فـي مجتمعنا العربي الأميركي فـي منطقة مترو ديترويت لم يعد من الممكن التغاضي عن مشكلة إدمان تعاطي المخدرات والمهدئات لدى أجيال الشباب واليافعين، ولمواجهة هذه الآفة لا بد أولاً من الاعتراف بوجودها وتفشيها إلى الحد الذي يجب أن يدق معه ناقوس الخطر لدى الآباء والأمهات المهتمين بصحة ومستقبل أبنائهم.
الإدمان مرض، والمرض ليس عيباً، ولكن العيب يكمن فـي إخفاء المرض والسماح له بتدمير المريض.
نفهم أن للموضوع حساسياته الاجتماعية والأخلاقية، ولكن لا بديل عن الاعتراف بوجود هذه الآفة، كخطوة أولى وضرورية قبل المباشرة بالبحث عن حلول.
بوابة الإدمان على المخدرات بالنسبة للكثيرين من أبناء الجالية كانت الحبوب المخدرة والمهدئة التي يوصفها الأطباء للمرضى للتغلب على أوجاعهم، والتي تدفع متناوليها الى الإدمان على أنواع خطيرة من المخدرات مثل الهيروين، وصولاً الى وفاة بعضهم جراء جرعات زائدة.
وتعتبر «المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها» (سي دي سي) أن إفراط الأطباء بوصف هذه الحبوب المخدرة يعد بمثابة وباء، وهو ما أكده الطبيب سام فواز لـ«صدى الوطن»، مشيرا إلى انتشار واستفحال هذا «الوباء» فـي مجتمع جاليتنا بشكل مثير للقلق.
إن انعدام الرقابة واتساع الفجوة الثقافـية بين الأجيال (خاصة بين الوالدين وأبنائهم) يجعل من السهل على الشباب والشابات أن ينخرطوا فـي بعض مظاهر الانحراف التي تنتهي فـي حالات كثيرة بالسقوط فـي هاوية الإدمان، كما أن خشية البعض من الإفصاح عن أمراضهم النفسية وتفضيلهم تعاطي المهدئات لعلاج أنفسهم من القلق والاكتئاب، قد تؤدي إلى النتيجة نفسها.
كما أن بعض العوامل الاجتماعية، مثل «سمعة العائلة» تدفع الكثير من العائلات الى التستر على أفرادها الذين يتعاطون المخدرات بدل مواجهة المعضلة ومعالجتها.
إضافة الى ما سبق، تتعدد العوامل التي تجعل من مجتمع الجالية العربية الأميركية «بيئة خصبة» لانتشار الإدمان، ولكن ما لم يعد مقبولاً هو تغاضينا كمجتمع عن هذه المشكلة وإنكارها..
ورغم أن الإحصائيات تشير الى أن مجتمع العرب الأميركيين يشهد نسبة أقل من المدمنين مقارنة بباقي شرائح المجتمع حيث تشير بيانات «سي دي سي» الى أن سبعة آلاف أميركي يتم استقبالهم يومياً فـي غرف الطوارئ لمعالجتهم من آثار الجرعات الزائدة فـيما يلقى الآلاف مصرعهم سنوياً، إلا أن الخطر المتصاعد فـي جاليتنا لابد أن يدفعنا كمجتمع الى تحمل مسؤولياتنا للحد من هذه الآفة قبل استفحالها أكثر بين شباب الجالية ولاسيما أن هناك العديد من العوامل الدافعة بهذا الاتجاه.
ويشار الى أنه فـي الشهر الماضي، فقدت جاليتنا شابين عربين -على الأقل- فارقا الحياة جراء تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة.
من جهة أخرى، لا بد من التوعية المستمرة فـيما يخص الأدوية المهدئة وتأثيراتها المباشرة والجانبية، والمشكلة أن النشرات التوجيهية المرافقة لتلك الحبوب غالبا ما تكون فضفاضة، وخاصة لناحية الجرعات الموصى بها وأحيانا تكاد تكون غير معقولة، كما أن الأطباء يصرفون أدوية مهدئة للأوجاع بـ«كرم زائد» على أن يتم تعاطي حبة كل ستة ساعات، وهذا يعني أربع حبات يوميا، و120 حبة شهريا، وما من شك أن تعاطي هذه الحبوب التي تحتوي مشتقات الأفـيون بهذه الكميات ستسبب الإدمان.
وصحيح أنه ليس باستطاعتنا تغيير القواعد المعمول بها فـي مجال الطب والصيدلة، ولكن بإمكاننا أن نصنع فرقا فـي مجتمع جاليتنا، وعلى الأطباء أن يكونوا أكثر حذرا وانتباها عند تحرير وصفاتهم الطبية كما يجب عليهم إخبار المرضى حول مخاطر الحبوب المخدرة وكيفـية تعاطيها بسلامة مع ذكر الأخطار المحتملة، وينطبق هذا الأمر على الصيادلة الذين يصرفون تلك الوصفات الطبية، لأن المهمة الأساسية للعاملين فـي المجال الطبي هي حماية أرواح الناس وأجسادهم، ونحن بطبيعة الحال لا نتهمهم بالتقصير فـي هذه المسألة، ولكننا نحثهم على أن يكونوا أكثر حذرا واهتماما فـي هذا المضمار..
الأهل والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل والدراسة يمكن أن يلعبوا دورا إيجابيا فـي الحد من انتشار الإدمان، ذلك أن بإمكانهم ملاحظة بعض الإشارات التي تشير إلى إدمان أحدهم، ويمكنهم بالتالي المبادرة لإيجاد حل. فـي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن أكثر الآباء العرب يقضون معظم أوقاتهم وهم يلاحقون أرزاقهم ويسعون لتحسين حياة أبنائهم، وفـي كثير من الحالات يكبر الأبناء بعيدا عن رعاية الأبوين، ما يسهل انزلاق أبنائهم نحو ممارسات غير مقبولة، كما أن المنظمات العربية الأميركية يمكن أن تلعب أدورا إيجابية مماثلة، خاصة المراكز التعليمية والدينية، والنوادي والمؤسسات الاجتماعية.
كما أنه يجب التأكيد -عند فشل جميع المبادرات والاحتياطات- على أن الذهاب إلى مراكز العلاج من الإدمان ليس عارا، ويجب علينا كعرب أن نغير نظرتنا الاجتماعية-الثقافـية إلى هذا الموضوع، الذي مازال صعبا ومحرجا حتى الآن، لدرجة أن عائلة تفقد أحد أبنائها نتيجة جرعة زائدة من المخدرات ولكنها تتكتم على ذلك الأمر وتنفيه بشكل قاطع وتدفن رأسها فـي الرمال، وكأن المسألة تمسها فـي صميم شرفها، حتى أن صحيفتنا تلقت فـي بعض الحالات تهديدات لمجرد نشرها أخبار عن موت بعض الشباب بـ«ظروف غامضة».
يمكن لنا جميعا أن نساهم فـي إيجاد الحل لهذا الوباء العضال، عبر الاعتراف بوجوده أولاً.. أما المكابرة والإنكار فلن يفـيد أحداً بشيء.
Leave a Reply