حسن خليفة – «صدى الوطن»
إنَّ جولة سريعة بالسيارة فـي شوارع مدينة ديربورن تظهر الكم والتنوع الكبير فـي أنواع المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية التي لم تكن متواجدة من قبل إلا على أرصفة شوارع ومدن الشرق الأوسط.
ولا شك أن الأفران التي تعتبر مركز «المطبخ العربي السريع»، واحدة من أبرز المصالح التجارية التي تزدهر فـي ديربورن حيث تضم المدينة ما لا يقل عن ١٣ فرناً بأحجام مختلفة، لكنها جميعها تقدم مناقيش الزعتر والجبن أو اللحوم والفطائر والحلويات العربية والخبز والمعجنات الأخرى التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الوجبات اليومية لعشرات آلاف العرب الأميركيين، كما جذبت شهية الكثير من الأميركيين الذين يتوافدون الى هذه المتركزة فـي شرق المدينة.
وهكذا أصبحت الأفران، كما المخابز، جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والهوية المحلية للجالية العربية.
تاريخ الأفران العربية المحلية
يتفق معظم أصحاب الأفران المحلية الكبيرة، وكذلك رجل الأعمال علي جواد، مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»، أن رجلاً يدعى صالح حميد كان أول من افتتح فرناً فـي مدينة ديربورن وبالتحديد على شارع «ديكس» فـي أواخر سبعينات القرن الماضي حيث تخصص حميد فـي خبز المناقيش والمعجنات الصغيرة الأخرى.
أما أقدم الأفران العاملة اليوم فـي ديربورن، فهو «أفران الأرز»، الذي افتتح فـي العام 1980 فـي شرق ديترويت (مدينة إستبوينت) ويقع الآن على شارع وورن.
وقال محسن شهاب، مؤسس «أفران الأرز»، إن العرب من جميع أنحاء الولايات المتحدة كانوا يتوافدون إلى محله للحصول على المأكولات المخبوزة التي تذكرهم بوطنهم. أما اليوم أصبح للفرن علامة تجارية خاصة توضع على منتجاته من الخبز العربي الذي يباع بالجملة ويوزَّع على المطاعم ومحلات البقالة فـي مختلف أنحاء البلاد.
ومع نمو الجالية العربية، واكبت هذا النمو أفران جديدة أبرزها «أفران الياسمين الجديدة»، التي افتتحت فـي عام 1987 على بعد عدة بلوكات من «أفران الأرز»، قبل أن تنتقل الى موقعها الحالي فـي عام 1992.
وتميزت «الياسمين» عن الأفران التقليدية برحابة المكان وبالديكورات الداخلية الفسيحة وعرضها الزجاجي لمختلف منتجات الفرن. ففـي جانب واحد تقدم الحلويات الشرقية الفاخرة وفـي قسم آخر تعرض منتجات الفرن والمعجنات كالمناقيش والأطعمة الساخنة والوجبات المنزلية ووجبات الغذاء.
وهذا يفـيد الزبون الذي بينما ينتظر طلب المناقيش يشاهد على الطبيعة الخباز المحترف وهو يضع العجين فـي الفرن الفخاري، مثل فنان ينفخ الزجاج ويؤدي عمله على المسرح.
وداخل البراد الزجاجي الطويل تعرض أمام الزبون مجموعة كاملة من الأطعمة العربية التقليدية المحلية الصنع، مثل ورق العنب النباتي والمجدرة. كما يشمل المحل مكاناً مخصصاً للجلوس على طراز المطاعم وركناً للبقالة الشرق أوسطية والوجبات الخفـيفة.
«العديد من الزبائن الذين يزورون الفرن من خارج الولاية يصبحون مثل اطفال فـي محل للحلوى»، كما قال حسين سبليني، الشريك المالك وابن مؤسس «أفران الياسمين الجديدة». وأضاف «ان الأفران العربية أصبحت أكثر شعبية فـي الجالية لأنها توفر نكهة وطعم الوطن خارج الوطن». وبسبب الإقبال الشعبي اضطر سبليني للدخول فـي شراكة مع آخرين لفتح فرن جديد فـي ديربورن هايتس، حيث رأوا جميعاً إمكانية فرص التوسع فـي سوق الافران غرباً وكانت النتيجة افتتاح فرن «صاج» على شارع فورد.
وأردف سبليني انه وشركاه «قدموا فكرة دمج الأطعمة الساخنة فـي الأفران، محورين معنى الأفران فـي المنطقة». وأضاف أنه على الرغم من ان مفهومهم للفرن ليس تقليدياً، «كان التجاوب إيجابياً من قبل الجالية حيث كان الفرن يقدم تدريجياً مجموعة متنوعة وجديدة من الأطعمة».
ويُستدل على نجاح الفرن وجود طوابير طويلة من العرب والأميركيين الذين يتجمعون يومياً داخل الفرن المزدحم خلال عطل نهاية الأسبوع، بعد أن أصبح مقصدا لوجبات الفطور.
ولادة البيتزا المصغرة
بعض الماكولات الأكثر شعبية فـي الفرن هي فطائر البيتزا الصغيرة، التي قال سبليني ان أفران الياسمين الجديدة ابتكرتها والآن تباع فـي كل الأفران المحلية العربية تقريباً.
الا ان كلاً من أصحاب «أفران الأرز» وأصحاب «أفران الياسمين الجديدة» يدعيان الأسبقية فـي اختراع البيتزا المصغرة.
«قدمنا منتجات جديدة لم تكن موجودة حتى فـي لبنان»، أشار السبلاني، وأضاف أن الافران الأخرى التي تبيع منتجات افران الياسمين الأصلية هي بفضل ابتكارها.
واليوم، تمتلك الأفران مستودعاً كبيراً يقوم بصنع منتجات الخبز التي أصبح اسمها مألوفاً لدى الجميع
وتباع فـي محلات البقالة الكبرى مثل «مايرز» و«كروغر» و«وولمارت».
«الأفران الذهبية» فـي ديربورن، افتتحت بعد وقت قصير من افتتاح «افران الياسمين الجديدة» وكان موقعها الى الغرب من «أفران الأرز» ثم انتقلت فـي وقت لاحق إلى موقعها الحالي فـي عام 1999. وتقدم «الذهبية» أيضاً الخبز الشعبي وتملك مستودعاً مساحته ٢٠ ألف قدم مربع فـي مكان قريب. ومثل الياسمين، تبيع بقالة شرقية ووجبات خفـيفة ومقبلات وحلويات.
الابتكار فـي الأفران
«هنا فـي أميركا عملية البيع مختلفة تماماً ولا يمكن للأفران الالتزام فقط ببيع المناقيش» يقول جواد، وتابع «إن الأفران الشرق أوسطية وضعت ديربورن على الخريطة بسبب إرتفاع شعبية الأطعمة العربية بين الأميركيين».
وشجع جواد رجال الأعمال على فتح أفران جديدة خارج منطقة ديربورن لتقديم الحلويات الشرق أوسطية لخدمة أولئك الذين لا دراية لهم بهذا النوع من المأكولات.
وردد أحمد سليم، نجل مؤسس «أفران فوردسون» الواقعة على شارع وورن، دعوة جواد، واستطرد «جاليتنا ليست كلها لبنانية فقط، فلديك الفلسطينيين مثلاً وغيرهم ممن لا يرغبون بنفس الاشياء»، مشيراً الى ان «أفران فوردسون» أيضاً تبيع السندويشات والفلافل والكبة.
ووفقاً لسليم، فإن «افران فوردسون» هي رابع فرن يفتح فـي المنطقة، وختم بالقول ان صناعة الأفران يجب أن تكون أكثر ابتكاراً لتظل قادرة على المنافسة.
الا ان أمير عابد، صاحب «فرن النور» على وورن، الذي يتخصص فقط ببيع المناقيش، يختلف مع فكرة أن تبيع الافران مأكولات ساخنة أخرى كالطبيخ مثلاً. وأضاف «إذا كان هناك من يريد تناول الفلافل، فعليه ارتياد المطعم، وليس الفرن».
هناك الكثير من مناقيش الزعتر فـي بيروت. ولكن فقط فـي ديربورن يمكنك الحصول على الميني البيتزا وسندويش الشاورما مع قطعة من الحلوى ومنقوشة الزعتر من نفس الفرن.
Leave a Reply