علي حرب – «صدى الوطن»
فـي أعقاب حادثة إطلاق النار التي أودت بحياة ١٤ شخصاً فـي سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، سأل الصحفـيون قائد الشرطة هناك جارود بورغوان مرتين عن «العرق» الذي ينتمي اليه المشتبه بهما «وسألوه مرة واحدة فقط عن جنسيتهما».
بورغوان لم يجب على تلك الأسئلة خلال المؤتمر الصحفـي الذي عقده مساء الأربعاء الماضي بعد ساعات من تعقب وقتل المهاجمين المزعومين فـي تبادل لاطلاق النار مع الشرطة. وبعدها، أصدر المسؤولون الأمنيون اسمي مطلقي النار «سيد فاروق» و«تاشفـين مالك».
وما أن خرج اسم فاروق، وهو أميركي من أصل باكستاني، الى الإعلام حتى بدأ تداوله بشكل واسع فـي المدونات والمواقع الالكترونية اليمينية المحافظة، وسرعان ما أثار الاسم ذو الدلالات الإسلامية مشاعر الكراهية والتعصب ضد العرب والمسلمين رغم أن الشرطة ظلت حتى صباح الجمعة، تقول ان الدوافع وراء الهجوم لا تزال مجهولة. غير أن تهمة الإرهاب أصبحت جاهزة إعلامياً بمجرد الكشف عن اسمي مرتكبي المجزرة.
قبل خمسة أيام بالتمام من حادثة سان برناردينو، قتل روبرت ديير جونيور، ثلاثة أشخاص فـي عيادة للإجهاض فـي كولورادو سبرينغز. وقالت الشرطة انه كان يهلوس بكلام عن «أشلاء طفل» خلال العملية، لكن أحداً لم يصف الهجوم بالإرهاب.
ديير، الذي وصف بأنه «شديد التدين»، شخص معاد للإجهاض. ولكن قلة فـي وسائل الإعلام السائدة وصفته بأنه إرهابي رغم أنه استخدم العنف لفرض معتقداته.
فالإمتياز الذي يتمتع به ديير كونه من الأميركيين البيض قد أعفاه أمام الكثيرين من تهمة الاٍرهاب، على حد تعبير الكوميدي والناشط عامر زهر، ليصبح مجرد مجنون آخر ارتكب جريمة قتل جماعية.
ما هو الإرهاب؟
وفقاً لتقرير صحيفة «واشنطن بوست»، وقعت ٣٥٥ حادثة إطلاق نار جماعي فـي أميركا خلال العام 2015، وعرفت الصحيفة حوادث القتل الجماعي بتلك التي تؤدي الى مصرع أو إصابة أربعة أشخاص أو أكثر.
وتعرّف الحكومة الفدرالية الاٍرهاب بأنه عنف يهدف إلى ترويع السكان المدنيين؛ أو فعل يهدف إلى التأثير على سياسات الحكومة بالإكراه.
ويصنف قانون الولايات المتحدة أيضاً استخدام أسلحة الدمار الشامل، والاغتيال والخطف لدوافع سياسية على الأراضي الأميركية، كـ«أعمال إرهاب محلي».
ومع ذلك، فـي وسائل الإعلام، وحتى فـي بعض الأحيان فـي الأوساط القانونية، يعتبر الإرهاب مقتصراً حصراً على المسلمين ويتجه الكثيرون الى ربطه مباشرة بعرق ودين معين.
وبعد هجمات باريس الإرهابية فـي الشهر الماضي، تساءلت شانون بريم من «فوكس نيوز» علناً عن لون بشرة المهاجمين.
ويوم الأربعاء، استبعد الإعلامي فـي «فوكس نيوز»، رود ويلر، إمكانية الإرهاب فـي حادثة اطلاق النار فـي سان برناردينو لأنه «عادة اذا كان هناك نشاط إرهابي أو هجوم إرهابي، فانهم (المهاجمون) يطلقون صرخة «الله أكبر» أو شيء من هذا القبيل» وهذا لم يحصل فـي هجوم سان برناردينو.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أشار النشطاء والأكاديميون إلى العلاقة بين تسمية الإرهاب وعرق ودين المهاجمين.
«نأمل أن نعرف لون بشرة المشتبه بهم قريباً حتى
نتمكن من تحديد ما إذا كان مطلقو النار فـي سان برناردينو هم إرهابيون أم لا»، غرّد فريد سينازي، أستاذ العلوم السياسية فـي «جامعة سانتا كلارا».
وبعد فترة وجيزة من الافراج عن اسم المشتبه به للإعلام، بدأ مستخدمو «السوشيل ميديا» المعادين للمسلمين بالإدلاء بتصريحات تهاجم الدين الاسلامي وأتباعه.
ونشر مستخدم على «تويتر» صورة للقرآن وتحتها التعليق التالي، «تم العثور على الدافع».
لكن فاروق يحمل الجنسية الأميركية. وكان يعمل كمتخصص فـي مجال الصحة البيئية لمقاطعة سان برناردينو. هو وزوجته، مالك، نفذا جريمة إطلاق النار فـي المركز الإقليمي للمقاطعة، حيث كان الموظفون يحيون حفلة بمناسبة عيد الميلاد.
امتياز البيض
«قتلة مسلمون»، كتبت «نيويورك بوست» فـي عنوانها الرئيسي على صفحتها الأولى الصادرة صباح الخميس الماضي. مما حمل الكوميدي زهر على التعليق على ذلك بالقول إن «دين المجرمين المسلمين دائماً يُنظر لها كدافع وراء أفعالهم، فـيما لا يتم بالمقابل تعريف المجرمين البيض ببياضهم».
وأضاف «عندما يكون العربي أو المسلم مجرماً يصبح الإرهاب الكلمة الطنانة الرنانة على الفور، وتصبح الجالية العربية والإسلامية بأكملها مسؤولة عما حصل. ولكن فـي المجتمع الأبيض، الخيرة من البيض يمثلون المجتمع الأبيض، فـي حين أن السيئين منهم ينظر إليهم على أنهم افراد معزولون ومجانين، والعكس هو الصحيح بالنسبة للمسلمين». واستطرد «هذه قمة امتياز البيض».
ولفت زهر الى «أن الشرطة تستجيب بشكل مختلف للهجمات اعتماداً على لون بشرة المتورطين».
وأضاف «الشرطة اشترت الهمبرغر لديلين رووف إلا أنها أطلقت النار على لوكوان ماكدونالدز ١٦ مرة وحاولت تغطية الأمر»..
ورووف هو شاب عنصري يؤمن بتفوق العرق الأبيض تسبَّب بمقتل تسعة من الأميركيين من أصل أفريقي فـي كنيسة فـي تشارلستون، بساوث كارولاينا فـي نيسان (أبريل) الماضي. أما ماكدونالدز فهو مراهق أسود، قتله رجال الشرطة فـي شيكاغو العام الماضي دون رحمة.
وختم زهر بالقول «الإرهاب» هو الآن «افتراء عنصري» ووسائل الاعلام هي «أكبر المروجين للإسلاموفوبيا».
من جهته أفاد داود وليد، مدير «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير-ميشيغن)، أن «المجرمين البيض الذين يمارسون العنف هم محصنون إلى حد كبير من تهم الإرهاب، حتى لو تناسبت أفعالهم مع التعريف القانوني للإرهاب».
وأشار وليد الى أن رووف وديلان وجو ستاك، الذي حطم طائرته الصغيرة فـي مبنى مصلحة الضرائب فـي أوستن (تكساس)، ارتكبوا جرائمهم بدوافع سياسية، لكنهم نجوا من تهمة الإرهاب. وأضاف بأن «الاٍرهاب لم يُصوّر للوعي الجماعي فـي بلدنا كظاهرة منتشرة بين المسيحيين البيض»، وأعرب عن ذهوله «لأن إطلاق النار فـي كولورادو مؤخراً لم يوصف بالإرهاب من قبل وسائل الإعلام». واردف «أنه لا يجوز أن يقفز المراقبون الى استنتاجات حول دوافع المهاجمين فـي سان برناردينو على أساس دينهم» محذراً من ردود فعل سلبية محتملة ضد الجالية المسلمة بعد المأساة هناك.
«نحن ندين العنف الذي يحدث فـي بلادنا بغض النظر عمن يقوم بإطلاق النار ومن هم الضحايا»، أوضح وليد.
وحث المراكز الإسلامية على «زيادة احتياطات السلامة أثناء صلاة الجمعة».
كما طلب من النساء المسلمات أن تكن حذرات بسبب الزيادة الأخيرة فـي الاعتداءات اللفظية والجسدية ضد النساء اللواتي يرتدين الحجاب.
Leave a Reply