كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لم يتأخر الرد على اغتيال الشهيد سمير القنطار، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على جريمة مقتله من قبل العدو الإسرائيلي، فـي جرمانا بقصف المبنى الذي يقيم فـيه بضاحية دمشق، إذ توعّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بالإنتقام لدم القائد القنطار كما وصفه، فـي الزمان والمكان المناسبين، فقامت «المقاومة الإسلامية» بتنفـيذ عملية فـي مزارع شبعا المحتلة، ضد دورية للإحتلال الإسرائيلي، وهي المنطقة التي ردت فـيها المقاومة أيضاً قبل حوالي العام، على اغتيال جهاد مغنية نجل القائد العسكري والجهادي للمقاومة عماد مغنية الذي تصادف بعد حوالي شهر الذكرى الثامنة لإغتياله من قبل المخابرات الإسرائيلية فـي دمشق أيضاً، إذ استشهد مع جهاد خمسة من المقاومين فـي ريف القنيطرة السورية، ومعهم ضابط كبير فـي الحرس الثوري الإيراني.
فالوعد الذي يقطعه السيد نصرالله، بأن المقاومة لا تنسى أسراها، ولا تترك جرحاها، وتثأر لشهدائها، يكون نافذاً، وينظر إليه قادة العدو الصهيوني بجدية تامة، لأنه كان يفـي بوعده، فهو أعلن أنه سيحرّر الأسرى من سجون العدو، ومنهم عميدهم سمير القنطار، فإلتزم بما أكّد عليه، وهو منذ اغتيال أحد مؤسسي وقادة المقاومة الشعبية السورية فـي الجولان المحتل، خطب ثلاث مرات فـي خلال خلال ثلاث أسابيع، وكان يذكّر أن الرد على الجريمة الصهيونية آتٍ لا محال، والتوقيت هو على ساعة المقاومة، التي وضعت الجيش الإسرائيلي فـي حالة من الإستنفار والجهوزية، وقد اختبأ ضباطه وجنوده منذ اليوم الأول للإغتيال، فلم تعد دورياته تظهر كما فـي حالات الهدوء، وأن مستوطنيه نزلوا الى الملاجئ، ومنهم مَن ابتعد عن الحدود مع لبنان، فغابت الحركة عن المستوطنات فـي شمال فلسطين المحتلة، فتعطّلت الأشغال، وأقفلت المدارس لأيام، فـي ظل وضع نفسي مضطرب عاشه المستوطنون الذين كانوا يرون من نوافذ منازلهم ومخابئهم، كيف يتجوّل أبناء القرى الحدودية المتاخمة للشريط الشائك فـي الجنوب، بحرية ويتحركون دون خوف، إذ كانوا يقضون أوقاتهم فـي مؤسساتهم ومدارسهم وأعمالهم، حيث إنقلب المشهد، مع المقاومة التي شكّلت قوة ردع للعدو الذي تغيرت قواعد الإشتباك معه. فبعد أن كان يخترق الحدود، ويعبث بالسيادة، ويخطف المواطنين ويقتل منهم، فإذا بأبناء القرى الحدودية، فـي موقع القوة، وليس الضعف، وهم شهدوا على تحرير أرضهم فـي الجنوب عام 2000، وصمود المقاومة فـي صد العدوان الإسرائيلي عام 2006، وهو ما زادهم إيماناً بأن يتشبثوا بأرضهم، فلا يتركوها كما حصل معهم فـي عقود سابقة، إذ كان الجنوبيون متروكين لمصيرهم، من دون حماية، لأن الدولة اللبنانية رفعت شعار «قوة لبنان فـي ضعفه»، وأن صداقاته الدولية تحميه، وعلاقاته الدبلوماسية تنقذه من أي عدوان قد تقدم عليه إسرائيل، لكن هذه المقولات سقطت كلها، فلم تردع الكيان الصهيوني عن إجتياح لبنان مرتين فـي العام 1978 و1982، ولا فـي شن الإعتداءات المتكررة عليه، إلى أن بدأ عصر المقاومة بعد الغزو الصهيوني للبنان، فانطلقت المقاومة الوطنية ثم الإسلامية، وبدأت عمليات التحرير من الإحتلال الإسرائيلي والتي كانت بيروت أولى طلائع المقاومة، لتتسع الأرض المحررة من الجبل الى صيدا فجزين والنبطية وصور وصولاً الى كامل الجنوب.
هذه المقاومة صارت إسرائيل تحسب لها حساباً، ولم يعد لبنان الدولة الضعيفة، بل بات بفضل مقاومته لاعباً إقليمياً، حيث انتقلت شعلة المقاومة الى فلسطين مستفـيدة من تجربة المقاومة فـي لبنان، وكانت غزة النموذج المقاوم باستخدام السلاح والصواريخ والعبوات الناسفة، فقررت إسرائيل الإنسحاب منها وتفكيك 21 مستوطنة بنيت فـي محيط القطاع الذي صدّ الإعتداءات عنه أربع مرات فـي أعوام 2008 و2010 و2012 و2014، برغم الحصار واكتظاظ السكان فـي مساحة 800 كلم مربع.
ومع إنتقال نموذج المقاومة الشعبية الى سوريا، وبدء تأسيسها، حاولت إسرائيل القضاء عليها فـي المهد فكان إغتيال القنطار وقبله جهاد مغنية ورفاقه، وظنّت أنها بإرتكابها هذه الجرائم، تقفل الحساب مع المقاومة قبل أن تنطلق، وأن استهدافها للقنطار، يدخل أيضاً فـي إطار تصفـية الحساب معه والذي بدأ قبل 37 عاماً فـي عملية نهاريا، فعندما لم تستطع قتله فـي أثناء العملية، وفـي سجنه، الذي قاومها من داخله، فإنها رأت الفرصة سانحة باغتياله فـي منزله، وتتخلّص منه، لكن أخطأت التقدير كما قال السيد نصرالله، وأن قتلها لعميد الأسرى، سيكلفها كثيراً وفتح الحساب الذي لم يقفل ولن يقفل معها، فكانت عملية مزارع شبعا التي قال سيد المقاومة فـي ذكرى أسبوع الشهيد القنطار، أنها أصبحت فـي أيدٍ أمينة.
العملية نُفّذت فـي الزمان والمكان المناسبين، وفـي الأراضي اللبنانية المحتلة التي تطالب القرارات الدولية إسرائيل بالإنسحاب منها، وكان آخر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أوقف العمليات العسكرية، ولم يوقف إطلاق النار، بعد العدوان الإسرائيلي فـي صيف 2006، وأن المقاومة بعملية الشهيد القنطار وقبله عملية جهاد مغنية، فإنما نفّذتهما فـي أرض محتلة، وهي لم ترمِ سلاحها، ولم تسلمه كما طالبها فريق «14 آذار» فـي لبنان، تلبية لرغبات أميركية وإسرائيلية، طالما إسرائيل تحتل شبراً من أرض لبنانية فـي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر، إضافة الى القرى السبع اللبنانية التي ضمتها إسرائيل الى كيانها الغاصب عام 1948، ونزح أهلها عنها، واستعاد بعض منهم هويته اللبنانية قبل أكثر من عشرين عاماً.
والمقاومة ردّت فـي أرض لبنانية محتلة، وعمليتها مشروعة، ولا تخرج عن القرارات الدولية التي لم تحرر أرضاً محتلة لا فـي لبنان ولا فـي الجولان، وحتى بالتسويات السلمية التي وقّعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية فـي أوسلو، فهي لم تخرج من الضفة الغربية التي تعتبرها أرضها التوراتية وتسميها «يهوذا والسامرة»، وقتل رئيس الحكومة إسحق رابين على يد مستوطن يهودي لأنه تنازل عن «أرض إسرائيل» وفق زعمه للفلسطينيين الذين ليس لهم أرض.
لذلك كان رد المقاومة كما فـي كل مرة يحصل فـيها اغتيال لأحد قادتها أو عناصرها، واعتداء على أرض، حيث لم تعد تأبه لتهديدات قادة العدو الذين توعدوها، بأنهم سيزلزلون الأرض تحتها ويحولونها الى محروقة، إن مسّت المقاومة بحياة ضابط أو جندي ومستوطن، لكن الهزيمة التي تكبّدها الجيش الذي لا يُقهر فـي لبنان أثناء العدوان عليه صيف 2006، وبعد 33 يوماً من ضرب كل الأهداف التي نفذ منها بنكه، وقصف المقاومة بالصواريخ للمرافئ والمرافق والثكنات والمستوطنات ووصولها الى عمق الكيان الصهيوني، دفع قادة العدو الى أن يفكروا كثيراً فـي أي ردّ، إذ تملك المقاومة وفق تقديراتهم ما بين 100 و150 ألف صاروخ ومنها من نوعية مدمرة كمثل الصاروخ «أس – 300»، وباستطاعة المقاومة أن ترمي لمدة تزيد على عام بمعدل ما بين 500 وألف صاروخ يومياً، وهو ما شكّل حالة رعب لدى قادة العدو، الذين عكفوا على دراسة رد المقاومة على اغتيال القنطار، وما إذا كانت ستكتفـي بهذه العملية، التي تقول المقاومة إنها قتلت ضابطاً برتبة عقيد مع جنود كانوا معه فـي سيارة «هامر» عسكرية برفقة جرافة كبيرة من نوع «9–D»، التي أصيبت أيضاً.
وما فاجأ العدو أن المقاومة تمكّنت من اجتياز كل أجهزة الرصد والمراقبة الحديثة جداً، وزرعت العبوة فـي أحد الأمكنة، مما يسهّل عليها القيام باخرى والعبور الى داخل فلسطين المحتلة مما يدل وفق التقارير الإسرائيلية وما نقلته عن قادة وخبراء عسكريين فـي جيش العدو، أن المقاومة باتت قادرة أن تصل الى أي مكان، داخل مزارع شبعا أو الى المستوطنات، وهو ما توقف عنده رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي غازي إيزنكوت فـي اجتماع لكبار الضباط بعد عملية المقاومة وايده وزير الامن موشي يعلون، إذ كان السؤال يتركّز، هل تكتفـي المقاومة بهذا الرد، وأن اغتيال القنطار أصبح وراءنا؟ ليأتي الجواب من المقاومة، بأن الحساب لم يقفل مع إسرائيل، وهو مفتوح على كل الإحتمالات، والعملية تدخل فـي الصراع المفتوح مع الكيان الصهيوني، حتى اقتلاعه من الوجود، كما أكّد السيد نصرالله أكثر من مرة فـي خطاباته، معتبراً أنه غدة سرطانية يجب اجتثاها، وهو توصيف يكرره قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفـي مقدمهم مرشد ثورتها السيد علي خامنئي، كما قادة سياسيون وأحزاب ومفكرون عرب، يعتبرون الحرب مع الدولة العبرية هي حرب وجود، لأنها ترتكز الى عقيدة دينية توراتية، تقوم على إلغاء الآخر، ورفض مشاركة الفلسطينيين كيانها الدي ستحوله الى دولة يهودية صافـية حيث اعتمدت سياسة التهجير للشعب الفلسطيني من أرضه، مقابل حركة الهجرة اليهودية من دول العالم الى الأرض الموعودة من «الفرات الى النيل»، إذ سقطت هذه البدعة اليهودية، مع المقاومة التي طردت الجيش الإسرائيلي من لبنان، وتقاومه فـي فلسطين المحتلة بالحجارة والدهس والسكاكين فـي الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية، واستخدام الصواريخ فـي غزة، إذ أصبحت المقاومة واحدة من غزة فـي فلسطين الى الناقورة ومزارع شبعا فـي لبنان وامتداداً الى جبل الشيخ والجولان فـي سوريا.
وإذا كان رد المقاومة مدروساً وفـي مزارع شبعا التي تسعى الى تحريرها، فإنها قصدت أن توصل رسالة، بأن إختيار المكان له معناه الجغرافـي والإستراتيجي، وهو التحرير المتدرج للأرض المحتلة، دون توسيع جبهة الحرب.
Leave a Reply