علي حرب – «صدى الوطن»
تباينت ردود أفعال العرب والمسلمين الأميركيين على خطاب الرئيس باراك أوباما، الأحد الماضي، بعد أيام على هجوم سان برناردينو الذي ذهب ضحيته 14 قتيلاً وأكثر من 20 جريحاً، فبينما أثنى البعض على الخطاب الذي برّأ المسلمين من الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيم «داعش» بإسم الإسلام، أبدى البعض الآخر تحفظات على دعوته المسلمين إلى محاربة التطرف داخل مجتمعاتهم بوصفها دعوة تتضمن تعميماً مجحفاً بحقهم، يشير الى تحميلهم مسؤولية العنف والإرهاب.
أوباما الذي أطل على الأمة الأميركية، من المكتب البيضاوي، قال «إن الإرهاب قد انتشر فـي المجتمعات الإسلامية، وعلى القادة المسلمين -داخل أميركا وخارجها- أن يستمروا بالعمل معنا بشكل حاسم، لا لُبس فـيه، فـي محاربة إيديولوجيا الكراهية التي يروج لها بعض التنظميات مثل تنظيمي «داعش» و«القاعدة».
وفـي الوقت نفسه، ضمّن أوباما خطابه رسالة كثيفة الدلالات تبرّأ المسلمين من مسؤولية الأعمال العنفـية والإرهابية، حين وصف تنظيم «داعش» بأنه «عصابة قتل من البلطجيين الذين لا يتحدثون بإسم الإسلام» وتابع واصفا المسلمين الأميركيين بأنهم «أصدقاؤنا وجيراننا وزملاؤنا فـي العمل وأبطالنا الرياضيون» (تفاصيل ص ١٦).
دعوة ماكرة
وقالت الناشطة زينة عزير تعليقا على الخطاب «إنه لأمر جيد أن أوباما حاول أن يوضح للشعب الأميركي أن مهاجمة مجتمع كامل بسبب أقلية هامشية لا يمثل القيم الأميركية، ولكن الطريقة التي اعتمدها فـي خطابه لقول ذلك لم تكن مفـيدة لأنه انتهج السرد الذي ينتهجه اليمنيون عندما يتحدثون عن الإرهاب».
وأضافت فـي اتصال مع صحيفة «صدى الوطن» بالقول «إن الرئيس جعل التطرف العنيف يبدو كما لو أنه مسألة تخص المسلمين وحدهم متجاهلا أن هناك أفرادا آخرين، من أتباع ديانات أخرى، يرتكبون أعمالا إرهابية».
ورأت فـي كلمات أوباما نوعا من تنميط المسلمين عند حديثه عن الإرهاب والمسلمين، وقالت «إن ربط الإسلام بالإرهاب ولو لمرة واحدة هو أمر خطير للغاية، خاصة فـي ضوء العنف الذي نواجهه، والذي يتضمن حوادث قتل جماعي فـي الولايات المتحدة».
ووصفت تحميل أوباما للقيادات الإسلامية مسؤولية إيقاف التطرف «بالأمر المخادع» وقالت «إن المجتمعات العربية والإسلامية كانت مستجيبة تماماً للتعاون مع الحكومة الأميركية، وخاصة مجتمع الجالية العربية فـي ديربورن، ولكنني لا أفهم ما هو الدور الذي يمكن أن نقوم به لمكافحة الإرهاب العالمي الذي يحدث فـي مناطق بعيدة عنا».
فـي المقلب الآخر، وعلى الرغم من انتقادها للخطاب الرئاسي، أكدت أن أوباما يعمل على إشراك المجتمع المسلم بصورة جيدة، مقارنة بالجمهوريين، بالرغم من أن بعض سياسات إدارته -كالمراقبة الالكترونية الجماعية والطيارات بدون طيار- تضر بالعرب والمسلمين، هنا وفـي الشرق الأوسط.
وقالت «يتوجب علي كناشطة وكيسارية أن أكون حاسمة» مضيفة أنها تتفهم أن وجود أوباما فـي موقعه الرئاسي أفضل من وجود معارضيه فـي هذا المنصب، خاصة فـي هذه الأيام التي تستشري فـيها ظاهرة الإسلاموفوبيا وتستفحل فـي الخطاب اليميني المتطرف.
من ناحيته، أشاد رئيس «مجلس الجالية الإسلامية فـي ميشيغن» الدكتور مزمل أحمد بخطاب الرئيس من زاوية أنه تجنب التعميم خلال تطرقه إلى العرب والمسلمين ودعوتهم إلى محاربة الإرهاب، وقال «إن السياسة الخارجية لإدارته إشكالية»، وإن الرئيس «لا يملك السيطرة الكاملة على بعض السياسات العالمية».
وعبّر أحمد عن تقديره للرئيس الذي يتفهم كفاح المسلمين فـي أميركا وقال «إن زعيم بلدنا يدرك أن الصعوبات التي نواجهها هنا تتعلق بالتعديل الدستوري الأول، وأن مشاكلنا هي فـي التأكد من دعم وتأييد هذا التعديل» (الذي يضمن الحريات الدينية).
كما أشار أحمد إلى أن بعض المسلمين الأميركيين أبدوا قلقهم إزاء جزء من الخطاب الذي حث المسلمين على محاربة التطرف داخل مجتمعاتهم، وقال «إنه يطالب المجتمع (الإسلامي) بمراقبة نفسه وتعزيز تنسيقه مع سلطات تطبيق القانون، ومن حيث الشكل لا أرى أية غضاضة فـي ذلك لأنه يتوجب على جميع المجتمعات أن تقوم بدورها لكي تبقى أميركا بلدا آمناً».
وشدد أحمد على أن المشكلة تكمن فـي تفاصيل التنسيق والتعاون بين المجتمعات والوكالات الحكومية، وقال «إن الحوار بين المسلمين الأميركيين والحكومة يجب أن يركز على مكافحة تطرف مسوّقي الكراهية داخل المجتمعات»، ولفت إلى أن: «خوف المسلمين الأميركيين له ما يبرره بسبب خطاب الكراهية ضدهم وسهولة الاستحصال على الأسلحة».
ويتطلع «مجلس الجالية الإسلامية فـي ميشيغن» إلى عقد قمة أمنية، العام القادم، لبحث إجراءات السلامة مع المساجد المحلية ووكالات تطبيق القانون، وقال أحمد فـي هذا السياق «علينا اتخاذ بعض الاحتياطات الأمنية».
ردود أفعال متفائلة
بدورها، أشادت المحامية مديحة الحسن -من منظمة «المحامون المسلمون» ومقرها فـي ولاية كاليفورنيا- بتشجيع أوباما ودعوته جميع الأميركيين إلى تجنب التمييز الديني والكراهية والتعصب، وعبرت عن سعادتها لدعوته جميع الأميركيين أن يتآلفوا مع بعضهم البعض كأمة واحدة، خاصة فـي هذه الأوقات الحرجة بالنسبة للولايات المتحدة.
وأشارت إلى أن منظمة «المحامون المسلمون» تدعم بكل إخلاص دعوة الرئيس إلى الوحدة واصفة تصريحاته بأنها فـي غاية الأهمية فـي ضوء «زيادة جرائم الكراهية والتعصب والتهديد التي نراها فـي هذه الأيام، وبشكل مثير للقلق».
وقالت إن المنظمة الحقوقية أعلنت حدادها على ضحايا سان برناردينو ولكنها -فـي الوقت ذاته- تبدي تخوفها من إلقاء اللوم على المسلمين بشكل جماعي بسبب تصرفات شخصين مسلمين.
ولدى سؤالها عن مغزى مطالبة الرئيس المسلمين بمحاربة التطرف فـي مجتمعاتهم ودلالاتها، أجابت بالقول «إن أوباما أقر بأن المسلمين قد أدانوا وتكلموا ضد الإرهاب وجاءت دعوته لحثهم على الاستمرار بما يقومون به».
وأضافت «من الواضح جداً أن غالبية المسلمين فـي الولايات المتحدة يرفضون تلك الأعمال الإرهابية وسوف يستمرون فـي نبذ الإرهاب وإيديولوجيته».
كما أشادت الحسن بمواقف بعض العلماء ورجال الدين المسلمين الذين يرفضون التفسيرات المضللة لآيات القرآن الكريم، وشددت على أن جميع الفئات -وليس فقط المسلمون- مطالبة بالقضاء على التعصب داخل صفوفها، بمن فـيهم القادة والزعماء الروحانيون المسيحيون الذي يجب عليهم الاستمرار فـي تحدي التفسيرات المسيحية غير المتسامحة والتي غالبا ما تؤدي إلى ارتكاب جرائم كراهية تستهدف -على سبيل المثال- الأميركيين السود أو كتلك التي أدت مؤخرا الى هجوم على عيادة للرعاية الأسرية فـي كولورادو.
وفـي سياق موازٍ، غردت الناشطة ليندا صرصور على صفحتها على موقع «تويتر» معلقة على خطاب الرئيس أوباما بالقول «هل يسأل الرئيس معارضي الإجهاض والمسيحيين المتشددين أن يحاربوا التطرف فـي أوساطهم (كما فعل مع المسلمين)؟».
من جانبه، أشاد ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني بتصريحات أوباما المدافعة عن مجتمع المسلمين الأميركيين، ولكنه انتقد دعم الرئيس للتشريع القاضي بمنع الأشخاص المسجلين على قائمة حظر السفر من الحصول على رخصة حمل السلاح.
وقال «إن منظمات الحقوق المدنية قدمت طعنا قانونيا بلائحة الممنوعين من السفر جوا بوصفها إجراء تمييزيا وتعسفـيا»، وأضاف «هناك أعضاء معروفون من الجالية العربية الأميركية تم وضعهم على القائمة دون إبلاغهم، وليس لديهم أية فرصة للدفاع عن أنفسهم».
وتوجه السبلاني إلى أوباما بالقول «السيد الرئيس.. لديك قائمة الممنوعين من السفر جوا وهي قائمة تخالف جوهر الدستور والقيم الأميركية، وعلى تلك القائمة يتواجد إسم شخص مشلول من عنقه حتى قدميه، وطفل فـي السادسة من عمره، والبعض من كبار السن الذين بالكاد يستطيعون المشي».
وأشار السبلاني إلى أن هؤلاء الأشخاص لم يتم إعلامهم بالإجراءات القانونية اللازمة لإزالة إسمائهم من اللائحة وإن الطريقة الوحيدة أمامهم هي مقاضاة الحكومة الفدرالية ما سيكبدهم عشرات آلاف الدولارات وهو أمر لا يستطيع الكثيرون تحمله.
وكان أوباما قد قال فـي كلمته الأسبوعية، السبت الماضي، إنه «من الجنون» أن يسمح للأشخاص الممنوعين من السفر جواً شراء وحيازة الأسلحة النارية. وأضاف الرئيس الأميركي بقوله: «حتى الآن، الأشخاص المدرجون على قائمة الممنوعين من ركوب الطائرات، يمكنهم التوجه إلى المتاجر وشراء سلاح ناري.. إنه أمر مجنون.. إذا كنت تمثل خطراً شديداً على ركوب الطائرات، فأنت شديد الخطورة أيضاً، بطبيعة الحال، عندما تقوم بشراء سلاح». ودعا أوباما الكونغرس «لإغلاق هذه الفجوة».
Leave a Reply