عماد مرمل – «صدى الوطن»
ما ان أعلن ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان من الرياض عن ولادة «التحالف الاسلامي» ضد الارهاب بقيادة السعودية وبمشاركة لبنان، حتى اندلع فـي بيروت اشتباك سياسي حول ملابسات هذه المشاركة الغامضة، الامر الذي زاد الحكومة تصدعا والانقسام الداخلي اتساعا، كأنه كانت تنقص لبنان المتخبط فـي أزماته مشكلة إضافـية من الوزن الثقيل.
وهكذا يكون لبنان أول المصابين بنيران التحالف الجديد، وحتى قبل الارهاب ذاته، بعدما أحدث القرار المنفرد من رئيس الحكومة تمام سلام بالتجاوب مع الدعوة السعودية شرخا داخلياً، أولا بسبب تهريب القرار عبر «خط عسكري» من دون العودة الى مجلس الوزراء الذي لا يمكن تعيين مدير عام فـي الدولة من دون موافقته فكيف بالانخراط فـي تحالف إقليمي من النوع المعلن، وثانياً بسبب رفض جزء اساسي من اللبنانيين التصنيف السعودي للمنظمات الإرهابية والذي يضم «حزب الله».
والمفارقة، انه حتى وزارة الخارجية لم تكن على علم بطلب ضم لبنان الى «التحالف الاسلامي»، وهي التي يفترض أن يُناقش معها مثل هذا الأمر، عملاً بالاصول الدبلوماسية بين الدول، ومراعاة للتوازنات الداخلية فـي لبنان.
وإذا كان من الطبيعي أن ينزعج «حزب الله» من تصرف سلام وأن يرتاب فـي أبعاده، فان الملاحظ هو أن مروحة الاعتراض اتسعت لتشمل قوى من خارج فريق «8 آذار»، كـ«حزب الكتائب» الذي رفض تجاوز مجلس الوزراء واعتبر ان لبنان ليس دولة اسلامية كي ينضم الى تحالف يحمل هوية دينية، كما أن وزراء الرئيس ميشال سليمان أبدوا اعتراضا على الطريقة التي تم فـيها الانضمام الى التحالف، مشددين على ان أي قرار من هذا النوع يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء.
وعلمت «صدى الوطن» أن سلام كان قد تلقى اتصالا من القيادة السعودية أبلغته فـيه بالنية لتشكيل التحالف على قاعدة أن الدول الاسلامية يجب أن تكون فـي طليعة القوى المتصدية للارهاب الذي ينتشر باسم الاسلام، فـي حين انه يسيئ اليه ويشكل خطراً عليه.
وقال المسؤولون السعوديون لسلام انه لم يعد جائزاً أن يبقى المسلمون فـي موقع المتفرج، بينما يتولى الغرب أو الروس مواجهة الارهاب، مؤكدين ضرورة ان تستعيد الدول الاسلامية زمام المبادرة لانها معنية قبل غيرها بتصحيح صورة الدين وحمايتها من أولئك الذين يتسببون فـي تشويهها.
وأبلغت الرياض رئيس الحكومة ان مواجهة التحالف الجديد ضد الارهاب ليست عسكرية فقط بل ستكون ثقافـية أيضاً، مع ما يتطلبه ذلك من تعاون مع العلماء والمفكرين فـي العالم الاسلامي لتصويب المفاهيم الخاطئة التي يجري ترويجها بغية استقطاب الشباب الى الاتجاه الخاطئ.
وأوضحت القيادة السعودية خلال اتصالها بسلام أن الدول المنخرطة فـي التحالف الاسلامي غير ملزمة بالمساهمة العسكرية، وأن من حق كل دولة ان تتصرف وفق خصوصيتها وقدراتها، داعية لبنان الى أن يكون جزءا من هذا الإطار الذي يجري تحضيره، فتجاوب رئيس الحكومة مع الاقتراح.
لكن الرياض تمنت على سلام إبقاء الأمر طي الكتمان وعدم البوح به، الى حين تظهيره رسمياً، وذلك لحماية مشروع التحالف من أي تشويش عليه، وهذا ما فعله رئيس الحكومة الذي انتظر الاعلان السعودي ليخرج ببيان يوضح فـيه ملابسات موافقته على انضمام لبنان الى التحالف.
وتعليقا على ردود الفعل الرافضة لما فعله، قال الرئيس تمام سلام لـ«صدى الوطن»، انه كرئيس للحكومة تجاوب مع مبدأ الدعوة السعودية الى المشاركة فـي «التحالف الاسلامي» ضد الارهاب، لكن يبقى أن من حق مجلس الوزراء لاحقا أن يوافق، أو يرفض، وفـي كل الحالات لا يجوز أن يحاول أحد منعي من اتخاذ الموقف الذي أجده مناسباً، من دون أن يكون رأيي مفروضاً على الحكومة ككل».
وتابع: «لقد تحملت المسؤولية واتخذت الموقف الذي اعتبر انه يناسب المصلحة الوطنية، أما بعد ذلك فان أي متابعة تنفـيذية تحتاج الى بحث ومناقشة ضمن الاطر الدستورية والمؤسساتية فـي لبنان، والى معرفة الحدود التي يمكن ان نتحرك من ضمنها».
ولفت سلام الانتباه الى ان «التحالف الاسلامي» لا يلزم لبنان بأي مشاركة عسكرية، ولم يُطلب منا أي أمر من هذا القبيل، ونحن أصلاً ليست لدينا القدرة على خوض عمل عسكري، وهذ ما سبق أن أبلغناه للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي انضمينا اليه، لكننا قلنا لهم بوضوح اننا لسنا معنيين بالمساهمة فـي أي جهد حربي انطلاقا من لبنان، لأن قدراتنا لا تسمح بذلك.
وأكد سلام أن الإنخراط فـي «التحالف الاسلامي» لا يمكن أن يكون موجها ضد «حزب الله»، «ولا مبرر لافتعال أي لبس أو لغط على هذا الصعيد، خصوصاً أن المقصود هو الارهاب الذي يمثله داعش وأخواته، وقد سبق لي أن أكدت من الرياض، خلال احدى زياراتي اليها، أن «حزب الله» مكوّن أساسي فـي الحكومة اللبنانية ومجلس النواب».
ولفت الانتباه الى ان «المملكة العربية السعودية كانت من أوائل الدول التي وقفت الى جانب لبنان ودعمته فـي مواجهة التهديدات الارهابية، وهي قدمت الى الجيش هبة عسكرية فـي غاية الاهمية، ما يجعل التعاون معها ضمن التحالف الاسلامي أمراً طبيعياً وبديهياً ما دام يندرج فـي سياق التصدي للخطر المشترك وتحسين شروط التغلب عليه».
Leave a Reply