كمال ذبيان – «صدى الوطن»
فـي الوقت الذي يتجادل اللبنانيون حول جنس ملائكة رئيس الجمهورية الذي مضى حوالي العامين على شغور منصبه، وتختلط الأوراق والتحالفات، وتشل مؤسسات الدولة من مجلس النواب الى الحكومة، وتتأزّم أوضاع المواطنين الإجتماعية والإقتصادية والحياتية والخدماتية، فإن مؤتمراً «للأمن القومي» إنعقد فـي إسرائيل، وهو للعام التاسع على التوالي، وبحث فـي شؤون إستراتيجية، تتعلق بأمن الكيان الصهيوني ووجوده، حيث ركّز هذه السنة على أن «حزب الله» هو الخطر الأساسي الذي تواجهه إسرائيل وفق ما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غاندي أيزنكوت فـي المؤتمر، وأشار الى أن هذا هو الهدف الأساسي الذي تدرب عليه الجيش الإسرائيلي فـي الأسبوعين الأخيرين على الحدود مع لبنان.
فمنذ العدوان الإسرائيلي على لبنان ومقاومته صيف 2006، وهزيمة الجيش الإسرائيلي، وضع قادة العدو نصب أعينهم، كيف يمكن إزالة الخطر الوجودي الجاثم عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، إذ بعد مرور أكثر من عشر سنوات على هذا العدوان، فإن الخبراء العسكريين والإستراتيجيين، ومنهم مَن تحدّث فـي المؤتمر السنوي «لمعهد دراسات الأمن القومي» الذي يستخدم منصة يعرض من خلالها القادة السياسيون والعسكريون رؤاهم الإستراتيجية، أشاروا الى أن «حزب الله» بات يمتلك ترسانة صواريخ يقدر عددها بين 100 و150 ألف صاروخ، ومنها ذات نوعية تدميرية تحمل رؤوساً تقول إسرائيل إنها نووية، من أجل لفت نظر الدول الحليفة لها، ما يمثله هذا الحزب من خطر عليها.
لذلك لم توقف الدولة العبرية مناوراتها تحت إسم «تحولات» والتي بلغ عددها السبعة، وتقوم بتدريبات شبه دائمة عند الحدود مع لبنان، حيث يخشى قادتها من أن تكون المعركة المقبلة للمقاومة داخل المستوطنات الصهيونية فـي الجليل الأعلى، وتلك القريبة من الحدود، إذ سبق للمقاومة واخترقت «الشريط الشائك»، وخطفت ضباطاً وجنوداً إسرائيليين، كان آخرها خطف جنديين بالقرب من بلدة عيتا الشعب، عند الخط الأزرق، فـي 12 تموز 2006، وإتّخذت إسرائيل من عملية الخطف ذريعة لشن عدوانها.
ويعتبر قادة العدو أن المقاومة فـي لبنان لم تشغلها الحرب فـي سوريا التي تشارك فـيها الى جانب النظام السوري ضد الجماعات الإرهابية التكفـيرية، عن بقاء جهوزيتها القتالية فـي الجنوب وامتداداً الى الجولان المجاور لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا عند سفح جبل الشيخ الذي تقيم فـيه القوات الإسرائيلية مرصداً لها ومواقع عسكرية، حيث نفّذت المقاومة عمليتين فـي مزارع شبعا قبل شهر فـي هذا العام ردّاً على اغتيال العدو الإسرائيلي الصهيوني لقائدين منها هما جهاد مغنية فـي ريف القنيطرة فـي كانو الثاني عام 2015 وسمير القنطار فـي جرمانا قرب دمشق فـي كانون الأول من العام نفسه مع مقاومين آخرين.
وقد أثبت رد المقاومة أنها مستعدة دوماً للرد على أي اعتداء إسرائيلي، وقد أخذ قادة العدو بهذه الإستراتيجية للمقاومة وبنوا عليها خططهم العسكرية، بعد أن أدركوا أن قواعد الإشتباك تغيّرت مع وجود خلايا للمقاومة فـي المدن والبلدات السورية فـي القنيطرة وريفها والجولان المحتل، وأن الجبهة توسّعت، وهو ما دفع بالقادة العسكريين الإسرائيليين الى تكثيف تدريباتهم، ووضعوا فـي حساباتهم إقتحام المقاومة لمستوطنات وخوض حرب داخلها، ونقل المعركة الى قلب الكيان الصهيوني سواء فـي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أو 1967، وقد أعلنت الإستخبارات الإسرائيلية (الشاباك) عن إعتقال خلايا فلسطينية فـيها تتعامل مع «حزب الله».
خبرة قتالية
وتدرس المؤسسة العسكرية الصهيونية، القدرات والخبرات التي زادت على رصيد المقاومة، التي يعترف ضباط إسرائيليون من رتب عالية، أن «حزب الله» بات يمتلك خبرة قتالية عالية فـي سوريا، من حرب مدن وشوارع وتلال وقمم، ولا يعرفها الجيش الإسرائيلي، وهذ ما سيسهّل على المقاومة إجتياز الحدود بإتجاه فلسطين المحتلة، وسبق للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أن أشار إليه وتحدّث عنه فـي أكثر من خطاب له، متوعداً قادة العدو أن المعركة المقبلة هي داخل فلسطين المحتلة، وليست على الأرض اللبنانية، وهو تطوّر عسكري نوعي تنظر إليه إسرائيل بقلق وخوف، لاسيما بعد إعلانها أن الحزب حصل على صواريخ أرض-بحر (ياخونت)، كما على أخرى أرض-جو، تصيب الطائرات، إضافة الى حصولها على طائرات دون طيار، وصواريخ بعيدة المدى من نوع «أس – 300» روسية الصنع، وهو ما أقلق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزراء فـي حكومته وقادة عسكريين، لمعرفة كيف تصل هذه الأسلحة النوعية والمتطورة الى «حزب الله»، حيث جرت مراجعة القيادة الروسية حول هذا الموضوع، وسأل نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك، وكان جوابه أن روسيا لا تتعامل مع «حزب الله»، فكان الرد الإسرائيلي أنه النظام السوري الذي يقدم الأسلحة، ومنها قاذف «كورنيت» المضاد للدبابات الذي إصطاد فـي حرب تموز دبابات «الميركافا» الإسرائيلية من الجيل الرابع، فدمّرها وأسقط من قيمتها العسكرية وأوقف بيعها فـي أسواق السلاح العالمية.
فإسرائيل باتت تخشى قوة «حزب الله» ليست الدفاعية فقط بل الهجومية أيضاً، وهو ما يترك قادتها يفكرون ألف مرة فـي فتح جبهة عسكرية مع لبنان، إذ ستكون وبالاً عليهم، لأنها ستكون طويلة وتستنزف الدولة العبرية كما فـي حرب تموز 2006، وستكلفها غالياً فـي الأرواح والممتلكات، وسيكون رد إسرائيلي على المقاومة التي أعلنت إسرائيل أنها ستتعامل معها ولبنان ككيان سياسي واحد يهاجمها، ولن تفصل بين الحكومة والمقاومة أو الجيش اللبناني والمقاومة، وستعتبرهم فـي موقع العدو الواحد، وستهاجم قواتها لاسيما الطيران الحربي أهدافاً للبنية التحتية فـي كل لبنان كجزء من المعركة الشاملة، وهي لم توفر فـي عدوانها 2006، أي مرفق حيوي سواء المطار أو المرفأ والجسور والطرقات ومصانع إنتاج الكهرباء والمياه، ووسّعت عدوانها فـي أيامه الـ33، بقصف أهداف مدنية من أبنية ومنازل، الى مؤسسات تربوية وصحية، وكانت الضاحية الجنوبية أحد أرصدتها فـي بنك أهدافها بقصفها الدائم والمتكرر، بعد مدن وبلدات فـي الجنوب والبقاع، وحيّدت العاصمة بيروت، التي حذّر السيد نصرالله بأنها وإن حاولت قصفها فسيكون الرد بقصف تل أبيب، فارتدعت إسرائيل التي باتت تحت مرمى صواريخ المقاومة، والتي يمكن أن تصل الى كل مكان بداخلها، حتى النقب فـي الجنوب.
فـي المرصاد
هي المرة الأولى التي تشعر إسرائيل أن قوة من بضعة آلاف من الرجال، باتت تشكّل قوة توازن ورعب وردع بوجهها، وهو ما لم تعرفه فـي كل حروبها مع الأنظمة العربية، منذ العام 1948، سوى فـي حرب تشرين 1973، حيث شعرت الدولة العبرية، بأن الميزان العسكري ليس لصالحها مع ما أحرزه الجيشان المصري والسوري فـي سيناء والسويس وخط بارليف والجولان.
فكما تتحضّر إسرائيل وتخطط للحرب الرابعة على لبنان بتدريباتها ومناوراتها العسكرية، فإن المقاومة ليست غائبة أو نائمة عن ما قد تقدم عليه دولة العدو التي ظنّت أن الحرب فـي سوريا، ستمنعها أن تكون القناة الإيرانية لتدفق السلاح الإيراني الى المقاومة، وهو الهدف من الحرب التي فُتحت على سوريا ونظامها، وإخراجها من محور المقاومة وإضعافها، وهذا ما أكّد عليه مؤتمر «الأمن القومي» فـي إسرائيل، إذ أشار على أنه «ينبغي على إسرائيل إضعاف جهات المحور الراديكالي قدر الإمكان فـي سوريا المستقبلية وإبعادها قدر الإمكان عن الجولان، إذا تمّ تقسيم سوريا، فإن الجهات السورية التي يمكن لإسرائيل أن تتعاون معها هي التنظيمات السنّيّة المعتدلة، والدول الداعمة لها».
وهذا التوجه الإسرائيلي يكشف عن سبب الحرب التي شنت على سوريا، ويجري تدميرها وإضعافها، لأن رئيسها بشار الأسد أبلغ وزير الخارجية الأميركية كولن باول فـي أيار عام 2003 عندما قدم له لائحة المطالب الأميركية – الإسرائيلية، وهي بفك إرتباط سوريا بالمقاومة فـي لبنان وفلسطين، وإغلاق مكاتبها فـي سوريا، ووقف التعامل مع إيران كداعم للمقاومة، فكان ردّ الرئيس الأسد، أن سوريا لن تترك موقعها المقاوم، ولن تتخلى عن ثوابتها القومية، ولن تتنازل عن الحق الوطني والقومي.
كان هذا الجواب، هو بدء الحرب على سوريا، بعد الإجتياج الأميركي للعراق وإسقاط دولته ونظامه وجيشه، ووضع خريطة تقسيمه، وكان لبنان هو بوابة هذه الحرب على سوريا والمقاومة، من خلال قرار مجلس الأمن الرقم 1559، الذي صدر فـي 2 أيلول 2004، بتفاهم أميركي-فرنسي بين الرئيسين جورج بوش الإبن وجاك شيراك، وحصل إغتيال الرئيس رفـيق الحريري، لإخراج سوريا من لبنان بإنسحاب قواتها ورعايتها للملف اللبناني، وهذا ما جرى، بإسقاط النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك بسجن الضباط الأربعة: جميل السيد وعلي الحاج وريمون عازار ومصطفى حمدان بذريعة أنهم خططوا مع ضباط سوريين وبعلم الرئيس الأسد لإغتيال الحريري، لكن هذه المزاعم سقطت بإنكشاف شهود الزور الذين فبركهم «تيار المستقبل»، وخرج الضباط الأربعة أبرياء بعد توقيفهم أربع سنوات، وكانت حرب تموز 2006 مستهدفة المقاومة، التي تنظر الى ما يخطط فـي إسرائيل الى حرب رابعة على لبنان بكثير من الإهتمام والمتابعة.
Leave a Reply