ديترويت - فـي إطار مبادرة وطنية لإحصاء المشردين فـي أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، قام متطوعون فـي مدينة ديترويت بجهود ميدانية ليوم واحد فقط بهدف عدّ المشردين الذين يقطنون المدينة وإقناعهم بالاحتماء بدور رعاية المشردين لاسيما فـي أيام الشتاء القارس.
البعض منهم يقضي الليلة بطولها سيراِ على الأقدام يحمل متاعه فـي كيس على الظهر فـي إنتظار الفجر ووجبة طعام ساخنة، بينما يلجأ آخرون ليلاً للنوم على أدراج الكنائس أو بجوار مبان مقفلة يحتمون ببطانيات قديمة أو قطع سجاد أو ورق مقوى.. بعضهم الآخر يحتمي بالمباني المهجورة عندما يشتد البرد ليلاً.
ستايسي براكينز من جمعية «ديترويت سنترال سيتي» التي تقوم بإحصاء المشردين فـي المدينة تقول إن «البعض منهم لا يرغبون بالدخول .. فقط يريدون الحرية».
وجابت ستايسي مع اثنين من مساعديها شوارع منطقة «ميدتاون» ليل الأربعاء وصباح الخميس الباكر الماضيين فـي سيارة «مينفان» محملة بكفوف وقبعات وأكياس نوم وساندويشات ومستلزمات النظافة. والهدف تعداد المشردين فـي المنطقة من خلال تسليمهم الهدايا ومحاولة إقناعهم بقبول المأوى.
وجال المئات من المتطوعين شوارع مترو ديترويت لمساعدة المشردين فـي مقاطعات وين وماكومب وأوكلاند إضافة الى عشرات الآلاف من المتطوعين فـي أنحاء أميركا. جميع هؤلاء شاركوا فـي ليلة تعداد المشردين التي تجرى سنويا فـي مثل هذا الجو شديد البرودة حيث يكون معظم المشردين فـي دور الرعاية فـيما يفضل بعضهم الآخر البقاء فـي العراء.
وتعبر مشكلة المشردين فـي ديترويت مقبولة مقارنة بباقي المدن الأميركية الكبرى، ويعود سبب ذلك الى برودة الطقس شتاء فـي حين أن شوارع مدن مثل سان فرانسيسكو ولوس أنجليس ونيويورك تكتظ بالمشردين على مدار السنة.
مشاهدات
فجأة تصيح إختصاصية التوعية راشيل موندوس من داخل «المينيفان» وهي تشير لرجل مسدول الشعر ومفتول العضلات «هذا بنجامين». تقول إنه تعرفه لأنه كان نزيلاً سابقاً فـي مأوى الجمعية التي تعمل بها قبل أن يقرر العودة الى الشارع ككثيرين غيره.
بنيامين تشيمب كان يرتجف من البرد فـي تلك الليلة العاصفة من كانون الثاني (يناير)، أعطته براكينز قبعة وضعها على رأسه فورا وما لبث أن دخل السيارة طلباً للدفء مبدياً رغبته بقضاء الليلة فـي مأوى إحدى الكنائس، وما هي الا دقائق حتى يصل تشيمب الى مقصده مودعا الثلاثي براكينز، ميندوس، ورونا أونسود الذين إنطلقوا بسيارتهم بحثاً عن المزيد من المشردين، برفقة مراسل صحيفة «ديترويت نيوز». عدد من الرجال كانوا يسيرون فـي البرد، نودي لهم وعرضت عليهم القبعات والقفازات وأشياء أخرى مقابل الإجابة على بعض الأسئلة، لكنهم لم يتجاوبوا مع المتطوعين حيث أعربوا عن خشيتهم من أن يكونوا من الشرطة و«يريدون توريطهم بشيء ما».
لكن الوضع كان مختلفا عند زاوية شارع كانفـيلد بالقرب من مصنع «شينولا» حيث كان هناك رجلان وما أن نادتهما ميندوس حتى إقتربا من «المينيفان» على الفور، حيث قال الرجل الطويل «سآخذ بعض القفازات، إسمي جو كلانا»، وقال صديقه مبتسماً «إسمي جو أيضاً.. كلانا اسمه جو» قالها وهو ينظر لرفـيقه ويبتسم، وكان وجهه نصف مغطى بمنديل. أخذ الرجلان الهدايا لكنهما رفضا المأوى. ويلجأ العديد من المشردين للنوم والاحتماء بأدراج الكنائس. تقول براكينز «أعتقد أنهم يشعرون بأمان أكثر عند الكنائس»، لكن المتطوعين لم يجدوا مشردين فـي محيط إحدى الكنائس الكبيرة، لكن شرطياً رافقهم الى كنيسة سانت بول على شارع وودورد، حيث تم العثور على مشرد نائم داخل كيس. سلط عليه الشرطي الضوء الكاشف وسأله ما إذا كان يريد مأوى هذه الليلة..
وقال الشرطي لنا: لو ذهبتم الى حي «غريك تاون» ستجدون أربعة أو خمسة مشردين وأحدهم معه صبي عمره 12 عاماً، جميعهم يتسولون وفـي كل مرة نحاول نقل الطفل الى دار للرعاية نجده مختفـيا عن الأنظار.
ومع حلول منتصف الليل، وقبل ساعتين من الانتهاء من الجولة الميدانية السنوية، أحصى المتطوعون 10 مشردين من الرجال (لا نساء ولا محاربين قدامى) فـي شوارع ديترويت.
فـي الليلة ذاتها، الى الشمال من شارع الميل الثامن، كان عدد من المتطوعين يجوبون مقاطعتي أوكلاند وماكومب بحثاً عن المشردين فـي مراكز الإيواء وداخل السيارات بالقرب من المحلات المفتوحة ليلا وفـي الشوارع, والبعض يختبىء فـي المقابر.
2748 مشرداً فـي ديترويت
ومع أن القوانين الفدرالية تتطلب هذا النوع من الإحصاء مرة كل سنتين إلا أنهم فـي ديترويت ومقاطعة أوكلاند يجرونه مرة سنوياً وعادة ما يتم نشر البيانات الإحصائية فـي نيسان (أبريل) حيث بلغ عدد المشردين فـي ديترويت السنة الماضية 2748 جميعهم فـي مراكز للإيواء باستثناء 151 يبيتون فـي الشوارع، بحسب تاشا غراي وهي مديرة «شبكة العمل للمشردين فـي ديترويت» والتي قالت بأن الهدف منذ السنة الماضية خفض هذا العدد بنسبة 15 بالمئة (400) مؤكدة أنه فـي حال التوصل الى هذه النتيجة يكون الفضل راجعاً فـي جزء منه لإدارة الرئيس باراك أوباما التي سعت لخفض عدد المشردين فـي أميركا والاهتمام بالمحاربين القدامى، وكذلك لبلدية ديترويت التي شغلت فريقين إضافـيين لإحصاء المشردين وحثهم على تلقي الرعاية الصحية العقلية وتلقي المشورة للإقلاع عن المخدرات والإستفادة من برامج الإسكان.
وبادرت بلدية ديترويت السنة الماضية لتوزيع الخيام على المشردين على شارع جيفرسون فـي محاولة من رئيس البلدية مايك داغن خفض أعداد المتسولين فـي محيط وسط المدينة.
وقال بول تورو وهو أستاذ علم النفس فـي جامعة «وين ستايت» والذي أمضى 30 عاماً فـي إجراء البحوث على ظاهرة التشرد فـي أميركا، قال بأن الجهود المبذولة لإيواء المحاربين القدامى مستمرة فـي تحقيق الهدف، مؤكداً أن الحل يكمن فـي توفر الإرادة السياسية وتوفر المال، وبالتالي يمكن حل مشكلة المشردين جميعاً بتوفر هذين العنصرين.
Leave a Reply