميركية فـي صنعاء عن استقبال طلبات الهجرة، ما حدا باليمنيين الحاصلين على الجنسية الأميركية بالتوجه إلى بلدان أخرى من أجل استكمال معاملاتهم، مثل جيبوتي والجزائر وماليزيا وأرتيريا، وهذا بدوره يكلفهم المزيد من الجهود والأموال.
كما أن الحصول على نتائج فحوصات الحمض النووي للمتقدمين يتطلب مزيداً من الوقت الذي قد يطول لعدة شهور، وذلك بسبب إرسال العيينات المطلوب فحصها إلى مختبرات مختصة فـي الدول الأوروبية.
وأنحى المثيل باللائمة على النظام اليمني السابق «الذي كان سبباً مباشراً فـي انتشار الفساد فـي مؤسسات الدولة» والذي لم يتحمل مسؤولياته الوطنية فـي حل هذه المشكلة مع الحكومة الأميركية.
ولدى إحالة ما قاله المثيل إلى نائب السفـير اليمني لدى العاصمة الأميركية واشنطن عادل السينيمي، رد بالقول «لقد تواصلنا مع المؤسسات الحكومية الأميركية ذات العلاقة وكان ردهم أنهم يقومون ببحث هذه المسألة والعمل على معالجتها».
وأكد فـي محادثة هاتفـية مع صحيفة «صدى الوطن» أنه من الأجدى أن يقوم اليمنيون الأميركيون بإثارة هذه المسألة مع المسؤولين الأميركيين، ففـي مثل هذه الحال تصبح المسألة «قضية حقوق مواطنين أميركيين يطالبون حكومتهم بحل مشاكلهم».
وأضاف «فـي نهاية الأمر، نحن كجهة حكومية رسمية نحترم القوانين والأنظمة فـي الولايات المتحدة وندرك أن لهم أسبابهم التي تدفعهم لاعتماد مثل تلك القوانين، ولكن اليمنيين الأميركيين يمتلكون فرصة لتحقيق نتائج أفضل فـي هذا الخصوص كونهم مواطنين أميركيين، ونحن فـي السفارة اليمنية سنفعل ما بوسعنا من أجل مساعدتهم».
وشدد الناشط عقيل الحالمي أن اختبارات الحمض النووي هي إجراءات تعسفـية بالدرجة الأولى وينبغي على السلطات الأميركية أن تجد حلا عادلا لهذه المعضلة التي يدفع ثمنها الكثيرون من أبناء الجالية اليمنية.
وأضاف: فـي الوقت نفسه، علينا ألا نتجاهل مسؤولية بعض اليمنيين الذين خالفوا القوانين الأميركية واستغلوا فساد المؤسسات الحكومية اليمنية فلجأوا إلى التزوير واستقدام الكثيرين من اليمنيين بزعم أنهم أبناؤهم أو أقرباؤهم، مقابل مبالغ مالية، والآن فإن كامل الجالية تدفع ثمنا باهظا لجشع تلك الفئة القليلة من المزورين.
Leave a Reply