خليل إسماعيل رمَّال
استحدثت الإمارات مؤخراً وزارة للسعادة مهمتها تنفـيذ البرامج الحكومية لتحقيق سعادة المواطنين. وهذه الوزارة غريبة وطارئة على مجتمعاتنا العربية المصابة بعُقَد الانفصام والازدواجية والاكتئاب المزمن بسبب أنظمتها الديكتاتورية الرعناء ولو أنَّ الأخيرة ادَّعتْ غير ذلك بحكم امتلاكها لضمائر الإعلاميين والكتَّاب المرتزقة. فحتى أرقى وأعرق الدول المتحضرة والديمقراطية فـي العالم، التي تؤمِّن لابنائها كل مستلزمات السعادة والحرية والكرامة الانسانية، لم تفكِّر بهكذا وزارة فكيف بالدول المتخلِّفة عن ركب العصر سنين ضوئية والتي لا تلتفت إلى شعوبها التي لا تزال تشرب بول البعير أو تسكن المقابر وتغرق بالماء كلما أمطرت السماء وتموت على أعتاب المستشفـيات بسبب الحاجة رغم العوائد المالية الهائلة التي يسرقها الحكَّام الطُّغَاة وأذنابهم من الطبقة المنتفعة. ولكن رغم أسبقية الإمارات بإنشاء وزارة السعادة إلا ان الفكرة وردت فـي الإعلان الأميركي لحقوق الانسان الذي نصَّ على حق الأفراد فـي نيل الحرية والسعي للحصول على السعادة.
غير أنَّ بلداً واحداً سبق الإمارات وأميركا بل كل دول أوروبا المتحضرة منذ زمن بعيد وبالتحديد منذ ٣١ آب ١٩٢٠، فـي خلق السعادة والطمأنينة لا لشعبه.. ولكن لحكامه. هذا البلد هو «اللبنان» الذي أعلنه الجنرال الفرنسي الغاصب غورو وطناً جهيضاً بعد أنْ جمعه كدمية من كل وادٍ جغرافـي عصا ليكون وطناً قومياً عنصرياً يحاكي الوطن الصهيوني المجرم الذي كان قيد الإنشاء فـي فلسطين العربية. بلد الصفة المشبَّهة جمع خردوات وزبالة الأمم ولم يؤسس وزارة سعادة لكنه أسس دولة سعيدة وبرلماناً أسعد لطبقة الأربعة بالمئة فقط التي تحكَّمَتْ به منذ الإعلان المشؤوم. ولعل أصدق مثال على السعادة اللبنانية الذكية هو مجلس النوائب الذي مدَّد لنفسه بشكل غير مشروع ويمرر الوقت ويهدره بلا طائل رغم مرور سنتين على الفراغ الرئاسي من دون الاقتراع لرئيس جديد، منتظراً الإملاءات والأوامر من الخارج لانه غير معتاد على الحرية واستقلالية الرأي رغم «ثورة اليقطين» المستقلة المجيدة. وهكذا انفضت كالمعتاد الجلسة رقم ٣٥ المخصصة لانتخاب الرئيس من دون نتيجة حيث اقتصر جهد النوائب، الذين رواتب كل منهم ١٢٠ ألف دولار بالسنة، على حضور الجلسة كرفع عتب وشربوا القهوة ومزحوا معاً وضحكوا كثيراً ولم ينتخبوا ثم ذهبوا لبيوتهم وإمبراطورياتهم المالية! فـي بلاد العالم يرمي الشعب المقصرين من النوَّاب فـي كومة الزبالة ويُرش الرئيس الفرنسي بالطحين، أما فـي لبنان حتى النفايات النووية لا تزحزحهم!
هل هناك أكثر من هكذا سعادة؟ أنْ يقبض النائب والوزير على ظهر الشعب راتبه الدسم من خزينة دولة سعيدة فـي إفلاسها لأنها لم تعرف الموازنة منذ ١١ سنة، ثم لا يقوم هذا النائب أو الوزير أو المسؤول مطلقاً بأي واجب أو وظيفة كتزفـيت شارع أو تحقيق سلسلة الرتب والرواتب، بل القيام بالبديهيات كإزالة النفايات من الطرقات التي لم نرَ مثالاً لها حتى فـي أسوأ سنين الحرب الأهلية المظلِمَة. وعلى رأي الفنان «الرزين» زياد الرحباني الذي وصف هذه الجمهورية بأحقر النعوت ومن الزنار ونازل، لأنه لا توجد دولة فـي القرن الحالي تنقطع فـيها الكهرباء فـي حالة السلم مثل لبنان، قاطعةً كل مرة أرزاق النَّاس وأعصابهم وحياتهم الطبيعية.
وشعار السعادة تجده كشعار أجوف فارغ مثل شبه الكيان فـي مبادىء كافة «الأحزاب» اللبنانية، التي هي عبارة عن سلالات عائلية، وبالأخص الحزب التقدمي الاشتراكي صاحب شعار «وطنٌ حر وشعبٌ سعيد»، بزعامة البيك الاشتراكي الإقطاعي الرأسمالي المذهبي وحش المال وليد جنبلاط الذي يدير البلد وكتلته النيابية فـي «مجلس السعادة» كما يدير صفقاته وسمسراته وسرقاته لأموال المهجرين وأجراس الكنائس وغيرهم ولا يخاف فـي البلد السايب لومة لائم بل هو مكيِّف يغني على ليلاه ويتهكم ويضحك على النَّاس وساسة لبنان كل يوم. وآخر تقليعات جنبلاط التي ربَّما تحمل علامة الخرف التغريدة التي أطلقها على «تويتر» ودعا فـيها اللبنانيين إلى انتخاب هارون الرشيد رئيساً.
الملل والسأم قاتلان فـي لبنان بسبب الاكتفاء الذاتي وتحقيق كل الكماليات فلم يبق إلا المزاح للتخلُّص منهما، ولدى جنبلاط وباقي الحكَّام متسعٌ من الوقت ذلك لأنه لا يوجد خطر فعلي فـي لبنان من «الدواعش» فـي عرسال أو خلاياهم النائمة ولا المنطقة مقبلة على حروب وجبهات وجولات وأحلاف عسكرية ستصيب شراراتها لبنان، فلا بأس أنْ يتنازع الفرقاء فـي لبنان على موظف من الفئة الثالثة أو يتبادلوا الاتهامات على السوشال ميديا لأن البلد كسيبيريا مترامي الأطراف والفرقاء يسكنون فـي أبعد المناطق وأقصاها ولا يقدرون على الإجتماع داخل مجلس وزراء مُقفل لا يهمُّه إنْ مات الشعب أو عاش بدليل تفشي الفـيروس القاتل الجديد (H1N1) بعد حرق النفايات الخطير، وبدليل أنَّ الحكومة كانت تبحث جدياً أقتراح المهتم بمصالح الشعب فؤاد السنيورة برفع سعر صفـيحة البنزين ٥٠٠٠ ليرة للإمعان فـي إفقار الفقراء كما فعلت حكومته البتراء، ولكن كان الأجدى به أن يرد ١١ مليار دولار التي نهبها من الخزينة ويوقف راتبه مع النوائب ووحوش المال فـي دولة الزبالة إذا أراد فعلاً تمويل رواتب متطوعي الدفاع المدني والمعلمين وموظفـي الدولة! ليس هناك أكبر من كيف السنيورة وتياره فمحاسبته فات أوانها من قبل حراس النظام المحتضر الذي جاء وقت حرقه من أساسه لأنه بنى رأسماليته الوحشيَّة السعيدة على جماجم الفقراء والتعساء.
صفوة القول ان المجتمعات العربية غير مهيأة بعد لوزارة السعادة بل هي بحاجة أولاً لوزارة «الفقراء والمظلومين» فـي شبه الكيانات المصطنعة البغيضة المملوكة من عائلات ومن بينها لبنان المحكوم من القبائل الإقطاعية والسلالات الوراثية التي يتنعَّم أبناؤها ويسعدون فـي بلاد الغرب وهذا كافٍ لنا جميعاً، بالإضافة إلى انه فـي بلداننا العربية وخاصةً لبنان «ما فش شي بيبسط يا خيّي»!
Leave a Reply