يأتي توقيت السعودية لتنفـيذ إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر لتغطية سلسلة طويلة من الفشل المتكرر فـي مقاربة القضايا الداخلية والخارجية ومعالجتها، إذ أن سلطات المملكة أرادت -من جهة- القضاء على الحركات المطلبية فـي المنطقة الشرقية التي يشكل فـيها الشيعة أغلبية محرومة من ثروات البلاد، ومن جهة أخرى تعويض الهزائم السياسية والميدانية فـي مناطق الصراع المحتدمة، فـي سوريا والعراق واليمن.
ذر الرماد فـي العيون، بدأ حين قررت السعودية تنفـيذ حكم الإعدام الجائر بحق النمر المسجون فـي زنازينها منذ العام 2012 مع 46 شخصاً من المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية، لإيصال رسائل تهديد مبطنة إلى كل من يجرؤ على تحدي سلطة آل سعود ولاسيما أبناء المنطقة الشرقية الذين يعانون من التهميش والقمع الديني على يد الفكر الوهابي التكفـيري المتأصل فـي المملكة السعودية منذ تأسيسها.
«الرسالة» رغم كل ما تحمله من جبروت وتكبر لم تنطلِ على أحد، ولم تحقق أيا من النتائج المرجوة منها إلا صب الزيت على نار الفتنة التي تعصف بالمنطقة، والتي لعبت السعودية منذ سنوات طويلة على أوتارها حتى بات دور
آل سعود فـي بث وتعميق الفتنة الطائفـية بين صفوف المسلمين حول العالم من المسلمات التي لا يجادل بها أحد، لاسيما بعد انكشاف دورهم الداعم للتنظيمات التكفـيرية والإرهابية التي تشن حرباً همجية على العراق وسوريا وتسعى جاهدة الى تركيع اليمن.
بعد جريمة إعدام النمر دون تقديم أي مبرر قانوني أو أخلاقي، لا يمكن لأحد إنكار الصلف السعودي الذي لا يفوت فرصة إلا ويستخدمها لتسعير التوتر الطائفـي بغرض حماية المُلك الذي وهبهم إياه البريطانيون وتكفل بحمايته الأميركيون منذ عقود طويلة.
من الواضح أن السعودية بإعدامها للشيخ النمر تحاول الخروج من عنق الزجاجة بعد فشلها فـي إدارة الملفات الإقليمية الكبرى، مستندة الى التأزيم المذهبي، كما أنها تحاول استعداء حلفائها الإقليميين والدوليين على الجمهورية الإيرانية الإسلامية مع اقتراب تطبيق الاتفاق النووي ودخوله حيز التنفـيذ بما يضمن رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن طهران، وهو الأمر الذي يحمل فـي طياته الكثير من المخاطر والتهديد للمملكة ونفوذها الإقليمي.
أما على الصعيد الميداني، فقد فشلت السعودية منذ بداية ما يسمى بـ«الربيع العربي» فـي تحقيق أهدافها، سواء عبر الحروب التي تشنها بالوكالة فـي سوريا والعراق، أو عبر الحرب التي أطلقتها على اليمن تحت إسم مخادع وهو «عاصفة الحزم» والذي سرعان ما قامت بتغييره لاحقا إلى «إعادة الأمل» لامتصاص مشاعر الغضب على امتداد العالم العربي الذي استنكرت شعوبه عدوان مملكة النفط والتطرف على أفقر الدول العربية وأعرقها وأمعنت بشعبها قتلاً وتنكيلاً وتهجيراً وذلك بعد عقود من تعميم الجهل والفساد والفقر فـي اليمن.
الأوضاع فـي سوريا ليست أفضل حالا بالنسبة للسعودية، خاصة مع التدخل الروسي الذي يشن حملات جوية مكثفة يوميا ضد التنظيمات الإرهابية ممهدا الطريق أمام الجيش العربي السوري والقوى الحليفة له للقيام بحملات برية أدت إلى استعادة مناطق واسعة فـي حلب واللاذقية ودرعا ودمشق وحمص، هذا بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي، الشهر الماضي، والذي تضمن خارطة طريق لحل سياسي للنزاع فـي سوريا من دون التطرق إلى مصير الرئيس بشار الأسد، وهو ما دفع السعوديين إلى دعم وتعويم بعض الفصائل الإسلامية فـي سوريا والتي لا يقل خطرها عن خطر «داعش» و«جبهة النصرة» بعدما احترقت أوراق هذين التنظيمين.
وأمام كل هذا لا يمكن إغفال صراع الأجنحة داخل العائلة المالكة فـي السعودية، وخاصة بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتولى عملياً قيادة البلاد الى الهاوية، منذ القرار الأرعن بالعدوان على اليمن وصولاً الى تشكيل «تحالف إسلامي» تلفزيوني لمحاربة الإرهاب. وكما يبدو فإن هذا التحالف المزعوم قد ولد ميتا بعد انسحاب العديد من الدول منه، وتردد دول أخرى فـي دعمه.
السعودية تعمل منذ عقود من أجل الاستئثار بتمثيل العالم الإسلامي السني، بعد أن ساهمت بطرق مباشرة وغير مباشرة فـي إفشال المشاريع القومية والوطنية لدى الدول العربية الكبيرة، فـي مصر والعراق واليمن وصولاً الى سوريا، وهي بإعدامها للشيخ النمر تحاول شد عصب الطائفة السنية والتلطي خلفها لتأمين استمرار مُلكها المترنح تحت شعار «خدمة الحرمين الشريفـين».
إن مجمل الظروف السياسية والميدانية، الداخلية والإقليمية، قد حشرت المملكة فـي الزاوية فلم تجد بدا من اختيار أكثر الطرق رعونة وحماقة من أجل التنفـيس والتعويض عن الفشل المتكرر، ولم تجد وسيلة أجدى من إعدام رجل دين ينبذ الإرهاب والعنف ويدعو إلى الإصلاحات السياسية بطريقة سلمية، ولكن تاريخ السعودية يشهد بأن حكامها لا يحتملون مثل تلك الأصوات.
Leave a Reply