نبيل هيثم – «صدى الوطن»
الهدنة السورية المفترضة.. والمؤقتة، والمعتبرة كمفتاح للحل فـي سوريا، معقّدة بقدر تعقيدات الحرب وجبهاتها المتشعبة والمشتعلة فـي شتى الاتجاهات.
ناشطون من منظمة «كود بينك» يحتجون على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أثناء شهادة وزير الخارجية جون كيري أمام الكونغرس الثلاثاء الماضي. (رويترز) |
فـي لحظة تفاهم دولي نادرة، اختار الخصمان اللدودان، الولايات المتحدة وروسيا، اعطاء فرصة جدية للحل السوري، تماشياً مع قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254، وبيان المجموعة الدولية لدعم سوريا (بيان فـيينا)، فـي خطوة من شأنها ان تزيل عقبات عدّة كانت تعترض مفاوضات التسوية السياسية، بمحطاتها المتعددة، وآخرها «جنيف 3».
لكن الاعلان الاميركي-الروسي المشترك بشأن وقف اطلاق النار ليس فـي الواقع سوى مغامرة مكبلة بقوة كبح متعددة المستويات، تجعلها مجرّد رهان مطارد باحتمالات الفشل، ومبادرة غير مضمونة النتائج.
ويبدو واضحاً أن تعقيدات الهدنة السورية المرتقبة تتجاوز ما تضمنه الاعلان الاميركي-الروسي من نقاط شائكة، تجعل سريان وقف الأعمال العدائية المحدد موعده عند الساعة ٠٠:٠٠ ( بتوقيت دمشق) من يوم 27 شباط 2016، موضع تشكيك، بشهادة رعاة الاتفاق انفسهم.
ولعل أبرز النقاط الشائكة فـي خطة الهدنة تكمن فـي ما تضمنه من تطبيق لــ«وقف الأعمال العدائية على أطراف الصراع السوري التي تعلن التزامها وقبولها بشروطه».
ومن أجل تطبيق وقف الأعمال العدائية بطريقة تعزز الإستقرار وتحمي الأطراف المشاركة فـيه، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة وروسيا العمل معاً لتبادل المعلومات ذات الصلة (مثل، البيانات المجمعة التي تحدد الأراضي التي تنشط فـيها المجموعات التي تعلن التزامها وقبولها بالهدنة، ومركز تنسيق لكل جانب بغية ضمان التواصل الفعال)، ووضع الإجراءات الضرورية لمنع تعرض الأطراف المشاركة فـي وقف اطلاق النار إلى هجوم من قبل القوات المسلحة الروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والقوات المسلحة التابعة للحكومة السورية والقوى الأخرى التي تدعمها، والأطراف الأخرى المشاركة فـي عملية وقف الأعمال القتالية.
ولعل مكمن العقد فـي هذه النقطة بالذات، يتعلق مباشرة بطبيعة القتال الدائر فـي سوريا منذ خمسة أعوام، وتعدد جبهات القتال، واكثر من ذلك، بتعدد الفصائل المسلحة التي تتجاوز الالف وخمسمئة فصيل، والتي كثير منها صار بلا مرجعية سياسية ولا حتى عسكرية.
ومن جهة ثانية، وكما جاء فـي البيان الروسي-الاميركي المشترك بشأن «وقف الاعمال العدائية»، فإنّ العمليات العسكرية، ومن ضمنها الضربات الجوية من قبل القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، والقوات المسلحة الروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ستستمر ضد تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» والمنظمات الإرهابية الأخرى التي يحددها مجلس الأمن.
هذه النقطة بالذات تمثل ثاني العقد الخاصة بخطة وقف اطلاق النار، والتي تفترض اولاً، صدور التقرير النهائي من قبل المجموعة الدولية بشأن الفصائل المسلحة «الإرهابية» وتلك «المعارضة»، وهي مسألة من الصعب ان تحسم بشكل واضح، فـي ظل التباين الكبير بين القوى الاقليمية والدولية بشأن تصنيف المجموعات المقاتلة فـي سوريا، ومدى قربها من «داعش» و«النصرة»، أو مدى ابتعادها عنهما.
واذا كانت هاتان النقطتان تمثلان أولى التعقيدات البديهية او المبدئية لاتفاق وقف اطلاق النار، فإن ثمة قضايا أكثر تعقيداً ستتضح يوماً بعد يوم، فـي حال سرى فعلاً وقف اطلاق النار فـي الموعد المحدد.
ولعل هذا الأمر، سيكون التحدي الاكبر لمجموعة عمل وقف إطلاق النار، التي تشترك فـي رئاستها الولايات المتحدة وروسيا، برعاية الأمم المتحدة، وتضم مسؤولين سياسيين وعسكريين من الرئيسين المشاركين والأعضاء الآخرين فـي مجموعة العمل، والتي سيتولى مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا فـيها مهمة السكرتارية العامة.
مهمات رئيسية
ومن المفـيد التذكير ان المجموعة المقترحة يفترض ان تضطلع بمهام أساسية هي:
أ- تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة «داعش» و«جبهة النصرة» وأي منظمات يعتبرها مجلس الأمن إرهابية.
ب- ضمان التواصل بين جميع الأطراف لتعزيز الامتثال ونزع فتيل التوترات على وجه السرعة.
ج- حل المزاعم المتعلقة بعدم الامتثال.
د- إحالة السلوك غير الممتثل على نحو مستمر من قبل أي من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية لدعم سوريا، أو من يعينهم الوزراء، لتحديد الإجراء المناسب، بما فـي ذلك استثناء هذه الأطراف من ترتيبات وقف الأعمال العدائية وما توفره لهم من حماية.
وثمة قناعة راسخة لدى كل الاطراف، ان المهمات الاربع المحددة لمجموعة العمل الدولية تبدو اقرب الى المعجزة، خصوصاً حين يكون الحديث عن جبهات متعددة الاشكال والانتماءات، وقد اختلط فـيها الحابل بالنابل على مدار سنوات الاقتتال الخمس.
وفـي حال تحقق كل ذلك، فإن الشروط المحددة لوقف الأعمال العدائية، تبقى الاختبار الحقيقي أمام النجاح الصعب للهدنة السورية، والقنبلة التي قد تعيد الأمور الى المربع الأول، بعد اشعال جبهات القتال من جديد، فـي حال حدث أي خرق للتفاهمات.
شروط صعبة
ولعل نظرة سريعة على كل من هذه الشروط تكفـي لتحديد صعوبة الالتزام بها من قبل اطراف الصراع السوري، واستحالة ديمومة هذه الاجراءات، المعرّضة حتماً للاختراق فـي اي لحظة، وفـي التاريخ القريب والبعيد نماذج عدّة للفشل. ومن أبرز تلك الشروط:
أ- ضرورة سريان وقف الأعمال العدائية على أي طرف مشترك حالياً فـي عمليات قتالية، عسكرية أو شبه عسكرية، ضد أية أطراف أخرى باستثناء «داعش» و«جبهة النصرة»، وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي.
ب- ضرورة اقرار المجموعات المسلحة للولايات المتحدة وروسيا بانها ملتزمة بوقف اطلاق النار فـي موعده المحدد.
ج- التنفـيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي تم اعتماده بالإجماع فـي 18 كانون الأول 2015، بما فـي ذلك الاستعداد للمشاركة فـي عملية المفاوضات السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة.
د- وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما فـي ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضد القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأي قوات مرتبطة بها.
هـ- التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار.
و- السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل فـي جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرتها العملياتية والسماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها.
والاهم من كل ما سبق، فإن اتفاق وقف اطلاق النار يتجاهل دور كل القوى الإقليمية، كتركيا والسعودية وقطر، ومسؤوليتها فـي وقف العمليات العدائية، حيث لم يشترط عملياً أي إغلاق للحدود التركية-السورية التي سيستمر تدفق السلاح والمسلحين عبرها إلى سوريا.
كذلك يعاني النص من تحرر أكثر من نصف الجماعات المسلحة من أي قيود تلزمها ببنوده، خصوصا «جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»، التي لم تحسم صراعاتها الداخلية بين مجلسها السياسي وعسكرها على الموقف من المسار السياسي، فضلاً عن جماعات كثيرة مثل «جند الأقصى»، و«جيش الإسلام» والتي تنازل الروس كما يبدو، عن تصنيفها إرهابية، فـي الوقت الحاضر، فـي صفقة، تنازل خلالها الأميركيون عن مطلبهم بتحييد «جبهة النصرة» بناءً على مطالب سعودية وتركية، وهو ما كان صعباً جداً لتصنيفها إرهابية بقرار أممي.
بارقة أمل
برغم كل هذه التعقيدات، فإن خطة وقف اطلاق النار، إن كتب لها النجاح، ستضع النقاط علي الحروف فـي المشهدين السياسي والعسكري لمستقبل المعارضة السورية الخارجية ورموزها. وتكمن أهمية خطة وقف الاعمال العدائية فـي انه سيكشف المجموعات الإجرامية المتطرفة، التي تقتل السوريين من كل مكوّنات المجتمع تحت شعارات متعددة أو فقط بهدف السلب والنهب والعبث بأمن المواطن، بحيث تحدث فرزاً ايجابياً على الساحة السورية، قد يبنى عليها مستقبلاً لتمرير الحل السياسي.
هي المحاولة الجدية الأولى، منذ خمسة أعوام، لوقف الأعمال العدائية فـي سوريا، وقد تبدأ فعلاً يوم السبت المقبل من دون كبير ثقة بنجاحها من الأطراف التي تقف وراءها… ومع ذلك، فإن السلام فـي سوريا لن يحصل بين ليلة وضحاها. وبرغم أن التفاهم الروسي الأميركي يجنح على الأقل فـي النص، إلى تغليب المسار السياسي، للمرة الأولى أيضاً فـي سوريا، على المسار العسكري، لكن المحاولة تعاني من المراهنة الخطرة على خريطة طريق معقدة وشاقة التنفـيذ ومبهمة، لا تزال تحتاج إلى الكثير من الإرادة السياسية من القوى الإقليمية أولاً، والآليات التطبيقية لكي يمكن الحديث عن اتفاق ناجز.
Leave a Reply