على مشارف نهاية العام، ونحن نستعد للاحتفال بميلاد رسول المحبة والسلام عيسى المسيح الذي يتزامن مع مولد النبي محمد رسول الرحمة، يغرق العالم العربي والإسلامي -ويا للمفارقة- فـي أتون الكراهية والحرب والأحقاد التي تسعّر الصراعات والنزاعات وتخلّف يوميا عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المهجرين فـي مناطق الحرب الساخنة، فـي سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من البلدان الأخرى.
ليست وحدها الحرب الساخنة ما يهدد أوطاننا وشعوبنا العربية، فوتيرة «الحروب الباردة» التي تذكيها الطائفـية والمناطقية والعصبيات الأخرى ليست أقل خطراً أو تهديداً على أوطاننا ومهاجرنا ومستقبلنا الحضاري، بعد أن حولتنا إلى أفرقاء متصارعين ومتناحرين، وأعمت بصائرنا عن رؤية وإدراك الأخطار التي تحدق بنا، شعوبا وقبائل وأفرادا، مقيمين فـي أوطاننا أو مهاجرين عنها أو نازحين منها.
وفـي الوقت الذي نتلقى فـيه أولى ضربات الإرهاب الذي يستبيح دماءنا وأعراضنا وأرزاقنا بإسم الإسلام -والدين الإسلامي منه براء- تلاحقنا تهمة الإرهاب إلى كل مكان نحل فـيه، فـي أوروبا وأميركا، فنضطر إلى دفع الأثمان مرتين. مرة من جانب المجموعات التكفـيرية التي تريد إعادتنا إلى العصور الوسطى، وأخرى من الجماعات المتعصبة التي تصور اللاجئين والمهاجرين كخطر ثقافـي واجتماعي وأمني، تماماً كما حصل بعد الاعتداءات الإرهابية على باريس وسان برناردينو بولاية كاليفورنيا خلال الفترة القليلة الماضية.
هذه الاعتداءات، ورغم إدانتنا واستنكارنا الشديدين لها، وبسبب الاستثمار الإعلامي والسياسي لها، فـي سياق الانتخابات إلى سدة البيت الأبيض، كانت سببا فـي تنامي موجة الإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب فـي الولايات المتحدة إلى درجات غير مسبوقة نتج عنها ارتفاع منسوب جرائم الكراهية، فـي بلد كان على الدوام، مرحّباً بالمهاجرين ومتقبلاً للثقافات الأخرى.
لقد أكدت دراسة أجرتها «جامعة كاليفورنيا» ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين الأميركيين فـي عموم الولايات المتحدة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، بعد هجمات سان برناردينو وباريس.
كما أشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي إلى وقوع 38 هجوما على الأقل يمكن تصنيفه على أنه معاد للمسلمين.
وعلينا فـي هذا السياق، ألآ نبرّى التصريحات السياسية ودورها فـي تسعير الكراهية والتحيز ضد المسلمين الأميركيين والتي بلغت ذروتها على لسان المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي وصل به الأمر إلى حد المطالبة بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.
وسبقه الى ذلك المرشح من كنتاكي راند بول الذي طالب بدوره بإيقاف الهجرة من الشرق الأوسط ريثما نتمكن من معرفة هؤلاء الذين يريدون قتلنا وأذيتنا، بحسب تعبيره، ومن ناحيتها طالبت جينين بيرو -وهي قاضية ومرشحة لمنصب المدعي العام فـي نيويورك- فـي مقابلة متلفزة إلى إغلاق الحدود وإيقاف التأشيرات أمام الزائرين وبصرف النظر عن أسباب زيارتهم فهؤلاء -وفقا لبيرو- لا يحق لهم التواجد فـي الولايات المتحدة.
هذا المناخ المعادي للمسلمين دفعهم إلى إعلان شبه «حالة طوارئ» فـي كافة أنحاء الولايات المتحدة، فسارع ناشطوهم ومنظماتهم ورجال الدين -بالعمل مع منظمات حقوقية ومدنية ومؤسسات رسمية- للدفاع عن حقوقهم الدستورية وتبرئة الدين الإسلامي من تهم العدوان والعنف، والتأكيد عن انتمائهم للوطن الأميركي ووفائهم لهم.
وفـي هذا الإطار، نتمنى ألا تكون الصحوة وزيادة النشاط هذه، مبنية على ردود الأفعال المؤقتة -كما هو الحال عادة- بل عليهم أن يدركوا فعلاً أن معركة الحقوق المدنية للمسلمين هي معركة طويلة وقاسية، وقد بات واضحا أن الكثير من الأدبيات الأميركية قد استبدلت «عدوها الأحمر» (الشيوعية) بـ«العدو الأخضر» (الإسلام)، مما يستوجب اليقظة والمثابرة ورصّ الصفوف داخل المجتمعات الإسلامية، والتخلي عن الأنانيات الشخصية والمصالح الفردية ومد يد التعاون والانفتاح الى الجميع، فهذه معركة مصيرية، تهدد حقوق العرب والمسلمين ومستقبلهم فـي الولايات المتحدة.
كنا نود، ونحن على مشارف نهاية العام، أن تكون افتتاحيتنا أقل «قتامة»، وأن تكون مناسبة لمعايدة القراء والمعلنين وشكرهم على متابعتهم ودعمهم الذي يضمن استمرارنا.. ونؤكد لهم بأننا صامدون وملتزمون بالدفاع عن حقوق مجتمعاتنا.
ولكننا، وفـي جميع الآحوال، لن ندع اليأس يسيطر علينا ويسلب إرداتنا وأمانينا، وإننا والحال هذه، نتمنى لجميع القراء والمعلنين، عاما سعيدا برجاء أن يكون العام القادم عام سعادة ونجاح للجميع..
وكل عام وأنتم بألف بخير!
Leave a Reply