خليل إسماعيل رمَّال
كل إطلالة للسيِّد حسن نصرالله تتضمن تقديم مفاجآت من العيار الثقيل وتوجيه رسائل صاروخية استراتيجية تفهمها فقط تل أبيب ثم يأتي الرد عادةً من قبل أحد صِغار «١٤ آذار». ولكن فـي خطابه الأخير هذه المرَّة أطلق السيِّد قنبلة نووية كيميائية غير مسبوقة من حيث إثارة الرعب والهلع المزلزلين فـي إسرائيل ومن حيث رد العدو المباشر بنفسه لا عبر أذياله، خارقاً عادة الصمت المطبِق لتطمين مليون إسرائيلي يسكن فوق قنبلة موقوتة مؤلفة من ١٢ طناً من مادة الأمونيوم مخزَّنة فـي خليج حيفا. وقد وثبَّت السيِّد ركائز معادلة الردع مع كيان شرير لا يعرف إلا لغة القوة والبطش تتضمن الآتي: إيقاع كارثة بشرية وبيئية هائلة فـي حيفا مقابل ضرب الضاحية.
السيِّد نصر الله لم يتطرق إلى الوضع الداخلي ولم يرد على خطاب سعد الحريري فـي البيال رغم تهجمه على المقاومة من أجل شد عَصَب جمهوره المتضَعْضِع، ذلك لأنه يحترم الضيف الزائر فـي بلده الثاني عدا عن أن لدى السيِّد «سمكة أكبر ليقليها»، كما يقول المثل الأميركي، بالرغم من أنَّ الوضع فـي بلد الخردة لم يعد يُحتَمَل من حيث الفساد والفشل الذريع للنظام المسخ والحكومة الساقطة المشوَّهَة. فبلد عليه دين ٧٠ مليار دولار ناجمٌ بشكل رئيسي عن السياسات الحريرية والسنيورية، ومع هذا لا كهرباء ولا ماء فـيه -حتى زبالته لا تُرحَّل- ونظامه لا يعيش من دون وصاية… وسعد الحريري يريد العودة للسراي الحكومي! هل يوجد وطن ممسوخ أكثر من ذلك؟!
على الأقل، أيام ما سُمِّيَ بالوصاية السورية وأكثر أيام الحرب الأهلية سواداً لم يكن فـي الشوارع برميل زبالة واحد وكان الدولار يساوي خمس ليرات (يا بلاش). أمَّا اليوم فـي عهد الوصاية السعودية فقد سلَّموا الملف لزلمة جنبلاط أكرم شهيِّب بدلاً من محمد المشنوق وزير البيئة المُبْعَد، الذي يقبض راتبه ويغنّي على ليلاه. شهيِّب أرد أنْ يكحِّلها فعماها وها هي رائحة التزوير تفوح من الصفقة مع الشركة الروسية ربَّما بسبب السمسرات والسرقات والمحسوبيات لأن حاميها حراميها والدولة دولة لصوص بامتياز.
إنَّ وقت الحراك الشعبي هو الآن للقيام بتظاهرات وعصيان مدني على السلطة الغبية المقصِّرة لكنه، للأسف، فقد زخمه وحيويته وعافـيته بعد أنْ فشَّلَه النظام ووحوش السياسة وما يُسمَّى قادة الحراك الذين لم يكونوا على قدر العزم والمسؤولية ففوَّتوا فرصة تاريخية للتغيير قد لا تتكرر. لكن لا يجب أنْ يقتصر الحساب على هؤلاء، فالشعب يبدو قانعاً هامداً ساكتاً مسلِّماً أمره لغيره رغم الخراب من حوله! ولعل أصدق تعبير عن هذه الحال ما نُسِب للكاتب الروائي البريطاني جورج أورويل من كلام انتشر على «السوشال ميديا» حين قال «الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين و الخونة، لا يعتبر ضحية، بل شريكاً فـي الجريمة».
لكن «لا تندهي ما فـي حدا» فغداً أيها الشعب اللبناني عندما يحين موعد الانتخابات البلدية، إذا تمَّتْ المعجزة، انتبه لا تقترع إلا لنفس الوجوه الكالحة التي سبَّبَتْ الفساد والسرقات وانعدام الخدمات الانسانية، والتي تتبع الكتل النيابية ونفس السياسيين إياهم، ثم بعد ذلك قم بالتذمُّر من واقع الحال واشتم النوَّاب والوزراء ما شئت!
لنبقِ فـي المفـيد ولنعد إلى خطاب السيِّد نصرالله الذي يُعتَبَر فاصلاً من حيث تأكيده على الاستراتيجية التالية، لو تمعنَّا بين السطور:
١- أصبح التحالف علنياً بين إسرائيل وأدعياء حماة السُنَّة من تركيا ودول الخليج وآل سعود وكأن الشعب الفلسطيني من الخوارج، هذا التحالف يفضِّل التكفـيريين على الحكومة السورية وينوي القيام بغزو سوريا لتقسيمها بعد عجزه عن ازاحة الرئيس الأسد، وذلك بحجة محاربة بقايا «القاعدة» من «داعش» و«النصرة» بينما سلَّم إبن سعود عدن للتكفـيريين. ولكن لن تنفع محاولات هتلر أردوغان باتهام سوريا بانفجارات تقع كما فعل الفوهرر قبل اجتياح بولندا، بسبب الحزم الروسي وقرار بوتين بمعاقبة أنقرة بعد الغدر الذي قامت به كما أن موسكو لم تتدخل فـي سوريا بهذا الحجم لكي تخسر المعركة.
٢- طمأن السيد الحلف التركي السعودي أنَّ انهياره ومقتله سيكون فـي سوريا بسبب التحالف القوي بين محور المقاومة، فدخول سوريا سهل لكن الخروج منها لن يتم إلا بالتوابيت، كما علَّمنا التاريخ. وها هو الجيش العربي السوري يحرر مناطق هامة تمنع تقسيم سوريا وتقطع طريق الإمداد الإرهابي التركي وسريعاً سيحرِّر الرقّة. ثم أنَّ الحليف الإيراني فـي فترة ما بعد العقوبات بصدد الحصول على أسلحة متطورة جداً من روسيا وغيرها وهذه الأسلحة ستصل لسوريا والمقاومة فـي نهاية المطاف.
٣- عطفاً على التحليل السابق، خاطب السيِّد رأس الأفعى وزعيم عرب الردَّة الصهيوني لا أذنابه، من موقع قوة بأن يد المقاومة «طايلة» واستراتيجيتها فـي الحرب المقبلة ستؤدي لهزيمة مدوِّية للعدو بسبب امتلاكها للصواريخ الهجومية البعيدة المدى والسلاح المضاد للطائرات والقدرة على تحرير منطقة الجليل وغيرها من المستعمرات، وغير ذلك من المفاجآت ومن بينها مفاجاة مشاركة جبهة الجولان.
شتان ما بين «حرب الأمونيوم» والبلد السقيم!
Leave a Reply