كمال ذبيان – «صدى الوطن»
حرّكت التسوية حول رئاسة الجمهورية، ومبادرة الرئيس سعد الحريري، إنتخاب النائب سليمان فرنجية لها، الحل الشامل للمسائل الخلافـية من ضمن سلة متكاملة، وهي قانون الإنتخاب، وشكل الحكومة، من أجل إنهاء الشغور الرئاسي الذي امتدّ لنحو عام ونصف العام، وعطّل أو شلّ المؤسسات الدستورية الأخرى، وعدم إنتظام عملها، وهذه الآلية للحل اعتمدت عام 2008، فـي إتفاق الدوحة الذي جاء نتيجة تسوية حصلت على الساخن، إثر أحداث «7 أيار»، التي سقط فـيها قتلى وجرحى، بعد عملية عسكرية وأمنية قام بها «حزب الله» وحلفاؤه فـي بيروت وبعض المناطق اللبنانية، مما ساهم فـي فرض التسوية بتدخل قطر مدعومة من دول إقليمية ودولية، فحصل إنتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وإقرار قانون الإنتخاب باعتماد القضاء دائرة إنتخابية، وإعطاء المعارضة الثلث الضامن فـي الحكومة (8 آذار).
هذه الآلية هي التي يعمل بموجبها، لحصول التسوية بين «8» و«14 آذار»، والتي طالب بها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وأيّدها الرئيس الحريري، وأعلن عن موافقته عليها النائب فرنجية، مما فتح الحوار بينه وبين رئيس «تيار المستقبل»، الذي أبلغ رئيس «تيار المردة» تأييده لإنتخابه رئيساً للجمهورية، على أن تكون رئاسة الحكومة من نصيب الحريري الذي يملك الأكثرية النيابية لتسميته، إنما يبقى قانون الإنتخاب، وهو الأكثر صعوبة فـي التسوية، بسبب كثرة الآراء حوله، وكل طرف يريده على قياسه، وبما يؤمن فوزه بالمقاعد النيابية التي تؤمن له كتلة وازنة، وتعطيه الأكثرية مع حلفائه.
وما رشح من معلومات حول لقاء الحريري-فرنجية، كان متضارباً، حيث تسرّب بأن الإتفاق بينهما نصّ على أن يبقى القانون الحالي للإنتخابات ساري المفعول، وأن يترأس الحريري الحكومات خلال ولاية فرنجية أي ست سنوات، وهو ما نفاه الزعيم الزغرتاوي، الذي أشار الى أنه ليس هو مَن يقرّر لو أصبح رئيساً للجمهورية قانون الإنتخاب، بل يصدر عن مجلس النواب الذي له صلاحية التشريع، وتقرره الكتل النيابية، التي إتّفقت على تشكيل لجنة مصغرة منها وبدأت بدرسه وأن المشاريع والإقتراحات المطروحة للبحث، هي 17 موجودة لدى رئاسة المجلس، أما المتداول منها فهو مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعتمد النظام النسبي ويوزع الدوائر على 13 دائرة، إضافة الى اقتراح قانون مقدّم من نواب «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، يعتمد النظام المختلط بين النسبية والأكثرية، ويوزع المقاعد بين 70 على النسبي و58 على الأكثري، فـي حين أن الإقتراح المقدّم من النائب علي بزّي الذي ينتمي الى «كتلة التحرير والتنمية» التي يترأسها الرئيس برّي، فـيطالب بتوزيع المقاعد مناصفة بين النظامين النسبي والأكثري، ويبقى إقتراح رابع للنائب عاصم قانصوه الذي يعتمد على النسبية كاملة واعتماد لبنان دائرة واحدة، إضافة الى اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يعتمد على انتخاب كل طائفة لنوابها، بما يضمن التمثيل الطائفـي ويحقق المناصفة الحقيقية.
هذه هي أبرز المشاريع والإقتراحات المقدمة، إضافة الى غيرها التي تدعو الى الدائرة الفردية، واعتماد المحافظات الخمس إلخ… حيث يبقى قانون الإنتخاب هو الأساس فـي أية تسوية مقترحة، لأنه من خلاله تتكوّن السلطة، وتتأمّن المقاعد، التي عليها تبنى الأكثرية التي منها تتشكّل الحكومة، بدءاً من تسمية رئيسها، وهي التي تشكّل السلطة التنفـيذية مجتمعة، كما أقرّ إتفاق الطائف، الذي نصّ على الإستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية الذي عليه أن يعلن نتائجها التي يسمي من خلالها إسم الشخصية المكلفة رئاسة الحكومة وتشكيلها.
ففـي التسوية، قانون الإنتخاب هو الأساس، وعليه سيجري التفاوض، كما ستحصل المقايضة، إذ تنازل الفريق المسيحي فـي «8 آذار» عام 2008 عن رئاسة الجمهورية التي كانت معقودة للعماد عون الذي لم تسمح الظروف الداخلية والإقليمية بإنتخابه، لصالح العماد ميشال سليمان الذي تمّ تقديمه كمرشح توافقي، وحصل هذا الفريق على قانون إنتخاب، ونال فريق «8 آذار» أيضاً الثلث الضامن فـي الحكومة التي شارك فـيها «التيار الوطني الحر» للمرة الأولى.
لذلك تمّ التركيز على معرفة ما إذا كان فرنجية قدم تنازلاً للحريري، وهو لا يملكه إذا لم يوافق معه حلفاؤه، حيث أصرّ العماد عون على قانون إنتخاب يعتمد النسبية، وأكّد «حزب الله» على السلة المتكاملة للحل، فان انتخاب رئيس للجمهورية من ضمن فريق «8 آذار» هو إنتصار سياسي للمقاومة، واعتراف بعودة رئاسة الجمهورية الى خط المقاومة، التي مثّلها الرئيس إميل لحود فـي أثناء توليه رئاسة الجمهورية، وشكّل وجوده فـيها اطمئناناً للمقاومة وجماهيرها، ولم يفرط بها لا أثناء توليه قيادة الجيش، ولا فـي الرئاسة، وهو ما يتطلع إليه فريق «8 آذار» أن يكون رئيس الجمهورية منه وسمى العماد عون، الذي تربطه بـ«حزب الله» ورقة تفاهم، تمّ تطبيقها أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان ومقاومته صيف 2006، وكان هذا النموذج الصيغة التي قرّر الحزب أن تتكرر فـي رئاسة الجمهورية، وهو ما عطّل على عون الوصول إليها بعد شبه إتفاق مع الرئيس الحريري، وأسقطه «الفـيتو» السعودي، وعاد الى فرنجية الذي تربطه علاقة تحالفـية متينة مع المقاومة، وصداقة شخصية وسياسية مع الرئيس السوري بشار الأسد، مما طرح السؤال وهو مشروع، لماذا يُقبل فرنجية، ويُرفض عون، وهما من الخط السياسي الواحد، لا بل أن رئيس «تيار المردة» ورث عن عائلته هذا النهج، إذ إنفصل جده الرئيس سليمان فرنجية عن «الجبهة اللبنانية»، لأنها تحالفت مع إسرائيل، ودفع ثمناً لموقفه الوطني إغتيال عائلة نجله طوني مع أنصاره، ونجاة الحفـيد سليمان الذي كان ينام فـي منزل جده، الذي أسقط إتفاق 17 أيار عام 1984 عبر ترؤسه «جبهة الخلاص الوطني»، ووقف ضد عهد أمين الجميّل الذي انتخب كما شقيقه بشير بحماية الدبابات الإسرائيلية التي احتلّت أجزاء واسعة من لبنان وصولاً الى عاصمته بيروت.
فالنائب فرنجية متجذّر بالموقع الوطني والقومي، وجاء إليه العماد عون بعد خروج القوات السورية من لبنان، وثباته عليه لقناعات تولّدت عنده، عن إنتماء المسيحيين الى مشرقهم العربي، ورفضه نظرية أن الغرب يحميهم، بل هو كان السبب فـي تهجيرهم خدمة للعدو الصهيوني.
من هنا فإن اختيار فرنجية من قبل الحريري وتأييد جنبلاط له رئيساً للجمهورية، يعود سببه الى أن لبنان لا يمكن أن يُحكم بغالب ومغلوب بل بشراكة وطنية، وأن هذا هو مطلب عون الذي استطاع أن يفرض التسوية على القوى السياسية المسلمة أن تسلم بانتخاب الشخص الذي يمثل، وهو ما إتّفق عليه القادة الموارنة الأربعة فـي بكركي برعاية البطريرك بشارة بطرس الراعي، وقاربه أعضاء طاولة الحوار فـي مجلس النواب، لكن لم تصل الرئاسة الى عون ولا الى جعجع، لأن «المستقبل» وقوى «14 آذار» رفضت إنتخاب عون، و«حزب الله» وقوى «8 آذار» لم تؤيّد جعجع، الذي اقترح مرشحاً من خارج الأقطاب الأربعة، وأن يسموا هم مرشحا توافقياً، وهو ما لم يحصل وتعطلت إنتخابات رئاسة الجمهورية بسبب تشدد كل طرف بمطلبه وشروطه، وعدم نجاح دول مثل فرنسا والفاتيكان، بفتح ثغرة فـي الجدار الرئاسي، الذي نجح الرئيس نبيه برّي والنائب جنبلاط وبالتشاور مع الرئيس الحريري، واتصالات مع مراجع إقليمية ودولية، أن يتوصلوا الى صيغة-تسوية تقوم على: رئيس الجمهورية من «8 آذار» ورئيس الحكومة من «14 آذار»، وهو ما مهّد لها رئيس مجلس النواب عبر الدعوة الى طاولة حوار فـي أيلول (سبتمبر) الماضي، وفتح باب الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» علّ اللبنانيين يتوصلون الى إتفاق فـيما بينهم فـيصنعون حلاً لأزمتهم.
هذا الحل ظهر من خلال لقاء الحريري-فرنجية فـي باريس، والذي إتخذ طابعاً جدياً، ولم يتحول الى قرار رسمي من رئيس «تيار المستقبل» الذي فتح الحوار مع حلفائه، لإقناعهم بخياره قبل إتخاذ قراره الأخير، فاصطدم برفض حليفه جعجع الذي اعترض على الخط السياسي لفرنجية الذي هو تنازل عن ثوابت ومبادئ «14 آذار»، ومشاه أيضاً رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل الذي دغدغه البعض، أن يؤيّد التسوية فـيحصل على مكتسبات فـي السلطة، سيخسرها جعجع، الذي قد يكرر خطأ عام 1990 عندما وافق على إتفاق الطائف، ثم إنقلب عليه، لأنه أراد أن يحتكر التمثيل المسيحي فـي السلطة.
أما على مقلب عون، فإن سؤاله لماذا فرنجية وليس هو، قد يبدو منطقياً، طالما أنهما ينتميان الى خط سياسي واحد، والرفض له كان سياسياً، وهو الأمر الذي خلق إرباكاً فـي صفوف «8 آذار»، التي عليها أيضاً، لاسيما «حزب الله»، أن ترد على هذا الطرح، وأن تفصل فـي موضوع مبادرة الحريري الذي تأخر فـي إعلانها رسمياً، وإن كان متوقعاً منه العودة الى بيروت والإطلالة منها قريباً، لإعلان تأييد إنتخاب فرنجية، حيث تردد أنها ستكون فـي الجلسة المقررة فـي 16 كانون الأول، وقبيل دخول لبنان عطلة الأعياد، وليكون هدية الى اللبنانيين بإنتهاء الشغور الرئاسي، وعودة إنتظام عمل المؤسسات الدستورية، حيث سيتبع ذلك تشكيل حكومة تقر قانون إنتخاب، لتجرى الإنتخابات النيابية فـي موعدها عام 2017.
لكن الإنتظار مازال سيد الموقف لدى الأطراف المحليين لحل العقد الداخلية، بعد أن نالت مبادرة الحريري الدعم الدولي من فرنسا، والذي عبّر عنه الرئيس فرانسوا هولاند بإتصاله بفرنجية والبطريرك الراعي الذي رحّب بخطوة الحريري التي فتحت الباب لإجراء إنتخابات رئاسة الجمهورية، وهو التأييد الذي حصل عليه الحريري بإنتخاب فرنجية من السعودية، كما من أميركا التي تبيّن أن سفـيرها فـي لبنان ديفـيد هيل هو الذي سوّق لفرنجية والتمهيد للتسوية، وإنضاجها دولياً وإقليمياً، وهي بحاجة الى طبخها داخلياً، الحريري مع حلفائه فـي فريقه، وفرنجية مع عون و«حزب الله»، وحتى حل العقد الداخلية تبقى رئاسة الجمهورية فـي الإنتظار.
Leave a Reply