سامر حجازي وعلي حرب – «صدى الوطن»
بداية هذا العام كانت حالكة السواد وصعبة للغاية بالنسبة للعديد من الأسر فـي الجالية العربية الأميركية بسبب حوادث الوفـيات المفاجئة لعدد من ابنائها البالغين والصغار. ففـي كل يوم كانت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تحمل أخباراً مؤسفة ومحزنة – عن وفاة شاب عربي بشكل غامض ليتبين لاحقاً أن سبِّب الوفاة يعود الى تناول جرعات زائدة من الحبوب المخدرة التي يوصفها الأطباء.
لكن المشكلة الاخطر هي أنْ الأسر كالعادة تتستر على الأسباب منعاً للإحراج بدل محاولة منع المشكلة من التفاقم .
الغالبية العظمى من أبناء الجالية يميلون إلى إظهار فـيض من التعازي والمواساة والدعم لأقارب وأهل المتوفـى. وغالباً مايقترح أفراد الجالية اقامة الصلوات على روح الميت وحفظ الخصوصية العائلية للأسر التي تكون فـي حالة حدَّاد على ابنائها، بدل ان يلقوا الضوء على أسباب وجذور المشكلة ووضع الأصبع على الجرح لوقف النزيف.. فهذا النمط من حالات الوفاة لم يعد سراً دفـيناً بل فتح أعين الكثيرين فـي جميع أنحاء مترو ديترويت على مدينة ديربورن التي حدثت فـيها بعض حالات الوفاة بسبب المخدرات «الشرعية».
«جميع هؤلاء الشبان وقعوا صرعى فـي مدينة ديربورن. ما الذي يحدث هناك؟» سأل احدهم على احدى وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالحقيقة من دون ذكر أي أسماء أو حوادث معينة ، يمكن لـ«صدى الوطن» التأكيد بأن العديد من هذه الوفـيات مرتبطة بالجرعات الزائدة من أدوية الوصفات الطبية التي يبدو انها تشرعن الإدمان والموت نيجة الافراط فـي تناول تلك الحبوب.
بعض هؤلاء الشباب كانوا يصارعون الإدمان لسنوات عديدة. وفـي بعض الحالات، كان أفراد العائلة والأصدقاء على علم بمعاناة الأبناء ولكنهم لم يحركوا ساكناً خشية «الفضيحة» فـيما يستمر المدمن فـي دوامة السقوط والضعف أمام المخدرات الى ما بعد فوات الأوان.
حملة توعية
غادة عبدالله، وهي صيدلانية فـي الجالية أصبحت مؤخراً أول امرأة عربية أميركية تُنتخب عضواً فـي مجلس نقابة صيادلة ميشيغن، أطلقت حملة توعوية جديدة بعنوان «إنهاء الصمت الآن»، لنشر الوعي حول سوء تعاطي العقاقير المخدرة فـي الجالية، وهي بصدد التعاون مع المنظمات المحلية والمستشفـيات والمساجد لإطلاق جهود منسقة لكسر المحظورات و«التابو» والدفع بالقضية الى واجهة الاهتمامات والأولويات للمجتمع المحلي.
وقالت عبدالله إن الكثيرين من شباب الجالية يكافحون الإدمان على عقاقير مثل «أديرال» و«نوركو»، و«أوكسيكودون» و«المورفـين» ومهدئات العضلات وشراب السعال و«زاناكس». والمعروف أن معظم هذه العقاقير تحتوي مشتقات الأفـيون التي تدفع الى الإدمان على مخدرات أشد خطورة مثل الهيروين.
وذكرت الصيدلية ان وصمة العار فـي معالجة هذه القضايا فـي الجالية العربية الأميركية تدفع الأفراد أكثر نحو الادمان. وأضافت «داخل العائلات العربية الأميركية… لا يعرفون كيفـية التعامل مع المشكلة. لانها محرجة بالنسبة لهم».
واستشهدت عبدالله بمثال لعائلة كانت تعي إدمان ابنها لحبوب وصفة طبية. والمدمن لم يكن يعمل أو يذهب إلى المدرسة وينفق كل نقوده على المخدرات.
وأردفت «مع أن العائلة تعرف أنه ينفق كل أمواله على المخدرات لكنها لا تزال تؤمن له المأوى والطعام» وتابعت بالقول «لا أحد يقول هنا: أنا أساهم فـي الخطأ». الأسرة تفكر بالتالي «حرام. يجب علينا أن نساعده». لكن الأجدى «ألا نساهم فـي تشجيع هذه السلوكيات، لأننا نقوم عندها بتمكين الإدمان» بحسب عبدالله.
وأشارت عبدالله إلى أن نظرة العرب الأميركيين تجاه إدمان المخدرات، تشبه نظرة المجتمع الأميركي للقضية قبل خمسين سنة، و«ذلك بسبب الحواجز اللغوية والفروق الثقافـية بين الأبوين المهاجرين وأطفالهم المولودين فـي الولايات المتحدة».
وتابعت «هناك انفصام ثقافـي بين المهاجرين والمولودين هنا. فلدى حديثي الولادة مجموعة من القيم تختلف عن اهلهم وهذا يخلق فجوة بين الآباء وأبنائهم. واليوم لدينا منظور جديد عن الأشياء وهنا مربط الفرس وموضع الفصل».
ولطالما واجهت «صدى الوطن» فـي كثير من الأحيان ردود فعل عنيفة من قبل أفراد فـي الجالية كلما أبلغت عن وقوع حادثة وفاة بسبب جرعة زائدة من العقاقير المخدرة أو بسبب نشر تقرير عن مرض عقلي، باعتبار أن هذه القضايا هي أمور تخص الأسرة وحدها ويجب التعامل معها خلف الأبواب مغلقة، لا بالعلن.
وصرحت عبدالله ان حملة «إنهاء الصمت الآن» وُجدت لهذا السبب بالذات. وهناك جزء كبير من حملتها يركز على نقل الرسالة عبر المساجد لتوعية الآباء والأمهات حول التعامل مع الأبناء. واستطردت أن «سلسلة من الوفـيات التي وقعت فـي الآونة الأخيرة فـي ديربورن وديربورن هايتس متعلقة بالجرعات الزائدة.. وهذه دعوة لليقظة والتأمل».
معضلة الإدمان
«المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية» (سي دي سي) تصف الإدمان على المسكنات من خلال الوصفة الطبية بأنه وباء مستفحل فـي المجتمع الأميركي.
وأعلنت المراكز الفدرالية أنه «منذ عام ١٩٩٩ تضاعف حجم المسكنات التي يوصفها الأطباء فـي الولايات المتحدة أربعة أضعاف»، وأن الإفراط فـي تحرير الوصفات الطبية يؤدي إلى مزيد من الانتهاكات والمزيد من الوفـيات بسبب الجرعات الزائدة.
ووفقاً للمراكز يُعالج سبعة آلاف شخص يومياً فـي أقسام الطوارئ بأنحاء البلاد نتيجة تناولهم جرعات زائدة من المسكنات. «فتناول الكثير من الحبوب المخدرة يعيق تنفس الشخص مما يؤدي إلى الوفاة».
وقال الطبيب سام فواز إن مستوى الإدمان يثير قلقاً متزايداً فـي الجالية العربية. «أعتقد فـي ديربورن هناك نسبة أعلى من تعاطي العقاقير مقارنة بالمناطق المحيطة بها».
وأنحى فواز باللائمة على انعدام الرقابة الحكومية والفدرالية على العقاقير المسببة للإدمان ودعا الأطباء والصيادلة ليكونوا «حذرين» عند وصف هذا النوع من العقاقير.
«هناك علامات خطر يتم التغاضي عنها» أكد فواز، من دون توجيه انتقاد صريح لأطباء الجالية. ولكنه لفت الى أن «بعض المرضى يحصلون على وصفات طبية تصل إلى ١٢٠ حبة شهرياً».
ووفقا لفواز، فإنه من الصعب أن يأخذ المريض هذه الكمية من الحبوب فـي شهر واحد ما يعني أن بعض هذه الحبوب «تباع أو تُستهلك للأغراض الترفـيهية» من قبل آخرين. ومضى يقول «إن وجود مراكز العلاج وإعادة التأهيل ليس كافـياً إذا لم يسعَ المريض لطلب المساعدة. وأفراد الجالية فـي كثير من الأحيان يضعون مشاكل المخدرات تحت البساط من أجل تجنب العار المرتبط بهذه القضية».
وأفاد بأن «الأسر بحاجة إلى مجابهة المشكلة وجهاً لوجه، وان تتحلى بالشجاعة وتحدد المشكلة وتوفر المساعدة التي يحتاجها الأبناء».
قبل فوات الأوان
منى مكي، مديرة قسم الأبحاث وصحة المجتمع فـي «أكسس»، أكدت أن هناك «مشكلة كبيرة» ناجمة عن سوء استخدام العقاقير فـي الجالية. كذلك فإنَّ وصمة الإدمان ونقص التوجيه حول الاستخدام المفرط للأدوية الأفـيونية يساهم فـي تفاقم هذه القضية. وأعتقد ان واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه المدمن هي خوفه من أن يحكم عليه مسبقاً بعدم تقبله فـي المجتمع وتعرضه للتمييز». وتنصح مكي أقارب المدمنين بالحصول على مساعدة فـي أسرع وقت ممكن. وأضافت «أن نكران المشكلة يمكن أن يؤدي الى الموت المحتم. وكلما أسرع المدمن فـي تلقي العلاج كلما زاد تحسنه الصحي بدل مجرد الانتظار الذي قد تكون له عواقب وخيمة تهدد الحياة».
وكشفت مكي عن «وجود برنامج الوقاية من تعاطي المخدرات وبرامج الصحة النفسية فـي أكسس وظيفته معالجة الإدمان. وكل موظفـينا أكفاء ثقافـياً وثنائيو اللغة».
وأكدت مكي «أن المعلومات عن المرضى والزبائن تبقى طي الكتمان، وفقاً للمبادئ التوجيهية الفدرالية لدرجة ان مجرد الحديث العابر عن سجلات المرضى فـي الجالية من قبل أي من الموظفـين يمكن أن يكون سبباً لإنهاء خدماتهم».
وخلصت الى القول «هذا الشيء الوحيد الذي لا نتساهل به كمنظمة. إن أولئك الذين يسعون وراء المساعدة لا يجب ان يساورهم القلق إذا شوهدوا فـي «أكسس» لأن المركز لديه أكثر من ١٠٠ برنامج يقدم خدمات اجتماعية متعددة فـي مختلف المجالات.
Leave a Reply