علي حرب – «صدى الوطن»
رغم مرور عام كامل على «مجزرة تشابل هيل» بولاية نورث كارولاينا، إلا أن المجتمعين العربي والإسلامي فـي الولايات المتحدة مايزالان مصدومين جراء تلك الجريمة الوحشية التي اقتحم فـيها أميركي مهووس شقة الطالب السوري ضياء بركات ليرديه قتيلا مع زوجته الفلسطينية يسر وشقيقتها رزان أبو صالحة بطلقات نارية، على طريقة الإعدام.
الجريمة التي ترقى إلى مستوى «جريمة كراهية» هزت العرب والمسلمين الأميركيين وأثارت -وماتزال- مخاوفهم وهواجسهم على سلامة عائلاتهم وأحبائهم من أن يكونوا ضحية هجومات مماثلة يرتكبها أفراد مسعورين بخطاب الكراهية، فـي وقت تستعر فـيه نيران «الإسلاموفوبيا» بشكل غير مسبوق، تغذيها خطابات ومسلكيات إعلاميين وسياسيين بينهم مرشحون إلى سدة الحكم فـي البيت الأبيض.
وتثبت هذه الجريمة، لمرة جديدة، أن التخويف من الإسلام وإثارة النعرات العصبية ضد المسلمين هما مسألتان حقيقيتان وخطيرتان فـي آن، بحسب نشطاء حقوقيين رأوا فـي تغطية وسائل الإعلام الأميركية للجريمة استخفافا بحياة المسلمين الأميركيين، حيث عزت معظم وسائل الإعلام -مباشرة بعد حدوث الجريمة- دوافع القاتل إلى «غضبه بسبب خلاف مع جيرانه على مواقف السيارات» مستبعدة أن يكون لديه أية مشاعر أو مواقف عدائية على خلفـيات دينية رغم خطاب الكراهية الذي يبث ليلاً نهاراً ضد المسلمين فـي أميركا.
لا يريدون الانتقام
وقد أشاد المؤذن جميل السيد – وهو من سكان ميشيغن وقد رفع الأذان فـي خمسين ولاية ضمن حملة للتعريف بالإسلام التقى خلالها بأسرتي بركات وأبو صالحة- بطريقة تعاطي العائلتين المفجوعتين مع المأساة التراجيدية التي أودت بحياة أولادهم، وقال «إنهم لا يريدون الانتقام، ولا يريدون تسعير مشاعر الكراهية ضد جميع الأميركيين البيض أو المسيحيين، بل على العكس من ذلك لقد كابروا على جراحهم وسعوا من أجل استغلال الفرصة لإقامة جسور السلام بين جميع الأميركيين وإظهار الجوانب المشرقة من الإسلام».
وأثنى على موقف الأسرتين «اللتين وضعتا قيم الإسلام السمحة فوق مشاعرهم الشخصية» مشيرا إلى أن المجتمع الإسلامي فـي جميع أنحاء أميركا قد تضامن مع عائلتي الضحايا وأكبر تضحياتهما وعلوهما فوق الجراح فـي سبيل إظهار القيم الإسلامية الحقيقية وتثبيت المبادئ المدنية التي تعتبر المبادئ الأفضل خلال تعاملات الناس اليومية بين بعضهم البعض».
وفـي ديربورن، أعرب عضو مجلس بلدية المدينة مايك سرعيني عن تعاطفه مع أسرتي ضحايا جريمة تشابل هيل التي ترافقت حينها مع اعتداء عنصري على شخص مسلم فـي موقف للسيارات تابع لمتجر «كروغر» فـي ديربورن، وقال سرعيني: «لقد تأثرت مباشرة بتلك الحادثة لأنه لدي أولاد يدرسون فـي الجامعات تماما مثل الضحايا الثلاثة الذين كانوا طلابا جامعيين». وأضاف: «لقد عصفت تلك الجريمة ببيتي حقاً».
وسائل التواصل فضحت الإعلام
وكان لوسائل التواصل الاجتماعي الفضل الأكبر فـي إلقاء الضوء على جريمة تشابل هيل التي استقطبت اهتماماً وطنياً وعالمياً، حتى أن الرئيس باراك أوباما أشار إليها مرتين ضمن خطاباته التي تحدثت عن سبل معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا فـي الولايات المتحدة، مع الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية كانت قد تجاهلت تلك الجريمة فـي الساعات الأولى التي أعقبت حدوثها، إضافة إلى أنها استبعدت خلال تغطياتها اللاحقة احتمال أن تكون
دوافع الكراهية وراء الجريمة، وتحدثت بدلا عن ذلك عن دوافع ظرفـية دفعت القاتل التي يسكن فـي شقة مجاورة
لشقة الضحايا إلى إطلاق الرصاص عليهم، بسبب خلافات سابقة بين الجاني والضحايا حول سيارات ضيوف ضياء وزوجته.
وفـيما وضعت صحيفة «نيويورك تايمز» الجريمة النكراء تحت عنوان «اتهام شخص بمقتل ثلاثة قرب جامعة نورث كارولاينا»، كانت وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فـيسبوك» و«تويتر» تضجّ برسائل أكثر وضوحا وأكثر انسجاما مع طبيعة الجريمة وظروفها الجنائية، مثل وسم: «حياة المسلمين تهم» الذي استقطب مئات آلاف المتصفحين حول العالم، الذين أدانوا المجزرة ووصفوها بـ«جريمة كراهية واضحة».
وقال الناشط المسلم صفوان أحمد إن: «وسائل التواصل الاجتماعي قوّت من عزيمة الناس الذين أحبطتهم الجريمة»، وأضاف بالقول: «إن بعض المواقع، مثل «تويتر»، أتاح منافذ للتواصل بين جمهور وسائل الإعلام التقليدية وسمح لهم بنقد الأخبار التي تبثها»، مشدداً على أن وسائل الإعلام التقليدية فشلت بأداء واجبها فـي نقل الحقائق المتعلقة بجريمة تشابل هيل.
«التغطية كانت متأخرة وبطئية»، قال أحمد، وتابع «لقد كانت هناك حسابات لعائلة الضحايا وأقاربهم على مواقع التواصل الاجتماعي تتشارك لحظة بلحظة آخر الأخبار»، وعبّر عن مفاجأته من أداء وسائل الإعلام الرئيسية، قائلا: «لقد كنت غاضباً بسبب نقص التقارير.. لأن الإعلام السائد يتجاهل دائما القضايا التي تمس الأقليات». مؤكداً أنه فـي حال حدوث العكس، أي لو كان القاتل مسلما، فإن الإعلام «سيقلب الدنيا» وسوف يهاجم العقيدة الإسلامية.
جريمة طالتنا جميعاً
ومثل جميع العرب والمسلمين الأميركيين، شعر أحمد كما أن الجريمة تمسه شخصياً، ووصفها بأنها أيقظت جميع الناس الذين كانوا يسخرون من ظاهرة الإسلاموفوبيا ويدعون أن الحديث عنها مبالغ فـيه، مضيفا «أن الإسلاموفوبيا ليست مجرد كلمة وأنه يجب على الناس أن يأخذوها على محمل الجد».
أحمد، وهو الأكبر بين أخوته، يشعر بأنه يجب أن يلعب دور الحامي لعائلته التي يسهل التعرف على انتمائها الإسلامي، «فعائلتي تمارس الشعائر الإسلامية وجميع أخواتي يرتدين الحجاب وهذا يجعل من السهل التعرف إليهم كمسلمين»، بحسب قوله.
ودعا أحمد إلى تضامن المجتمعات من أجل التنديد بكل أشكال الكراهية والتعصب.
من ناحيتها، شاركت الناشطة الحقوقية ميرنا حيدر، من «الجمعية العربية الأميركية فـي نيويورك» فـي تنظيم فعالية لإحياء الذكرى السنوية الأولى، بالتعاون مع حملة «كافحوا الكراهية» (تايك أون هيت) و«جمعية المسلمين الأميركيين فـي نيويورك» و«طلاب من أجل العدالة فـي فلسطين«، وقالت: «فـي الذكرى السنوية الأولى على جريمة تشابل هيل أردنا أن نتآزر كمجتمع وليس فقط أن نتذكر الضحايا وإنما لكي نشفى جميعاً».
وعبرت حيدر، المهاجرة من لبنان، عن صدمتها من جريمة تشابل هيل، وأضافت: «بالنسبة لشخص فر من العنف، فقد كنت مثل شخص يحمل نفس هويتي وقد قتل بسببها فـي أرض الحرية».
ودعت الأميركيين أن يناهضوا خطاب الكراهية، فهذه المأساة التي عمرها سنة (جريمة تشابل هيل) توضح كم أن الكراهية يمكن أن تكون خطرة، كما دعت مروجي الإسلاموفوبيا الى «وقف صب الزيت فوق نيران الكراهية»، وقالت «توفقوا عن إساءة تنميطنا وفرزنا ومراقبتنا وإرهابنا».
وأشارت إلى العلاقة المباشرة بين الخطاب المعادي للمسلمين من قبل بعض السياسيين وجرائم الكراهية التي تستهدف المجتمع الإسلامي، وقالت: «الدليل على ذلك أنه عندما بدأ المرشح الرئاسي دونالد ترامب حملته الانتخابية، ازدادت بمقدار 400 بالمئة الحالات التي تلقيتها، والتي من المحتمل تصنيفها بوصفها جرائم كراهية».
وقال رئيس «طاولة ميشيغن المستديرة من أجل التنوع والشمول» ستيف سبريتزر إن محاربة «الإسلاموفوبيا» ومنع جرائم الكراهية تقع على عاتق جميع الأميركيين، مشيرا إلى «أن الصمت يشجع على البلطجة».
Leave a Reply