نبيل هيثم – «صدى الوطن»
فجأة ومن دون مقدمات واضحة، أعلنت السعودية عن تأليف «تحالف إسلامي» بقيادتها لمحاربة الإرهاب.
ولعلها خطوة فتحت الباب أمام زرع علامات الاستفهام فـي أرجاء الحجاز أولا، وعلى امتداد العالم، وعلى الاخص فـي الدول التي اختارتها لتكون شريكة فـي هذا التحالف الغامض، والذي لا يجمع بينها سوى «الإسلام السني».
العالم وقف مشدوها أمام هذه الخطوة، التي تفاخر بها محمد بن سلمان كواحدة من انجازات العقل السعودي الخلاق، ورماها جمرة فـي أيدي الدول المضمومة من دون علمها، فـي هذا التحالف الاسلامي، ومن دون تحديد المنظمات الارهابية التي ستُستهدف، ما شرّع الباب واسعا أمام حبل طويل من التفسيرات المتباينة لهذا التحالف، وحبل أطول من التساؤلات حول أهدافه، والاهم حول معنى الإرهاب، أو بالأحرى أي إرهاب هو الذي قررت مملكة النفط أن تحاربه فجأة. خاصة وان الارهاب الذي يضرب العالم بأسره، هناك دول متهمة برعايته واحتضانه وتمويله، ومن بينها السعودية نفسها ودول أخرى من تلك التي اختارتها المملكة لكي تكون شريكة فـي هذا التحالف، وهذا يقود المراقب إلى الاستنتاج اليقيني بأن هذا التحالف التي بادرت اليه السعودية أقرب الى «المزحة الثقيلة»، إذ من الصعب اخذه على محمل الجد.
واضح أن هذا التحالف صيغ على عجل، ولعله استجابة الى الطلب الاميركي الذي عبّر عنه وزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل أسابيع لتشكيل قوة عسكرية سنية لمواجهة «داعش»، فالتحالفات لا يمكن ان تنشأ فجأة، بل تتطلب تحضيرات ورسم مسارات وخطط خرائط طرق لكن هذا التحالف كما قدمته المملكة وفـي غياب التفاصيل وآليات عمله لا يمكن أن يشكل بأي شكل من الاشكال تحالفا عسكرياً ولا حتى سياسياً، خاصة لما يحويه من تناقضات ودول متخاصمة ومتباينة ومنضوية فـي سياسات مختلفة. مثل مصر وتركيا وقطر، كما يضم دولا فاشلة وعاجزة مثل ليبيا والصومال!
الطريف فـي الامر أن السعودية اختارت أن يكون مقر عمليات التحالف عندها، ولكن ليس معلوماً من سيحارب هذا التحالف وكيف، ومتى، وأين ستبدأ الضربة الاولى، خاصة أن من بين الدول المضمومة الى هذا التحالف، دولا تحارب الارهاب على ارضها وفـي داخل مجتمعاتها. فكيف الحال هنا، فهل ستهب جيوش التحالف الاسلامي لنجدتها أم أن تلك الدول صار عليها أن تنتقل الى جبهات أخرى، علما أن كثيرا من الدول المضمومة فـي التحالف الاسلامي -أو بالاحرى التحالف السعودي- لا تملك جيشاً، ولا قدرات ولا إمكانات ولا أي من عناصر القوة، بل هي من العجز ما يجعلها قابعة على رصيف العالم تنتظر المساعدات والمعونات لا بل الفتات من دول النفط والموارد الغنية؟!
المهم، زرعت السعوية نطفة «التحالف الاسلامي»، ولكن الى ان تنمو تلك النطفة، والى ان يكبر هذا الجنين العجيب الغريب ويصبح أمراً واقعاً، لا بد من أجوبة صريحة وواضحة من السعودية نفسها على كم هائل من التساؤلات:
لماذا هذه الاستفاقة المفاجئة على محاربة الارهاب؟
لماذا أعلن هذا التحالف الآن، وفـي هذا التوقيت بالذات؟
ما هي العبرة من تزامن إعلان التحالف من دخول حرب اليمن دائرة وقف إطلاق النار؟
هل فـي هذا الاعلان محاولة تغطية على التطورات السياسية اليمنية ومفاوضات جنيف (اليمنية) التي تنطوي على اقرار ضمني بهزيمة «عاصفة الحزم» (التي غير اسمها الى «إعادة الأمل») وفشلها فـي تحقيق الاهداف التي حددتها فـي حرب تدمير هذا البلد الفقير منذ ما يزيد عن تسعة اشهر من التخريب والتدمير والقتل لليمن وأهله؟
هل هي صدفة هذا التزامن ما بين انطواء حرب اليمن الى مرحلة التفاوض فـي سويسرا والانتكاسات العسكرية للتحالف الذي أصيب بالكثير من الهشاشة والخيبات، ومبادرة الرياض إعلان توليها التحالف الجديد باسم الاسلام؟ وبالتالي، لماذا الآن؟ لماذا كل هذا الصبر حتى الان؟ هل كانت دول العالم الاسلامي تنتظر كل هذا الوقت خراباً اكبر من خراب البصرة؟ اليست بعض الدول المنضوية فـي التحالف الجديد، فـي موقع الاشتباه والاتهام بتورطها الصريح فـي التغاضي وتسهيل وتمويل وتشجيع «الارهاب» لكي يخدمها أينما كانت مصالحها من قندهار مرورا ببلاد الرافدين والشام وصولا الى نواحي نيجيريا، وربما أبعد؟
اي ارهاب هو الذي تعتزم الدول المضمومة الى التحالف الاسلامي-السعودي، وهل لهذه الدول الـ٣٤ التي يتألف منها هذا التحالف، تعريف موحد للارهاب، لا بل هل تملك لوائح موحدة للمنظمات الارهايبة، وأيضاً هل تملك مفهوماً موحداً للارهاب؟
من قال أن كل الدول المضمومة الى هذا التحالف تريد أن تكون شريكة فـي حرب، سواء ضد الإرهاب أو غير ذلك؟، وها هي أندونيسيا ترفض المشاركة وتقديم أي دعم أو تسهيلات عسكرية لهذا التحالف، كما ان باكستان اعربت عن دهشتها من ضمها الى تحالف مجهول الهوية والأهداف.
ما معنى أن يضم التحالف الاسلامي أوغندا وبنين والنيجر وساحل العاج وجزر المالديف؟
ما معنى استبعاد دول اسلامية فاعلة ومحورية فـي محاربة الارهاب مثل العراق وسوريا وإيران، الا يمكن أن يعني استثناء هذه الدول، بأن هناك صراع محاور. وليس حربا جدية على الارهاب؟
ما معنى أن يقول ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان «لا نستطيع القيام بعمليات فـي سوريا والعراق، من دون تنسيق مع السلطات الشرعية فـيهما»؟. هل ثمة زلة لسان؟ أم رسالة سعودية جديدة؟ ومجددا، لماذا الآن وهناك من أعلن أن المشاورات لتشكيل «التحالف الاسلامي» العتيد، جرت خلال 72 ساعة فقط؟ لماذا كانت هذه العجالة؟ ولماذا ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟ ألا يخرج والده الملك سلمان لاعلانات ملكية أقل أهمية من ذلك بكثير، فلماذا لم يكن الملك نفسه من يتولى تصدر مشهد زعامة ما يبدو أكبر تحالف دولي-إسلامي ضد الارهاب؟ ثم ما علاقة ذلك بولي العهد الأمير محمد بن نايف، المعروف سعودياً وعالمياً -وأميركياً تحديداً- بأنه الرجل الاول سعودياً فـي المعركة ضد الارهاب، والمهيأ ليكون الملك الجديد؟
أخيراً، ألا يمكن ان يعتبر ارتجال السعودية لهذا التحالف، يندرج فـي سياق مسلسل الارتجال الذي ارتكبته فـي السنوات الاخيرة وجرها الى التورط فـي سوريا والعراق واليمن، وكذلك فـي لبنان، ولم يُسجل لها ان حققت انجازاً يمكن ان تعتد به، بل على العكس جر عليها الفشل والهزيمة، وها هي الشواهد كثيرة من سوريا الى العراق فلبنان، وأخيرا اليمن الذي يتحضر شعبه فـي الآتي من الأيام لإعلان الانتصار وفشل العدوان من تحقيق أهدافه؟
الاجابة عن كل ما تقدم تكتسب أهمية كبرى، فقط لتوضيح الصورة التي يبدو أنها أكثر من غامضة ليس فـي الدول المضمومة الى التحالف الاسلامي السعودي، بل فـي السعودية نفسها!
والى حين توفر الاجابة السعودية، فثمة من يقرأ فـي المبادرة السعودية الجديدة الملاحظات التالية:
– ان لهذا الارتجال السعودي خلفـيات ودوافع، فهي بحاجة إلى مثل هذا العمل الاستعراضي فـي لحظة حرجة من تاريخها، فهي لم تعد تستطيع الاستمرار فـي عدوانها على اليمن فهي باتت تدرك انها مهزومة وتدفع الخسائر وتتلقى الفضائح ولا تحقق شيئاً من الإنجازات. ولهذا سارعت الى القبول بمؤتمر جنيف للحلّ السياسي مع الشعب اليمني. والخلاصة هنا أن السعودية كانت بحاجة إلى قنبلة صوتية تُحدث دخاناً يحجب هزيمتها فـي اليمن، فكان هذا الإعلان المرتجَل.
– السعودية بحاجة أيضاً لتحقيق هدف الهروب من مفاعيل الهزيمة أو الهزائم، واعلان ولادة تحالف تراه يوفر لها فرصة الاستمرار بالتربّع على عرش قيادة العالم الإسلامي السني بعد الخسائر الاستراتيجية الكبرى.
– قد يكون فـي التحالف مصلحة مباشرة لمحمد بن سلمان فـي معركته المفتوحة ضدّ محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية. خاصة أن الأخير كسب دولياً الكثير من باب ما يُقال عن حربه على الإرهاب فـي الداخل السعودي، وما يتلقى على الدوام من المديح والثناء من مسؤولي الغرب بالنظر إلى كفاءاته هنا وحسن إدارته، فـي حين أنّ الأول يسمع عكس ذلك لوماً وتقريعاً لحروبه الخاسرة وامتهانه الفشل. ويبدو أنّ بن سلمان أراد أن يُلحق بن نايف وأجهزته فـي هذا التحالف وبقيادته فـيكون مردود الاستثمار فـي الإرهاب له شخصياً.
مهمة التحالف الاسلامي ضد الارهاب
أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الدول الـ34 الأعضاء فـي التحالف العسكري الإسلامي الجديد لمكافحة «الإرهاب» ستتبادل المعلومات وتقدم معدات وتدريباً وستنشر قوات إذا لزم الأمر.
وقال الجبير «هذا التحالف غير مسبوق وتشكيله هو إشارة واضحة وقوية إلى التزام الدول الإسلامية ضد الإرهاب والتطرف، مبديا ثقته بأن عدد الدول المعنية سيزيد فـي الأسابيع المقبلة.
وأوضح الجبير أن التحالف سيعمل على جانبين: «الأول يتصل بالأمن وسيسمح بتبادل المعلومات والمساعدة فـي التدريب وتسليم المعدات وإرسال قوات إذا كان ذلك ضروريا»، مشيرا إلى أن مركز قيادة مشتركا سيتم إنشاؤه فـي الرياض فـي الأسابيع المقبلة.
وتابع الجبير، رداً على سؤال عن احتمال إرسال قوات على الأرض فـي الدول التي يطاولها الإرهاب، «القرارات تتخذ حالة بحالة، وليس هناك أي خيار مستبعد. ليس هناك حدود للمساعدة التي ستقدم أو لمن ستقدم. هناك عدد من الدول فـي حاجة ماسة إلى المساعدة» ضد الإرهاب.
وأكد أن «هذا التحالف هو تحالف طوعي والدول حرة فـي المشاركة وبذل الجهود التي تريدها»، رافضاً فكرة أن يكون التحالف «سنّياً».
وأعلن الجبير أيضاً أن «الإرهاب ضرب العالم بعنف مؤخرا وخصوصا الدول الإسلامية. حان الوقت لأن تتخذ هذه الدول موقفا وقد قامت بذلك عبر إنشاء هذا التحالف». وقال الجبير إن الهدف الثاني للتحالف هو «محاربة الفكر المتطرف» بحيث يشمل المسؤولين الدينيين والمربين والقادة السياسيين «لنشر رسالة تسامح واعتدال» و«حماية شبابنا» من التطرف.
الدول المضمومة إلى «التحالف الاسلامي»
نشرت وكالة الأنباء السعودية أسماء الدول التي أعلنت موافقتها على المشاركة فـي تشكيل تحالف عسكري إسلامي ضد الإرهاب. وأعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من باريس أن الرياض ستحتضن القيادة المشتركة للتحالف، واستعرض فـي الوقت نفسه المهام التي ستناط به.
وأعلنت المملكة السعودية تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة «لمحاربة الإرهاب». وفـي ما يأتي لائحة بأسماء الدول، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية:
– دول عربية: السعودية، مصر، الإمارات، الأردن، البحرين، تونس، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، جمهورية القمر، السودان، جيبوتي، الصومال، موريتانيا، المغرب، واليمن.
– دول أفريقية: بنين، تشاد، توغو، السنغال، سيراليون، الغابون، غينيا، ساحل العاج، مالي، النيجر ونيجيريا.
– دول آسيوية: تركيا، باكستان، بنغلادش، المالديف، وماليزيا.
Leave a Reply