حسن خليفة – «صدى الوطن»
أن يترك المرء والده أو الدته لقضاء آخر أيام حياتها فـي دار للعجزة، أمرٌ غير معهود فـي التقاليد والثقافة العربية، ورغم ذلك يضطر كثيرون من العرب الأميركيين فـي مترو ديترويت الى اللجوء لهذا الخيار الصعب، وإن كان بعضهم يرى فـيه خياراً أفضل للمسنين الذين هم بحاجة الى رعاية طبية دائمة قد لا يقدر الابن أو الابنة على تلبيتها بسبب صعوبة الحياة اليومية.
من المعروف ثقافـياً والمتعارف عليه بين العائلات العربية الأميركية انها نادراً ما تترك كبارها ومسنيها ليعيشوا فـي دور العجزة بدل العيش باستقلالية وبكرامة وسط عائلاتهم فـي أواخر حياتهم، ولكن فـي السنوات الماضية بدأت هذه الظاهرة بالاتساع على الرغم من المنغصات التي تواجه المسنين فـي دور العجزة فـي المنطقة والتي يعتبر حاجز اللغة أسوأ ما فـيها بالنسبة لكبار السن الذين وجدوا أنفسهم فجأة فـي بيئة وثقافة مختلفتين وسط أقرانهم من الأميركيين فـي دور التقاعد والعجزة.
هناك إجماعٌ يشترك فـيه مهنيو الرعاية الصحية والباحثون يقول أن معظم الناس -بغضّ النظر عن خلفـياتهم العرقية- يفضلون عدم ادخال أحبائهم إلى دور العجزة أو مؤسسات رعاية المسنين.
وحدة وأصدقاء
وفـي هذا المجال تقول شوقية هليل (٦٤ عاماً) أنَّ كل أبنائها وبناتها لديهم عائلاتهم ليهتموا بها وإن الإقامة فـي دار المسنين هو الخيار الواقعي الوحيد المتاح لها. ففـي دار المسنين فـي ديربورن هايتس، حيث تقيم، الأطباء هم دائماً على أُهبة الاستعداد للقيام برعايتها صحياً.
لكن شكواها الوحيدة هي وجود عدد قليل فقط من السكان العرب الأميركيين الذين يمكنها التواصل معهم. كما أن الأطباء والممرضين لا يتكلمون العربية أيضاً.
وأكدت أن العاملين فـي دار المسنين يأخذون النزلاء للخارج من أجل التسوق وقضاء حاجياتهم، لكنها تشعر دائماً انها «خارج الحلقة الضيقة»، لأنها لا تفهم عليهم أو على الإشعارات التي تنشرها الدار.
مريم (٧٣ عاماً) التي لم ترغب فـي الكشف عن إسمها الكامل، قالت انها تعيش فـي دار التقاعد لأنها مؤهلة للحصول على سكن رخيص بسبب دخلها المنخفض.
الى جانب ذلك، فإن قريبها الوحيد -حفـيدها- يسكن مع اثنين من أصدقائه. وليس من العادات لمرأة فـي سنها أنْ تسكن مع رجال من غير الأقارب، بحسب قولها.
وبعد أن ارتشفت قهوتها فـي غرفتها، لوحت مريم فجأة لجارتها وصديقتها فـي المبنى: «كما رأيتم، أنا هنا دائماً محاطة بالآخرين. نحن مرتاحون هنا».
وأضافت مريم «هناك الكثير من العرب، وخاصة المهاجرين العراقيين، الذين يقيمون فـي مركز للكبار ويدفعون ٣٠٠ دولار ايجار غرفة واحدة فـي مدينة ديربورن. وبدلاً من دفع ٧٠٠ دولار شهرياً إيجار شقة مع التكاليف المضافة، انا هنا ادفع فقط ٢٥ دولاراً فـي الشهر».
وأردفت «الوضع أكثر هدوءاً هنا مما هو عليه فـي لبنان»، وأكدت ان الأطباء الذين يزورونها مرتين فـي الشهر لا يتحدثون العربية، لكنها دائماً تجد شخصاً ما لمساعدتها على الترجمة.
دار المسنين خيار طبيعي
كريستين عجروش، باحثة اجتماعية ورئيسة مؤقتة فـي قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم الإجرام فـي «جامعة إيسترن ميشيغن»، نشرت دراسة حول احتياجات المسنين المسلمين فـي ديترويت فـي عام ٢٠١٣.
وتوصلت أبحاثها الى أنه على الرغم من أن الأسر العربية تسعى لإبقاء المسنين مع ذويهم فـي المنزل، ستدرك العديد من هذه الأسر فـي نهاية المطاف أنه من أجل توفـير نوعية حياة أفضل لأحبائهم، يحتاج الأمر إلى دعم خارجي لا قدرة لها عليه او لا تستطيع توفـيره.
«ليس هناك الكثير من الخيارات المقبولة لدى الجالية العربية الأميركية» أشارت عجروش، وتابعت «تشعر الجالية أن لديها حاجات ثقافـية محددة ومنظومة قيم ربما من الصعب أن نجدها فـي أماكن أخرى، ولكن هذا لا يعني أنها لا يسعها الوصول الى المصادر المتاحة».
وأفصحت عجروش ان «الكبار فـي دور المسنين يواجهون العديد من التحديات، مثل عدم قدرة العائلات على تلقي التحديثات حول صحة والديهم، ذلك لان السكان المقيمين لا يفهمون تقارير الطبيب».
«اللغة هي عائق كبير»، أكدت الباحثة الاجتماعية، مستدركةً «اللغة هي الأساس، وفـي نواح كثيرة، كذلك الثقافة، وإذا لم تكن لديك القدرة على التواصل بشكل جيد جداً مع الناس الذين من المفترض أن يقدمون لك الرعاية الصحية، فإن هذا يخلق الكثير من التحديات».
وأوضحت ماري زابنسكي وهي ممرضة فـي مؤسسة «غريت ليكس للرعاية الصحية المنزلية» انه أمرٌ مخيف لغير الناطقين بالإنكليزية من الكبار فـي السن ان يعيشوا فـي دور تقاعد أو مراكز للمساعدة على العيش المستقل والتي لا تعترف بالاختلافات الثقافـية.
وأضافت «ستهبط هذه المراكز إلى الحضيض بسرعة، وأنا متأكدة من ذلك، ومن شأن هذا أن يكون مدمراً للشخص. هل يمكنك تخيل ان تعيش طوال حياتك فـي بيئة معينة وفجأة تصبح رهين التمريض الأجنبي ولا تفهم لا الثقافة ولا حتى الطعام؟».
وذكر خالد الرفاعي، وهو طالب جامعي سوري أميركي انه ينظر جدياً فـي إمكانية ادخال والديه إلى دار للمسنين، وهو موضوع يناقشه مع زوجته. وتساءل الرفاعي «والدي ربياني صغيراً وأحاطاني بأقصى قدر من الرعاية والحب، فكيف يمكنني فـي اكثر أوقاتهم التي هم فـيها فـي أمس الحاجة لي، برميهم إلى شخص آخر لتأمين الرعاية لهم؟».
وقالت هبة وهي مترجمة عربية أميركية انها لا ترتاح لفكرة ترك والديها فـي دار للمسنين لها معايير ومعتقدات مختلفة، لكن هذا الخيار هو الأكثر واقعية بالنسبة لها. «إنها فكرة أكثر قابلية للتنفـيذ من بقائهما فـي البيت.. حيث لا تتوفر الموارد الكافـية لهما» قالت هبة.
لن أضع والدَي فـي دار للمسنين
وفـي دراسة عجروش حول تطوير الهوية العرقية، قابلت الباحثة العربية مراهقين من الأسر المهاجرة فكشفت أنه «حسب فكر المراهقين العرب أن واحدة من الصفات التي تجعلهم مختلفـين عن باقي الأميركيين هو أنهم قالوا إنهم لن يضعوا والديهم فـي دار لرعاية المسنين».
واستطردت «لم يتعاطوا بواقعية مع حقيقة التقدم فـي السن» وهذا متوقع بسبب أن الآباء والأمهات هم من المهاجرين، وفـي الغالب ليس لهم أجداد هنا».
ووفقاً لعجروش فإنَّ «إحدى التحديات التي تواجه إنشاء مراكز تقاعد ثقافـية للمسنين هو أن الجالية الإسلامية مهتمة أكثر بالالتفات لقضايا الشباب، بدلاً من تلبية احتياجات كبار السن».
الا ان هذا لا يعني أن النقاش حول هذه النقطة لم يبدأ بالفعل. فقد أعربت عجروش عن اعتقادها أن هناك إدراكاً متزايداً بوجوب معالجة قضية تلبية احتياجات كبار السن فـي الجالية. وأضافت «التقدم يجب أن يتم على شكل خطوات صغيرة حتى لا يؤدي الى تنفـير الجالية».
ومضت عجروش تقول «مع تقدم النَّاس فـي العمر وعيشهم لفترة أطول من أي وقت مضى، فإن الحاجة إلى توفـير الرعاية الطبية للمسنين تصبح ضرورية أكثر».
وخلصت الى القول ان هناك صراعاً حقيقياً يعيشه العرب الأميركيون بين الرغبة فـي الحفاظ على ثقافتهم التي حملوها من أوطانهم الأصلية، وبين التحديات المعاصرة التي تحتاج الى البراغماتية.
وقال جون بالمر، المسؤول فـي «أوكوود كومونز»، وهي دار رعاية لكبار السن تساعدهم على العيش باستقلالية وتقع فـي مدينة ديربورن، إن المؤسسة «تهدف بدأب لتكون حساسة تجاه المقيمين من ثقافات مختلفة». فمطابقة السكان مع الأطباء والممرضات المناسبين لهم من الذين يمكنهم التواصل معهم بشكل صحيح حول احتياجاتهم وأمورهم الصحية، فضلاً عن تزويدهم بالاحتياجات الغذائية المطلوبة، هي واحدة من أهم جوانب الرعاية، وفقاً لبالمر.
وأضاف أن من أصل ٣٩ من الأسرَّة المخصصة للحالات الطويلة الدائمة للعجزة هي متاحة فـي «أوكوود كومونز»، تسعة منهم يحتلها العرب.
وأفادت مرشدة اجتماعية أميركية من أصل عربي، لم ترغب فـي الكشف عن هويتها، ان الكثير من العرب الأميركيين يسعون للعلاج فـي «أوكوود كومونز»، وذلك أساساً لان أولادهم غير قادرين على أنْ يوفروا ثمن الرعاية المطلوبة لهم. وقالت «إن هذا يعكس تحولاً فـي موقف الجيل الجديد تجاه كبار السن، وأن نصف السكان الذين تقوم برعايتهم لا يمكنهم التحدث باللغة الإنكليزية».
Leave a Reply