علي حرب ومرندا فالي – «صدى الوطن»
زكي البوخشم طالب أجنبي من المملكة العربية السعودية، يدرس فـي أميركا ليصبح معلم تربية خاصة، لم يمض على مكوثه فـي ديترويت ١٠ أشهر، لكنه لتوِّه بدأ يطمح ان يعتبر المدينة موطناً له. البوخشم يريد أن يصبح مقيماً دائماً فـي ديترويت «لأن فرصاً وفـيرة توجد فـي المدينة»، والجاليات العربية والمهاجرة الكبيرة تجعله يشعر وكأنه ينتمي للمكان.
وعن ذلك ذكر البوخشم «ما جعل ديترويت تحمل مكانة خاصة بالنسبة لي هو تواجد كل محلات البقالة العربية والمراكز الإسلامية»، وأضاف «الجميع يعاملني بشكل جيد هنا».
فهمان العامري، صديق البوخاشم، بدأ بالواقع يحقق النجاح الذي ينشده الطالب السعودي. فقد هاجر العامري إلى الولايات المتحدة من اليمن قبل ١٥ عاماً وانتقل الى ديترويت فـي عام ٢٠٠٩ ويمتلك الآن ١٤ منزلاً فـيها.
وبسبب براعته اليدوية فـي إصلاح المنازل يقوم العامري بالاستفادة من مزادات بيع وتجارة العقارات فـي ديترويت. المزاد العقاري تقوم به بلدية ديترويت للتخلُّص من البيوت المهجورة ويبدأ سعر المنزل من ١٠٠٠ دولار بشرط قيام المالك الجديد بتأهيله حسب المواصفات العقارية السكنية المطلوبة ليصبح صالحاً للسكن فـي غضون ستة أشهر.
ويقوم العامري بتصليح المنازل بنفسه ثم يقوم ببيعها أو تأجيرها، فـي الأغلب للمهاجرين العرب الأميركيين الآخرين. لكن استثماره فـي ديترويت ليس مالياً فقط؛ بل هو أيضاً شخصي حيث يأمل العامري، وهو أب لستة أولاد، أن يبقى أولاده فـي المدينة عندما يكبرون.
«وطني هنا» اوضح، وأردف «أنا باق هنا ولن أذهب إلى أي مكان آخر».
من ناحيته، رياض موسى، عراقي الأصل، وصل إلى المدينة كلاجئ منذ ٢٠ عاماً، أشار الى ان موجة جديدة من المهاجرين من وطنه تساعد على استقرار منطقة وورنديل السكنية المجاورة لمدينة ديربورن، وأضاف «انهم يبلغون عن أي شخص يقوم ببيع المخدرات أو لديه بندقية. انهم غير معتادين على ذلك».
مدينة ديترويت التي كانت صاخبة بسكانها وحياتها المكتظة فـي السابق، خسرت أكثر من ٢٥ بالمئة من سكانها على مدى العقد الماضي حيث تقلص عدد السكان الى ما دون ٧٠٠ ألف نسمة، مقارنة بـ1.9 مليون نسمة فـي خمسينات القرن الماضي.
وقد وصف نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ديترويت بـ«مدينة أميركا العائدة» فـي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أثناء زيارة له الى ديترويت.
ويقول السكان إن الخدمات آخذة فـي التحسن فهناك المزيد من الحافلات والإنارة البلدية للشوارع.. كما أن وسط المدينة يزدهر، لكن تقلص القاعدة السكنية لا يزال يشكل عقبة أمام نهضة ديترويت وعودتها من جديد إلى سابق عزها.
لذلك يهدف مسؤولو البلدية والمنظمات المحلية لجذب الوافدين الجدد من خارج البلاد للمساعدة فـي إعادة تأهيل المدينة سكانياً. ولتوها ديترويت باتت تضم 36 ألفاً من المهاجرين الجدد.
المدينة المرحِّبَة
وعلى الرغم من الجهود الوطنية والحكومية على مستوى الولاية لتعليق إعادة توطين اللاجئين السوريين فـي ميشيغن بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة والأمن، لا يزال المسؤولون فـي ديترويت ملتزمين بالترحيب باللاجئين من الحروب الضروس فـي بلادهم.
وقال ستيف توبوكمان، مدير مؤسسة «غلوبال ديترويت»، «ان انتقال المهاجرين واللاجئين الى ديترويت أمر ضروري لتحقيق الانتعاش الاقتصادي فـيها». وأضاف «إذا أرادت ديترويت أكثر من أي وقت مضى تعويض نزيف سكانها، عليها بصراحة، أن تصبح جدية أكثر بشأن تحولها لمدينة شاملة ومنفتحة ومرحبة بالمهاجرين».
واستطرد توبوكمان «ان الولايات المتحدة قامت تاريخياً بعمل عظيم لاستيعاب القادمين الجدد بمساعدة الجهود المبذولة على الصعيد المحلي».
وأشار إلى أنه فـي ديترويت شبكة قوية من الجماعات الداعمة للمهاجرين واللاجئين. واستشهد بموقع GlobalMatDetroit.org، الذي يربط القادمين الجدد بحوالي ٧٠٠ منظمة، بما فـي ذلك المنظمات غير الربحية وجماعات التجارة والأعمال.
وأضاء على تركيز «غلوبال ديترويت» على منح المهاجرين فرصة الحصول على هذه الموارد والمعلومات من خلال تخطي الحواجز اللغوية والثقافـية.
واستدرك بأن «مبادرات البلدية مثل تأسيس مكتب شؤون المهاجرين من قبل رئيس البلدية ولجنة طوارىء الهجرة التي أنشأها مجلس البلدية، ساعدا فـي جعل ديترويت وجهة ومقصداً لأولئك الذين يودون الانتقال إلى الولايات المتحدة».
وقال «ديترويت تشهد فرصاً لا نظير لها للنمو وتوفـير موطن جديد»، وتابع «هناك مساكن منخفضة الكلفة، وهناك حواجز مخففة لتملك شركات تجارية ويمكن أن تصبح مدينة سهلة الملاحة كما انه من السهل إقامة مجتمع من الناس فـيها يتكون من الذين يأتون من نفس البلد ويتحدثون نفس اللغة ويتبادلون نفس الثقافة والدين».
وأضاف «أن نظام المدارس العامة واسع ويضمن برامج ثنائية اللغة للطلاب».
جدير ذكره ان توبوكمان هو يهودي أميركي، انتقل الى ديترويت منذ حوالي ٢٠ عاماً ويقول انه شعر بالترحيب رغم انه مختلف من الناحية الدينية والعرقية.
وقد انتخب لعضوية مجلس النواب فـي الولاية فـي عام ٢٠٠٢. وفـي عام ٢٠٠٨ خلفته رشيدة طليب، وهي أميركية عربية مسلمة، ثم حلت مكانها فـي العام الماضي ستيفاني تشانغ، وهي أميركية آسيوية. ووصف توبوكمان هذا النمط من التصويت بانه دليل على ولع سكان ديترويت بالتنوع.
وعلى الرغم من إشادته بشمولية ديترويت، أقر توبوكمان بأن البعض يشككون فـي القادمين الجدد ودعا إلى بذل جهود أكبر لمساعدة السكان الموجودين. لكنه قال إن البرامج التي تساعد المهاجرين متاحة للجميع وعلى حد تعبيره «هذه ليست معادلة «إما أو» بل هي معادلة شاملة للجميع».
ولتوضيح وجهة نظره، استشهد بعمل «بروسبار يو أس ديترويت»، وهي مبادرة أطلقتها منظمة «غلوبال ديترويت» لتدريب رجال الأعمال وتقديم الموارد التسليفـية لهم. ومضى يقول إن ٨٥ بالمئة من خريجي البرنامج هم أميركيون من أصل أفريقي.
وواصل بالقول «هذا البرنامج ليس حكراً على تمويل شركات المهاجرين أو اللاجئين فقط، نحن نقول إن ديترويت بحاجة إلى مزيد من التجارة والمزيد من فرص العمل، والمزيد من فرص البيع بالمفرق فـي أحيائها. نريد أن نكون جزءا من الشراكة التعاونية مع عائلات الملونين ذوي الدخل المحدود والمساعدة فـي إعادة بناء المدينة بطريقة من شأنها أن تكون شاملة ومنصفة».
وأضاف النائب السابق «أن حاجات المجتمعات قد تكون مختلفة، ولكن التصدي لتحديات مجموعة معينة لا يعني تجاهل الآخرين ومن مصلحة سكان ديترويت الذاتية ان يرحبوا بالقادمين الجُدُد لأن السكان القدامى والجدد يشتركون فـي نفس الأهداف والتحديات».
وفـي اجتماع مفتوح «تاون هول» عُقد فـي ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) حول أزمة اللاجئين، ردد ويندل أنطوني، رئيس «اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق الملونين» فرع ديترويت، صدى تصريحات توبوكمان وزاد عليها «ان كون المدينة مفتوحة أمام اللاجئين لا يعني إغفال المشاكل فـي الأحياء وان الشكوى من الفرص للوافدين الجدد يؤدي الى الانقسام».
ولاحظ أنطوني «هناك عمل يكفـي الجميع فـي أميركا وللحصول على الموارد الخاصة كما ان المهاجرين واللاجئين يحضرون معهم المهارات التي تساعد المجتمع بأكمله».
وفـي الجلسة نفسها، قال نبيه عياد، مؤسس رابطة الحقوق المدنية العربية الأميركية إن «اللاجئين من الشرق الأوسط الذين استقروا هنا هم من المتعلمين تعليما جيداً ولهم مهارات تجارية ومهنية محددة».
واردف «المهاجرون هم قوة هذا البلد ولا يشكلون تهديداً للاقتصاد، بل يعززونه، وخصوصاً بوجود جالية متحمسة لافتتاح المشاريع التجارية».
ووفقاً لتقرير صادر عن «معهد السياسة المالية» فإن المهاجرين فـي منطقة مترو ديترويت يقومون بافتتاح أعمال تجارية صغيرة بمعدل الضعف، عما يفعل السكان المولودون فـي الولايات المتحدة.
«المعادلة ليست المهاجرون ضد الديترويتيين، بل هي: المهاجرون هم الديترويتيون»، بحسب عضوة المجلس البلدي لديترويت راكيل كاستانيدا لوبيز.
جهود البلدية
كاستانيدا لوبيز أسست العام الماضي «لجنة الهجرة الى ديترويت» بالتعاون مع زميلها فـي المجلس البلدي أندريه سبايفـي لدعم المهاجرين الحاليين والقادمين الجدد وتعزيز العلاقات الدولية.
وقالت كاستانيدا لوبيز ان تحويل ديترويت إلى مدينة عالمية هو فـي صلب تلك الجهود. وأشارت لوبيز «كون ديترويت مدينة شاملة، يجعلها تتجاوز حدود التنمية الاقتصادية. السكن، وتوحيد السكان الماكثين فـيها منذ فترة طويلة مع القادمين الجدد، والدفاع عن حقوق المهاجرين، أيضاً جزء من المعادلة».
ويقول مسؤولون فـي ديترويت ان الخدمات التي تساعد القادمين الجدد على التأقلم والإندماج تعود بالفائدة على جميع السكان. برنامج الهوية البلدي فـي المدينة الذي سيصبح نافذ المفعول فـي العام المقبل، هو مثال حي على ذلك. وستساعد بطاقة الهوية أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على هوية من الولاية بما فـي ذلك البعض فـي الجاليات الافريقية، والمشردون بلا مأوى، والمسنون والمهاجرون.
وفـي شهر تشرين الأول (أكتوبر) أنشأ رئيس بلدية ديترويت مايك داغن مكتباً لشؤون المهاجرين يهدف ليكون المحور الذي يربط القادمين الجدد بموارد المدينة.
وقالت فـيروز سعد، مديرة المكتب الجديد، انها تعمل على وضع كتيب خاص بالموارد المتاحة من قبل البلدية والمنظمات الخاصة غير الهادفة للربح.
ويتعاون مكتب شؤون المهاجرين مع «موتور سيتي ماتش» الذي يربط الشركات التجارية بمصادر التمويل والفرص العقارية وغرفة التجارة العربية الأميركية، وشركة ديترويت للتوظيف المهني ومركز «أكسس» وغيره.
ويقدر هاشم عسيران، مدير خدمات التوظيف والتدريب فـي «أكسس» أن اللاجئين والمهاجرين يشكلون حوالي ٢٠ بالمئة من طالبي الخدمات فـي المكتب.
وأضاف «ان المهاجرين واللاجئين لا يحتاجون الى المساعدة إلى أجل غير مسمى. بل يمكنهم أن يتقدموا ليصبحوا أنفسهم خالقي فرص عمل».
ازدياد المشاعر المعادية للمهاجرين
وأكد عسيران أن المشاعر المعادية للاجئين، والتي أصبحت سائدة بشكل متزايد على مدى الأسابيع القليلة الماضية، لم تؤثر على عمل مكتبها، وتابعت «اننا لا نزال نتحرك إلى الأمام فـي عملنا كما كنا». وقد جدد داغن فـي الأسبوع الماضي التزامه «بتوطين ٥٠ الى 70 عائلة لاجئة سنوياً فـي المدينة على مدى السنوات الثلاث المقبلة».
وأوضحت كاستانيدا لوبيز «أن الإلتزام هو جزء من محاولة لإنماء مسؤول لعدد السكان، بدلاً من دعوة المقيمين الجدد فقط لبناء قاعدة ضريبية. ومع أن المدينة يمكن أن تستوعب فعلياً الآلاف من الناس، من حيث الخدمات والبنية التحتية، نحن ليس لدينا القدرة لأستيعاب المزيد».
واستشهدت بالخدمات اللغوية كأحد المجالات التي تحتاج المدينة لتحسينها وتطويرها «وان تأسيس لجنة العمل هو محاولة لوضع خطة إعادة تعمير شاملة تتضمن المكونات الاجتماعية والثقافـية والأكاديمية والاقتصادية لجميع سكان ديترويت».
ولخص توبوكمان بالقول «هناك العديد من الأساطير تُنسَج حول الهجرة، تحاول «غلوبال ديترويت» تبديدها. الحقائق هي ان المهاجرين هم صنّاع الوظائف، وليسوا سارقي فرص العمل. إنهم مكسب كبير للأحياء فـي مدينة ديترويت، وكذلك لجميع أنحاء المنطقة».
حول سلسلة التقارير الصحفية المشتركة
هذا التقرير جزء من سلسلة «إفلاس ديترويت: بعد عام واحد» التي يقدمها مشروع ديترويت للتعاون الصحافـي.
خمس صحف إثنية يُقدر حجم توزيعها بـ١٢٠ ألف نسخة أسبوعياً -وهي «لاتينو برس» و«ميشيغن ستيزين» و«جويش نيوز» و«ميشيغن كوريان ويكلي» و«صدى الوطن»- تشكل مجموعة «نيو ميشيغن ميديا»، وتشترك فـي «مشروع ديترويت للتعاون الإعلامي» (دي جاي سي) الذي يقام يرعاية «مؤسسة جون س. وجيمس ل. نايت»، و«مبادرة التقرير الصحافـي النهضوي فـي ميشيغن» و«مؤسسة فورد». ويهدف مشروع «دي جاي سي» الى تغطية أخبار ديترويت بعد الإفلاس وسبل نهضتها، عبر سلسلة تقارير إعلامية مشتركة. وتنشر كل تقارير هذه السلسلة فـي جميع الصحف المنضوية تحت «نيو ميشيغن ميديا». ومشروع «دي جاي سي» هو تعاون فريد من نوعه بين وسائل الإعلام البارزة فـي منطقة ديترويت، ويضم مجلة «بريدج»، و«تلفزيون ديترويت العام»، و«إذاعة ميشيغن العامة»، وشبكة «دبليو دي أي تي» و«نيو ميشيغن ميديا»، إضافة الى اسهامات من صحيفة «ديترويت فري برس».
Leave a Reply