لا يكاد يمر وقت من دون أن تكال الاتهامات لصحيفتنا، فعبر السنوات والعقود الثلاثة الماضية طالتنا شتى صنوف الاتهامات التي تصل إلى حد التناقض والفبركة.
عندما قرر الرئيس السابق جورج دبليو بوش غزو العراق عام 2003، وقفنا منذ اللحظة الأولى ضد الغزو، فاتهمنا البعض حينها بأننا ندعم نظام الرئيس الراحل صدام حسين ضد الشيعة العراقيين الذين كانوا يرزحون تحت ظلم حكمه.
وبعد أكثر من عقد من الزمن تكررت التهمة بمعاداة الشيعة مرة أخرى لأننا طالبنا فـي إحدى افتتاحيات الصحيفة بإعادة النظر بمظاهر إحياء المناسبات العاشورائية التي ترفع خلالها الرايات السوداء، الشديدة الشبه برايات تنظيم «داعش»، الأمر الذي -من جهة- يثير الالتباس عند بعض الأميركيين الذي يعتقدون بأن عرب منطقة مترو ديترويت يدعمون التنظيمات الإسلامية الراديكالية، ومن جهة أخرى يتم استغلاله من قبل بعض المتعصبين الأميركيين لتغذية سعير «الإسلاموفوبيا» فـي الولايات المتحدة.
وفـي الوقت نفسه، تنهال علينا الاتهامات بأننا صحيفة شيعية.. رافضية.. مجوسية.. بسبب دعمنا لخيار المقاومة والممانعة فـي منطقتنا العربية، مع الإشارة إلى دعمنا للمقاومة الفلسطينية وهي ليست شيعية بالمناسبة.
أما الصهاينة واليمينيون واليهود الداعمون لإسرائيل، فـيتهمون صحيفتنا بأنها «معادية للسامية» -هذه تهمة لا جعلها الله فـي ديار أحد- بسبب تمسكنا بحقوق الشعب الفلسطيني فـي كفاحه الملحمي المستمر للتحرّر من دولة الاحتلال الاستيطانية.
أما آخر نغمة فـي بازار الاتهامات المجانية، فهي ترويج البعض بأن «صدى الوطن» هي صحيفة معادية للمسيحيين والكلدان تحديداً، حيث يروج البعض إشاعات فـي أوساط الجالية، بأن «صدى الوطن» قامت بازدراء المطران الكلداني فرنسيس قلابات، وما هو دفع بالبعض إلى مطالبة موزعي الصحيفة بعدم توزيعها فـي موقعين على الأقل، فـيما يطالب موتورون بمقاطعة «صدى الوطن» (!).
ويهمنا فـي هذه الحالة أن نوضح أننا لم نقم بتوجيه أية إهانة، أو حتى انتقاد، للمطران قلابات عندما نشرنا فـي كانون الثاني (يناير) الماضي تقريرا حول شهادته أمام لجنة تابعة للكونغرس الأميركي، وقد اقترح خلالها إعطاء الأولوية للاجئين المسيحيين من سوريا والعراق على حساب أتباع باقي الديانات لأن المسلمين يمكن إعادة توطينهم فـي البلدان العربية، مع العلم أن صحيفة «ديترويت نيوز» ووسائل إعلامية أخرى قد نشرت التقرير ذاته.
لقد زعم أحد القراء بأن عنوان التقرير الذي تضمن ذكر إسم عائلة المطران دون الإشارة إلى لقبه الروحي هو إهانة، وقد بادر ذلك القارئ إلى الاتصال بنا هاتفـياً مبدياً اعتراضه وامتعاضه، وعندما قمنا بشرح الأسباب التقنية وراء صياغة العناوين فـي صحيفتنا (كما هو الحال فـي الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى، وهو أمر يعرفه ويتفهمه من يعمل فـي الصحافة) أبدى المتصل تفهما كاملا وشكرنا على التوضيح، خاصة وأن الأسلوب فـي صياغة العناوين يقتضي -لضرورات تقنية بحتة- الاكتفاء بإسم عائلة الشخص الذي نتحدث عنه، بغض النظر عما إذا كان رئيس دولة أو ملكا، أو رجل دين إسلاميا أم مسيحيا أم يهوديا كان، أو زعيما أو قائدا أو ناشطا أو طبيبا.. ألخ، فذكر اللقب لمرة واحدة فـي التقرير يعد كافياً.
هذه الحادثة على بساطتها، فـي غاية الأهمية، فهي تثبت لمرة جديدة أن الحوار هو أفضل وسيلة لفض الاشتباكات وسوء التفاهم.
وفـي هذا السياق، يهمنا التأكيد أننا فـي «صدى الوطن» لسنا معادين للكلدانيين، ولا المسيحيين، ولا لأي مجموعة دينية أو إثنية كانت، وذلك انسجاما مع خطنا العروبي الشامل والتزامنا بالمبادئ العلمانية التي التزمتها صحيفتنا منذ بداياتها الأولى، قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، نشرنا مئات الأخبار والتقارير التي تتحدث عن محنة المسيحيين فـي الشرق الأوسط، وكذلك محنة الأقليات الأخرى، التي يهددها صعود التطرف الديني والمذهبي فـي منطقة الشرق الأوسط، ولسنا نذيع سرا حين نقول إن نضالنا يلتقي مع نضال تلك الأقليات من أجل الحرية والكرامة، وحماية الشعوب والأوطان العربية من الأخطار الإرهابية والتكفـيرية التي تتهددها، إضافة الى المصير المشترك الذي نواجهه فـي بلاد العم سام.
ليس فـي خطتنا الإعلامية، أو السياسية، أن نكون معادين لأي كان، فمهمتنا فـي المقام الأول هي إعلامية وإخبارية، وبالطبع من دون التفريط بحقوق الجاليات العربية والإسلامية فـي الولايات المتحدة التي تواجه تحديات خطيرة باتت لا تخفى على أحد، وننتظر من المسيحيين العرب والأقليات الأخرى القادمة من العالمين العربي والإسلامي أن تناصر قضايا أشقائهم فـي الأوطان التي جاؤوا منها، لأن «غياب العدالة» بحسب زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ، فـي مكان ما، يعني غياب العدالة فـي كل مكان. ولكننا نحتفظ بحق إبداء رأينا في أي قضية عامة تهم الناس، ونرحب فـي الوقت ذاته بالآراء المعارضة لآرائنا والآراء الأخرى، وذلك إيماناً منا بالرأي والرأي الآخر.
هنالك حكاية تراثية تقول إن رجلا وابنه أرادا النزول إلى المدينة وكانا يركبان حمارا، وبينما هما فـي الطريق كانا يسمعان كلام المارة: ما أقسى هذين الشخصين.. يركبان حمارا مرهقاً! فقرر الأب أن يترجل تاركا ابنه فوق الحمار، فجعل الناس يتهامسون: ما أقل حياء هذا الولد.. يركب الحمار ويترك أباه يمشي. فلما سمعا ذلك قررا تغيير الخطة، فركب الوالد ومشى الولد، وما إن ابتعدا قليلا حتى بدأ الناس يعلقون: ما أقسى هذا الأب.. يركب الحمار ويترك ولده الصغير يمشي. وتتغير الخطة للمرة الثالثة حين يقرر الأب وابنه المشي ليريحا الحمار، فـيبدأ الناس بإطلاق التعليقات الساخرة: ما أغبى هذين الشخصين.. يتعبان نفسيهما بالمشي ويجران الحمار. فاحتار الأب حتى أدرك أنه من المحال إرضاء الجميع..
إذن «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، ونحن نواصل السير ماضين على النهج الذي التزمنا به منذ البداية، بالانتصار للحقيقة ولحقوق شعوبنا العربية، فـي المهاجر وفـي الأوطان. هذه هي بوصلتنا التي لن نحيد عنها مهما ارتفعت حدة الاتهامات ومحاولات تشويه السمعة.
Leave a Reply