كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يقترب الشغور فـي رئاسة الجمهورية من عامه الثاني، دون إنتخاب أي مرشح لهذا المنصب، بعد 34 جلسة لمجلس النواب لم يكتمل النصاب القانوني فـيها، مع عدم حضور نواب من «8 آذار» تتقدّمهم «كتلة الوفاء للمقاومة» التي ينتمي إليها نواب «حزب الله»، و«تكتل الإصلاح والتغيير» برئاسة العماد ميشال عون، ونواب كتلتي الحزبين «القومي» و«البعث»، فـي حين يحضر نواب «14 آذار» من كتل «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» إضافة الى كتلتي «التحرير والتنمية» برئاسة نبيه برّي و«اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب وليد جنبلاط.
وحرّك الجمود فـي الملف الرئاسي تسوية طرحها الرئيس سعد الحريري على النائب سليمان فرنجية، بأن يكون رئيساً للجمهورية ويتولى هو رئاسة الحكومة، فـيتقاسم «8» و«14 آذار» السلطة كلّ من موقعه، ويقوم تعاون بينهما لتحريك مؤسسات الدولة وانتظامها وتسيير شؤون المواطنين وتلبية حاجاتهم، وحل الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، والخدماتية التي باتت تتراكم، وتهدّد بإنفجار الأمن الإجتماعي مع الحراك الشعبي الذي إنطلق فـي الشارع منذ مطلع الصيف الماضي.
وكادت التسوية الرئاسية أن تأخذ طريقها نحو التنفـيذ، بعد أن تلقّت دعم كل من الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط الذي استقبل فرنجية فـي منزله فـي كليمنصو وأعلن تأييده له، كما نالت مباركة بكركي التي يهم سيّدها إنتخاب رئيس للجمهورية، دون النظر الى الأسماء، وحظيت بتأييد سعودي لأن الحريري لا يُقدم على قراره هذا، دون حصوله على موافقة المملكة، وأيّدها كل من فرنسا التي إتّصل رئيسها فرنسوا هولاند بفرنجية، وأميركا التي طبخها سفـيرها السابق فـي لبنان ديفـيد هيل، وتُوّجت بمباركة الفاتيكان الذي أوعز للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بالترحيب بها، وهو ما حصل إذ وصفها بأنها تفتح الباب لحل أزمة الرئاسة، التي لم يقبل بها العماد عون الذي يعتبر نفسه مرشّح «8 آذار»، وتحديداً «حزب الله» الذي لم يكن إيجابياً مع التسوية الحريرية، لأنها لم تأتِ من ضمن سلة شاملة، تتضمّن الحكومة ورئيسها وقانون الإنتخاب والتعيينات العسكرية والأمنية وقضايا أخرى، وهي بُحثت فـي اللقاء بين الحريري وفرنجية الذي أعلن ما جرى، وأنه ليس وحده مَن يقرّر فـي هذه المسائل، لأنها من إختصاص سلطات أخرى مثل مجلس النواب الذي يقرّ قانون الإنتخاب، والأكثرية فـيه تسمي رئيس الحكومة، لكن هذا التوضيح لفرنجية شكّك فـيه بعض الأطراف من حلفائه، وبأنه تنازل للحريري ليتحكّم فـي السلطة.
لم تتمكّن تسوية الحريري من العبور مسيحياً، إذ واجهت رفضاً من الثنائي عون وجعجع، وتحفظاً من الكتائب، كما أودعها «حزب الله» فـي الثلاجة عندما تمسّك بترشيح العماد عون، وهذا ما استغلّه رئيس «القوات اللبنانية» الذي رأى الفرصة مناسبة لقطع الطريق على التسوية ووصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، بعد نيله تأييد الكتل النيابية الأساسية، فرأى أن يردّ عليها بترشيح العماد عون الذي ترشّح جعجع ضده عندما كان يحاور الحريري حيث شارف الإتفاق بينهما على الإنتهاء، بدعم الجنرال للوصول الى رئاسة الجمهورية، ويترأس الحريري الحكومة، لكن جرى تعطيل المبادرة الحريرية من قبل جعجع الذي كان مدّ خطوط التواصل مع عون، فتوصلا الى ورقة «إعلان نوايا»، لم تتضمن رئاسة الجمهورية الى أن رشّح الحريري فرنجية، فرآها رئيس القوات فرصة لترشيح عون وهو من الفريق السياسي لرئيس «تيار المردة» فـيخلق شرخاً بينهما، ويحرج «حزب الله».
فمع التسوية الحريرية بترشيح فرنجية الذي لم يتحوّل رسمياً، وهذا هو الخطأ الذي وقع فـيه رئيس «تيار المستقبل» الذي كان عليه أن لا يتأخّر فـي تسميته، فترك مجالاً لإطلاق النار عليها، وأعطى فرصة لرافضيها أن يجمعوا أوراقهم، وهو ما فعله جعجع بعد أن لمس جدية الحريري بترشيح فرنجية الذي ان أنتخب رئيساً للجمهورية، فإن «القوات اللبنانية» ستتحجم نيابياً بإنخفاض عدد نوابها الذين وصل أكثريتهم بالصوت السنّي باستثناء بشري، ولن تكون الرقم الصعب فـي المعادلة الداخلية، فقرّر رئيسها أن يدعم عون لأنه أهون الشرور إذا ما تأمّنت له الأصوات، وتقاسمت «القوات» و«التيار الوطني الحر» مغانم السلطة.
لعبة ذكية
ولعب جعجع لعبة ذكية، بالتقارب من عون لوراثة تياره، الذي سارع لتحويله الى مؤسسة حزبية، فسمى له رئيساً هو الوزير جبران باسيل وريثه السياسي، الذي قام بأول إنتخابات داخلية على مستوى البلدات والأقضية، باعتماد النسبية، التي تعتمد للمرة الأولى فـي إنتخابات حزبية وحتى نيابية.
فترشيح جعجع لعون، لم يلغِ التسوية الرئاسية للحريري المتمسّك بفرنجية، وإلتقاه أكثر من مرة، وتجري إتصالات بينهما للتأكيد أن التسوية لم تمت ولم يتمّ وضعها فـي الثلاجة، بل أرجئت لإستكمال الإتصالات التي تصب كلها لصالح إنتخاب فرنجية الذي وبعد ساعة من تبني جعجع لترشيح عون، كان يعلن من بكركي أنه مستمر فـي ترشيحه، ولن يتراجع عنه، حيث كان ردّه سريعاً، للتأكيد على أن جعجع رشّح عون من أجل قطع الطريق عليه، وهو حظوظه متوفرة أكثر من عون الذي يتّكل على «حزب الله» ليقنع رئيس «تيار المردة» بالإنسحاب له، وتذكيره بأنه هو مَن أعلن أنه ينسحب للجنرال إذا ما رشّحه رئيس «القوات»، لكن فرنجية يؤكّد أن الأكثرية النيابية هي معه فـي الإقتراع، وتؤمن له عدد النواب المؤيدين 65، فـي حين يؤيد عون 62 نائباً، فلماذا سيخسر هذه الفرصة، وأن يجير رئاسة الجمهورية لأحد، طالما إقتربت منه.
فعدم انسحاب فرنجية سيعقّد خطوة جعجع، كما لن يهضمها عون، حيث يصبح الرجلان فـي منافسة على رئاسة الجمهورية وهو ما لا يقبله الجنرال، واقترح الرئيس برّي الى الإحتكام لأصوات النواب، ومّن يفز نهنئه، لكن رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» لن يقبل بهذا العرض، الذي يرغب أن يكون إجماع أو شبه إجماع على إنتخابه، لا أن يكون فارق الأصوات سواء فـي الربح أو الخسارة ثلاثة أصوات، وهو ما قد يدفعه ربما الى الإنسحاب من المعركة الرئاسية، التي لا يستطيع جعجع تأمين أصوات له للفوز بها، وأن «حزب الله» لن يفرضه على حلفائه، إذا لم يلتزم الرئيس برّي بترشيح عون، وكان يحضر جلسات الإنتخاب، وهو يميل الى فرنجية أكثر، ويمكن أن يتعاون معه، وكذلك ينظر الحريري وجنبلاط الى الموضوع.
وباتت إنتخابات رئاسة الجمهورية بين مبادرتين أو ترشيحين من طرفـين فـي «14 آذار» لقطبين فـي «8 آذار»، وهي مفارقة سياسية، خلطت الأوراق والتحالفات، وبدّلت فـي إتجاه المعركة الإنتخابية، فلا العامل السياسي، هو الذي فرض على الحريري إختيار فرنجية، والأمر نفسه بالنسبة لجعجع مع عون، فكلاهما فـي المحور السياسي الذي يناهضه فريق «14 آذار»، فلماذا إذن إختار كل من الحريري وجعجع مرشحه من «8 آذار»، ولا يناسبان المحور الذي يعملان معه وهو السعودية ودول الخليج، ويختلفان بالنظرية والممارسة بالنسبة للوضع فـي سوريا، وسلاح «حزب الله» الذي يشارك فـي القتال الى جانب النظام السوري بدعم إيراني. إنه «زمن العجائب» ربما، إذ يتبدّل المشهد السياسي فـي لبنان بسرعة، وتتغيّر المعادلات، مع تبدل فـي التطورات فـي المنطقة وخاصة فـي سوريا وفق قياس كل طرف سياسي داخلي، إذ ينظر فريق «8 آذار»، الى قبول طرفـين ترشيح رجليهما، فهذا دليل على أن الخيارات السياسية تتقدم لصالح المحور السوري-الإيراني المدعوم من روسيا، وهو ما يفرض على «14 آذار» تسييله فـي السياسة التي حصل الخلاف بين مكوناتها على المرشحين عون وفرنجية، لاسيما بين الحريري وجعجع الذي يرى أن مرشحه انطلق من صلب «14 آذار» و«ثورة الأرز» وخاض معارك السيادة والإستقلال زمن الوجود السوري، فـي حين يرى الحريري بفرنجية، أنه إبن النظام السياسي الذي أنتجه اتفاق الطائف، وليس لديه رغبة فـي تغييره أو الإنقلاب عليه، وهو يقبل بما هو قائم.
فهذه التطورات التي رافقت الإستحقاق الرئاسي حركته، لكن لم تؤمن انتخاب رئيس للجمهورية، إذ ثمة عقبات لم يجرِ تذليلها، لا من أمام تسوية الحريري، كم انها لن تكون سهلة أمام خطوة جعجع، إذ الكرة هي فـي ملعب الكتل النيابية التي عليها أن تحسم مواقفها، إضافة الى موقف «حزب الله» الذي لديه مرشحان حليفـان له من خصمين سياسيين ففـي أي موقع سيكون، وهو الملتزم بترشيح عون الذي قد لا يؤمن له الفوز، إذا لم يتجاوب فرنجية مع الإنسحاب.
عاش اللبنانيون قبل إنتهاء العام المنصرم مرحلة التسوية الرئاسية، وأملوا أن يقفل بإنتخاب فرنجية لرئاسة الجمهورية، وباتوا مع مطلع العام الجديد، أمام خطوة جعجع فـي تأييد عون الذي أصبح أمام منافس من كتلته النيابية وخطه السياسي، وهو ما سيفرض عليه القبول بما ينتخبه صندوق الإقتراع.
Leave a Reply