سامر حجازي – صدى الوطن
أدَّتْ سلسلة من الاحتجاجات على مقتل رجل أفريقي أميركي أعزل على يد شرطي من ديربورن الى ردود فعل متباينة حول تصرف شرطة المدينة، وصلت إلى حد دعوة السود الى مقاطعة مدينة ديربورن تجارياً.
جانب من التظاهرة المنددة بشرطة ديربورن على شارع ميشيغن افنيو.(ديترويت فري برس) |
الحادثة وقعت يوم ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وأدت الى انقسام فـي الرأي العام حول مقتل كيفن ماثيو (٣٥ عاماً) الذي لقي مصرعه برصاص أحد عناصر شرطة ديربورن رغم أنه يعاني من اضطرابات عقلية وانفصام الشخصية.
ولم تكن إحالة الشرطي لإجازة إدارية لحين إتمام التحقيقات كافـية لكبح الاحتجاجات على مقتل ماثيو خلال المواجهة التي وقعت فـي حي سكني غرب ديترويت. وقد زُعم أن ماثيو ارتكب جريمة سرقة فـي وقت سابق من ذلك اليوم وكانت الشرطة تبحث عنه.
وكانت قد صدرت بحق ماثيو أيضاً مذكرة اعتقال من بلدة ريدفورد، بسبب انتهاكه لقوانين المراقبة «بروبيشين» الناجمة عن إدانته بجريمة ضبطه بحالة سكر وسلوك غير منضبط.
وعلى الرغم من عدم تأكيد إدارة شرطة ديربورن لهذه المعلومات، فقد زعمت تقارير عديدة أن ماثيو كان يحاول انتزاع المسدس من يد عنصر الشرطة أثناء المشاجرة معه. وقد تم اطلاق النار عليه عدة مرات وأُعلنت مفارقته الحياة فـي مكان الحادث. وقد تبيَّن ان بزة الشرطي المعني كانت موحلة وممزقة بعد المشادة.
وبالتعاون مع شرطة ديربورن، تجري بدورها شرطة ديترويت تحقيقاً فـي الحادث.
وامتنعت دائرتا الشرطة عن منح تأكيد على وجود دليل صوتي أو شريط فـيديو حول المطاردة البوليسية والمواجهة التي أعقبتها. وتفـيد شرطة ديربورن ان عناصرها لا يحملون على بزاتهم ميكروفونات ولكن دورياتهم السيارة مزودة بكاميرات.
وكانت أسرة ماثيو والمنظمات الحقوقية المحلية قد أبدت غضبها الشديد فـي أعقاب الحادث، مطالبين بإجراء تحقيق شفاف، كما طلبوا فـي وقت لاحق من مكتب المدعي العام فـي مقاطعة وين بتوجيه تهم جنائية للشرطي.
ونظمت احتجاجات متعددة فـي ديربورن خلال الأسبوعين الماضيين بقيادة «شبكة العمل الوطني فـي ديترويت» ومنظمة «حياة السود مهمة» إضافة الى ناشطين حقوقيين محليين.
وقارن المحتجون بين وفاة ماثيو مع غيرها من الحوادث التي تصدرت عناوين الصحف الوطنية فـي العامين الماضيين، بما فـي ذلك مقتل المواطن الأسود الأعزل مايكل براون البالغ من العمر ١٨ عاماً فـي مدينة فـيرغسون بولاية ميسوري.
ويوم الاثنين، فـي الرابع من كانون الثاني (يناير) الحالي، تم تنظيم تظاهرة كبيرة أمام قسم الشرطة فـي مدينة ديربورن على شارع ميشيغن آفنيو مما أدى الى اغلاق حركة المرور فـي الاتجاهين. وانضم إلى التظاهرة عدد من منظمات الحقوق المدنية فـي ميشيغن منها «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير-ميشيغن)، ومنظمة «الحملة ضد الكراهية» بالإضافة إلى «اللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي-ميشيغن).
وقام المتظاهرون بتحدي البرد القارس حاملين لافتات مندِّدة ومرددين «لا عدالة، لا سلام، لا شرطة عنصرية» و«حياة السود مهمة أيضاً».
وفـي هذا الصدد صرَّح مدير «كير-ميشيغن» داوود وليد لـ«صدى الوطن» أن أسرة ماثيو ومنظمات الحقوق المدنية تشعر بالاحباط من الشرطة «لأنها لم تفصِح عن أية معلومات إضافـية عن الحادث منذ وقوع ذلك الحادث المميت». وأضاف ان شرطة ديربورن «يجب أن تكون أكثر شفافـية ونحن لا نجهل اسم مطلق النار وحسب، بل لا نعرف أيضاً أي شيء متعلق بسجل خدمته. فعناصر الشرطة هم موظفون عامون ولا ينبغي حجب (معلوماتهم) عن الجمهور».
وقد طالبت جماعات حقوق المدنية أيضاً بالرقابة الفدرالية فـي التحقيق، خوفاً من انحياز الشرطة المحلية.
وتابع وليد بأن هناك سجلاً كبيراً فـي أميركا حول عدم مهنية تحقيقات الشرطة اذا كانت القضية متصلة بأحد عناصرها، مشيراً الى ان الاغلبية الساحقة لتحقيقات الشرطة تتمخض عن تبرئة ساحة عناصر الشرطة الآخرين حتى عندما يخطؤون. و«إذا ليس لدى شرطة ديربورن ما تخفـيه، فـيجب عليها أن ترحب بالتحقيق الفدرالي».
ومن جانبه، دعا القس تشارلز وليامز، رئيس «شبكة العمل فـي ديترويت»، السود إلى مقاطعة ديربورن اقتصادياً، وقال «إلى أنْ نحصل على العدالة، نحن لن نأتي إلى ديربورن بعد الآن» وخلص إلى القول «وداعاً فـيرلين (مول)، وداعاً (مطعم) «بني هانا» لن نسمح لدولاراتنا أن تُنْفَق فـي مكان لا يقدمنا لنا فروض الإحترام».
وفـي حين أن ديربورن يسكنها عدد قليل جداً من الأميركيين السود، الا ان المصالح التجارية فـي المدينة والكليات والجامعات فـيها تجتذب اليها عدداً كبيراً من سكان ديترويت، بما فـي ذلك مجمع «فـيرلاين مول» ومتاجر «وولمارت» و«هوم ديبو» وغيرها.
السكان منقسمون
ولكن على الرغم من الضجة التي أحدثتها وفاة ماثيو، لم تشارك غالبية سكان ديربورن فـي الاحتجاجات، بل أعرب الكثير منهم عن دعمهم لشرطة المدينة، معتبرين ان عمل الشرطي مطلِق النار تبررها الإجراءات المرعية لأنه كان يحاول حماية نفسه.
مجموعة على «الفـيسبوك» تسمي نفسها «الدعم لشرطة ديربورن» حصدت على أكثر من ١٣٠٠ «لايك» فـي غضون أيام قليلة. وتهدف المجموعة هذه لتوزيع يافطات منزلية توضع فـي مقدمة المنزل وشرائط زرقاء للسكان للتضامن مع شرطة المدينة، فـيما أثنى آخرون على الشدة التي تتعاطى بها شرطة ديربورن مع «المجرمين القادمين من ديترويت».
وكتب أحمد أمين، أحد سكان ديربورن، على صفحته على «الفـيسبوك» انه يؤيد عموماً الحركة الوطنية ضد وحشية الشرطة، ولكن فـي هذه الحالة يشعر أن هناك ما يبرر تصرفات الشرطي.
«الاحتجاج هو حق جميل فـي الولايات المتحدة الأميركية، حيث إنه يخلق التغيير عند القيام به بالطريقة الصحيحة. لكن أنا لا افقه لماذا يقومون بالاحتجاج؟ هل على الضابط الذي يضع روحه على كفه فـي مواجهة رجل مختل عقلياً وهو يحاول سحب سلاحه؟.. استخدِموا المنطق أيها النَّاس فالشرطي له روح وأيضاً أسرة وله كل الحق فـي الدفاع عن نفسه».
الا ان كل مشاعر السكان المؤيدين للشرطة لم تكن بنفس موضوعية أمين فـي موقفه الداعم لقسم شرطة مدينة ديربورن.
ففـي الأيام الأخيرة، أصدر عدد من السكان العرب الأميركيين تصريحات مسيئة ومتعصبة على وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف مجتمع السود فـي ديترويت وتتهمهم بالهمجية والإجرام، حتى أنَّ بعضهم وصف المتظاهرين على شارع ميشيغن أفنيو بـ«البلطجية» و«المجرمين».
كما أعرب العديد من المعلقين عن عدائهم تجاه منظمة «حياة السود تهم»، مطالبين أن تنظم الاحتجاجات لدعم عوائل مئات العمال ورجال الأعمال العرب الأميركيين «الذين قتلوا على أيدي السود فـي ديترويت».
وعن ذلك أعرب داوود وليد عن شعوره بخيبة أمله لأن الجالية العربية «لم تحتشد وراء أسرة ماثيو»، لافتاً إلى أن هذا «تعبير دقيق عن الفصل العنصري المفرط فـي مترو ديترويت». وأضاف «كنت أعتقد أن سكان ديربورن سيرحبون بالتحقيق الصارم فـي هذه القضية».
اجتياح «كروغر»
وأبدى سكان ديربورن انزعاجهم بسبب تعطيل المتظاهرين لحركة الزبائن فـي متجر «كروغر» وذلك بعد اجتياحهم المتجر الواقع على تقاطع ميشيغن آڤنيو وغرينفـيلد. وتظهر لقطات فـيديو من نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، انزعاج الزبائن من المتظاهرين الذين اندفعوا إلى داخل المتجر وهم يرددون هتافات تقول «من أغلق هذه الحثالة؟ نحن أغلقنا الحثالة».
وبعد بضع دقائق، أبلغت شرطة ديربورن المتظاهرين بأنهم كانوا يعكرون صفاء السلم وتم إخراجهم من محيط المتجر. وقالت امرأة كانت تتبضع خلال الحادث ان طفلها الذي كان بمعيتها شعر بالخوف من الفوضى واللغط.
وأدان وليد تصرفات المتظاهرين الذين تدفقوا إلى داخل «كروغر»، مشيراً إلى أنهم تصرفوا بشكل مستقل عن أسرة ماثيو وجماعات الحقوق المدنية التي دعت لمظاهرة سلمية فـي مدينة ديربورن.
وحذر وليد الناس من تصنيف كل المحتجين بناء على تصرفات المتظاهرين الذين اقتحموا كروغر، واستطرد «هؤلاء عددهم قليل ولم يكونوا من أفراد الأسرة أو منظمي هذا الحدث».
Leave a Reply