كمال ذبيان – «صدى الوطن»
هل دخل لبنان مرحلة التسوية الداخلية، مع مطالبة القوى السياسية بانعقاد «دوحة لبنانية» كتلك التي أنتجت تسوية عام 2008، والتي دعا إليها النائب سليمان فرنجية على طاولة الحوار مؤخراً، ثمّ أعقبه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، فـي إحدى خطبه الأخيرة، بإطلاق مبادرة تقوم على تسوية تحت سقف الطائف، ولا تدعو الى مؤتمر تأسيسي كما سبق له واقترح قبل أكثر من عامين، بل الى حل لأزمة رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب وصيغة الحكومة المقبلة، وهو ما لقي ترحيباً من الرئيس سعد الحريري الذي أيّد «لبننة الحل»، فـي وقت ينشغل العالم عنا بقضايا أخرى، لاسيما الوضع فـي سوريا، وتحوّل الإرهاب الذي تقوم به الجماعات التكفـيرية فـيها، الى خطر عالمي، والى حرب مفتوحة على كل المجتمعات، التي لم توفر لبنان، الذي استطاع بفضل أجهزته الأمنية والعسكرية وجهودها، أن يوقف شبكات وخلايا إرهابية ويعطّل عملياتها الإجرامية.
صورة أرشيفية تجمع الحريري وفرنجية.(أرشيف) |
فأمام امتناع الدول عن الإهتمام بلبنان، كما فـي سنوات أزماته السابقة، فإن قناعة تولّدت لدى قيادات لبنانية، بأن يُصنع الحل لبنانياً، بانتخاب رئيس للجمهورية والإتفاق على قانون إنتخاب وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يسعى إليه الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه برّي والذي بدأ فـي أيلول (سبتمبر) الماضي فـي مجلس النواب ثمّ فـي مقرّه فـي عين التينة، حيث تقدّم الحوار فـي مواصفات رئيس الجمهورية أن يمثّل فـي طائفته وشريحته المجتمعية والسياسية، دون الإتفاق على اسم الرئيس الذي أسقط الحوار المرشح التوافقي أو مرشح التسوية، كما حصل فـي انتخابات الرئاسة عام 2008، وتمّ الإتفاق على إسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، الذي لقي دعماً عربياً ودولياً. من هنا عادت أسهم الحل اللبناني، وحصل اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية فـي فرنسا، وتمّ تسريبه الى الإعلام، لكن النفـي جاء من الطرفـين عن حصوله، فربط فرنجية زيارته الى باريس بواجب اجتماعي، وهو عيادة رجل الأعمال المغترب جيلبير الشاغوري، وهو ابن بلدة مزيارة المجاورة لزغرتا وتربطه علاقة عائلية مع آل فرنجية، كما تربط الشاغوري بالعماد ميشال عون صداقة، وهو الذي وضع طائرته الخاصة بتصرفه لدى عودته الى لبنان عام 2005، وهو من الممولين «للتيار الوطني الحر» وفق ما يتردد منذ سنوات، إضافة الى العلاقة الشخصية الجيدة التي تربط الشاغوري بالرئيس نبيه برّي الذي رشحه قبل سنوات لترؤس الجامعة اللبنانية الثقافـية فـي العالم التي تعنى بشؤون المغتربين.
فلقاء الحريري-فرنجية رغم النفـي له، إلا أن مصادر الطرفـين أكّدته، وهو الأول بين الرجلين منذ نحو خمس سنوات، إذ حصل أول لقاء بعد مصالحة الحريري والرئيس السوري بشار الأسد عام 2009، والذي تربطه بفرنجية علاقة صداقة شخصية وعائلية وتحالف سياسي.
فهذا اللقاء بدأ النظر إليه رئاسياً، أي أن الرجلين إن اجتمعا سيتحدثان بالمواضيع الآنية الساخنة، ومنها رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب ورئاسة الحكومة، وفرنجية هو أحد المرشحين للرئاسة من الأقطاب الموارنة الأربعة، وبالطبع ستكون رئاسة الجمهورية مطروحة للنقاش فـي أي لقاء، وهو ما سبق وجرى فـي اللقاء الذي جمع الحريري والعماد عون فـي روما، وحصل تكتم من الجانبين على اللقاء الذي بدأ يتسرّب الى الإعلام، وجرى الحديث عنه فـي الصالونات السياسية والدبلوماسية، وفُتح حوار بين تياري «المستقبل» و«الوطني الحر»، وتقدمت العلاقات بينهما، وهو ما سهّل ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، وبات الحديث عن عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، حتى ما قبل شغور رئاسة الجمهورية، إلا أن ترشيح «14 آذار» ومن ضمنها «تيار المستقبل» لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، أسقط ما كان يتمناه عون أنه سيلقى دعم الحريري له، لكن أمنياته ذهبت أدراج الرياح، لأن القرار السعودي صدر برفض تأييد عون الذي أعلن هو، أن وزير الخارجية السابق سعود الفـيصل وضع «فـيتو» عليه، وقد برّر حلفاء المملكة بمن فـيهم «تيار المستقبل» ذلك، لأن رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» حليف «حزب الله» وإيران وسوريا، وهو فـي محور إقليمي يناصب العداء للسعودية التي لا تقبل رئيساً للجمهورية لإيران نفوذ عليه، وإخراج لبنان من دائرته العربية، ورميه فـي أحضان «الدولة الصفوية الفارسية»، وإضعاف الدور العربي، ووضع السُّنّة فـي لبنان تحت رحمة الشيعة، وهذا إخلال بالتوازن الداخلي، وانقلاب على إتفاق الطائف.
هذه التبريرات التي تحدث عنها فريق «14 آذار» وبعكس موقف السعودية، عطّل إنتخاب رئيس للجمهورية، لعام ونصف العام، لأن الجلسة لو عُقدت، فإن كل مرشح لن يحصل فـي الدورة الثانية على النصف زائداً واحداً، بسبب ترشيح النائب وليد جنبلاط للنائب هنري حلو، ورفض تجيير أصواته لو حصل النصاب القانوني للجلسة، لأي من المرشحين عون وجعجع، بل لمرشح تسوية يدير الأزمة، لكن فـي الأسابيع الأخيرة، تحدّث عن أنه لا يمانع من انتخاب عون إذا أيّده «تيار المستقبل»، ثمّ أعلن بعد ذلك أنه ينتخب سليمان فرنجية الذي لم ينظر الى كلام جنبلاط بكثير من الجدية إذ هو شكره على موقفه، لكنه سأل ما إذا كان مناورة، أو لزرع الشقاق بينه وبين عون.
ويظهر فجأة لقاء رئيسي تياري «المستقبل» و«المردة»، ليحرّك الجمود بشأن الأزمة الرئاسية، وبدأت المواقف تصدر حوله مؤيدة ومعارضة، وكثرت التحليلات حول مضمونه ونتائجه، لكن الرجلين وضعاه فـي إطار الحوار والإنفتاح بين القوى السياسية، وهو ما يتبعه الحريري مع «حزب الله» الذي أقام معه «ربط نزاع» حول موضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفـيق الحريري ومشاركة الحزب فـي القتال فـي سوريا الى جانب النظام السوري، الذي يقف منه الحريري موقف العداء، وقد نتج عن تنظيم الخلاف بين الطرفـين مشاركة «حزب الله» فـي حكومة سلام، وعقد طاولة حوار بينهما مازالت مستمرة، وكادت أن تعلق اجتماعاتها لأسباب تفرض ذلك، منها الموقف العدائي لـ«حزب الله» من السعودية وحكامها، وحربها على اليمن، لكن الحوار استمر، وإن كان لم يتوصل الى حل عقدة رئاسة الجمهورية لتمسك «حزب الله» بترشيح عون الذي يؤكّد فرنجية أنه لا يتقدّم عليه طالما هو مرشّح، وله حظوظ بالرئاسة، أما إذا كان الأفق مسدوداً أمامه، فهو يطرح ترشيحه جدياً الذي يربطه بإنتصار خطه السياسي أو محوره الذي يتموضع فـيه عون، يضاف إليه الصداقة التي تربط فرنجية بالأسد والتي تعود الى عائلتيهما منذ عقود، ومازالت مستمرة، إضافة الى التطابق فـي الموقف السياسي من الأحداث فـي المنطقة، لاسيما بعد ظهور «الربيع العربي»، واندلاع الأزمة فـي سوريا، التي أشعلها أطراف يريدون النيل من وحدة سوريا ونظامها العلماني وموقعها المقاوم.
فالعلاقة بين الأسد وفرنجية، قد تكون من الأسباب التي تعرقل وصوله الى رئاسة الجمهورية، وهي الأسباب نفسها التي وُضعت بوجه عون، إلا إذا حصلت قناعة عند الحريري ومَن ورائه فـي السعودية، من أن «الفـيتو» الذي ووجه به عون، لا ينطبق على فرنجية، وهذا الموضوع دقيق وتسليم لفريق «8 آذار» برئاسة الجمهورية، يعني قبول بالمحور الذي يمثله فرنجية، فهل أن ملف لبنان منفصل عن ملفات المنطقة من اليمن الى العراق وسوريا، وأن السعودية وإيران متفقتان على تحييد لبنان، عن باقي القضايا الإقليمية، بحيث تتقاسمان النفوذ فـي لبنان، فتكون رئاسة الجمهورية لـ«8 آذار» ورئاسة الحكومة لـ«14 آذار»، وأن رئاسة مجلس النواب مع الرئيس برّي لعب دور التوافق ولم يقبل أن تنكسر طائفة أمام أخرى تحت عنوان «الميثاقية» و«الديمقراطية التوافقية»، فساير «تيار المستقبل» فـي التمديد لمجلس النواب عندما قرّر مقاطعة الإنتخابات النيابية، وشارك فـي جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية، وهو يؤيّد مرشح تسوية، ولم تعد المعادلة إلا فـي رئاستي الجمهورية والحكومة، بأن تتوزع بين مكونين سياسيين يمثلان فـي طائفتيهما.
هذا السيناريو الذي تمّ التداول به فـي أوساط سياسية، قد يترجم، مع رفض مسيحي بأن لا يأتي رئيس من خارج القوى المسيحية الأساسية التي تمثل، وهو ما بات الحريري على قناعة بأن لا «ينكسر المسيحيون» فـي لبنان، حيث رفض حضور جلسات لمجلس النواب إذا غابوا عنها ودون تلبية مطالبهم فـي قانون الإنتخاب يعرض عند انعقاد أية جلسة تشريعية، وهو ما يصب فـي تأكيد السيد نصرالله، أنه لا يريد كسر العماد عون وما يمثّل، إذ ثمة لقاء على أن يكون فـي رئاسة الجمهورية مَن يملك الحيثية، ويقيم توازناً بين السلطات كما نصّ الدستور، وأن إنفتاح الحريري على فرنجية والغزل الجنبلاطي له، ليس من فراغ، إذا قرّر الطرفان الخروج من مرشح التسوية الى المرشح الممثل فـي طائفته، وأن القبول بفرنجية وليس بعون، لأن الأول، هو ابن البيئة السياسية التقليدية التي تعرف التركيبة اللبنانية، وتحافظ عليها، ولا يستغل صداقته للرئيس الأسد فـي الشأن الداخلي، وهو لم يفعل ذلك لما كان الوجود السوري فـي لبنان، ومَن استفاد هم مَن تحولوا الى أعداء لسوريا، وانقلبوا على تحالفاتهم معها، وهو ثبت على قناعاته بخطه السياسي، وهو ما فرض احترامه على خصومه، الذين لم يروا فـيه شخصاً استفزازياً، لا بل رجل حوار وانفتاح، فأسقط العداء مع «القوات اللبنانية»، وكثّف اللقاءات مع الكتائب، وله صداقات فـي الوسط السّنّي، فهل تفتح طريق القصر الجمهوري أمامه؟
Leave a Reply