جيمس زغبي
يتخذ سباق الرئاسة التمهيدي فـي الحزب «الديمقراطي» الأميركي شكل منافسة مذهلة بين آراء الناخبين فـي شخصيتين سياسيتين متمايزتين. ويجد البعض هذه الحالة مربكة، اعتقاداً منهم بأن الانتخابات كان ينبغي أن تصبح «لقمة سائغة» لهيلاري كلينتون، وهي سيدة أولى سابقة، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك مرتين، ووزيرة خارجية سابقة. وأما المنافسة القوية من عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي عن ولاية فـيرمونت «بيرني ساندرز»، البالغ من العمر 74، فهي أمر مثير للدهشة.
وتؤكد نتائج الانتخابات أن الفجوة التي كانت شاسعة بين المتنافسين ضاقت فـي الوقت الراهن، فهما متقاربان فـي آيوا، وقد هزم ساندرز بقوة كلينتون فـي نيوهامبشير. وجمع أيضاً تبرعات لحملته أكثر منها فـي كانون الثاني (يناير) الماضي، وجميعها من صغار المتبرعين الأفراد، وهو ما يضع علامة تعجب أمام قدرته على جمع الأموال، وخصوصاً بعدما حصل على ثمانية ملايين دولار عقب انتصار نيوهامبشير، كلها من متبرعين عبر الإنترنت.
وفـي محاولة لفهم ظاهرة ساندرز، حددت مجموعة من العوامل التي تبدو مهمة فـي هذه المنافسة، وبعض هذه العوامل مرتبطة بقضية ما، وبعضها بـ«قضايا كبرى».
فمن ناحية، تنافس كلينتون على برنامج ليبرالي معتدل تقليدي، وتعول على خبراتها وسجلها فـي «إنجاز الأمور». وتنطوي خطاباتها على مجموعة من البرامج التي تقترح تنفـيذها، والقضايا التي ستدافع عنها، وتتعهد بالدفاع عن حقوق المرأة والأطفال، والأسر العاملة، والمهاجرين، والرعاية الصحية والحقوق المدنية وغيرها، وتطرح تغييرات إضافـية ولكن حقيقية، وفـي الوقت ذاته، تصر على أنها ستكون مسؤولة بصورة فعلية، وأنها ستساند سياسة خارجية قوية، من شأنها الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ومن ناحية أخرى، يروج خطاب ساندرز المربك نغمة منفردة فـي الداخل هي حقيقة أن الاقتصاد والسياسة الأميركية يهيمن عليهما حفنة من المليارديرات الذين «أفسدوا» النظام لتأييد مصالحهم على حساب الأغلبية. وبإرساء هذا الأساس، يدعو ساندرز إلى «ثورة سياسية» من شأنها حشد الناخبين للمطالبة بتمهيد الميدان لطرح برامج باهظة التكلفة مثل مشروع «الرعاية الصحية العالمية» و«التعليم الجامعي المجاني». ويقترح دفع مقابل هذه التكاليف من خلال فرض ضرائب على جميع الأثرياء وسلوكيات «وول ستريت» المفرطة. ويؤكد على انتهاج سياسة خارجية أكثر تحفظاً من شأنها تفادي الحروب غير المسؤولة المكلفة، التي لا يمكن الانتصار فـيها.
وحجة ساندرز أن شعاره هو الوضوح الشديد، ولأن برامجه ومقترحاته جميعها ترتكز على فلسفة سياسية واقتصادية متماسكة، فإن رسالته تجد صداها بسهولة أكبر لدى كثير من الناخبين. وهذا الوضوح هو أمر لطالما امتلكه «الجمهوريون» وافتقر إليه «الديمقراطيون». وفـي الوقت الذي يستطيع فـيه «الجمهوريون» الحديث عن «حكومة صغيرة وحرية الأفراد»، لا يستطيع «الديمقراطيون» سوى الرد بمجموعة محيرة من البرامج والقضايا التي تفتقد أي شعار محوري جاذب، ولكن مع ساندرز، أصبح بمقدور «الديمقراطيين» الرد بشعارات على شاكلة «الحكومة تهتم» و«نحن جميعاً مهمون».
وتنتقد كلينتون برنامج ساندرز، واصفة إياه بأنه «لا يمكن إنجازه» و«تفاحة فـي السماء»، معتبرة أن نهجها «واقعي تدريجي» وحقيقي، غير أن «الديمقراطيين» والمستقلين، الذين ربما لا يتفقون مع فلسفة «ساندرز» أو حتى يعتقدون أن مقترحاته الفضفاضة سيتم تنفـيذها، يشاركونه الغضب من التأثيرات المزعجة لغياب المساواة، وقد أسَرتهم حملته الانتخابية. بيد أن الأكثر أهمية هو حقيقة أن الناخبين، سواء أكانوا يتفقون مع برنامج «ساندرز» أو يعارضونه، يثقون فـيه بدرجة كبيرة، ويعتقدون أنه يعني ما يقول، ويشعرون بأنه يهتم حقيقة بمخاوفهم، وقد توصلت إلى هذه النتيجة بوضوح من خلال مناقشاتي مع عدد كبير من الناخبين الذين التقيتهم فـي عدد من الولايات، ومن خطابات تلقيتها من آخرين أعربوا عن وجهة نظرهم بشأن كلي المرشحين، ولابد من تفهم ردود أفعالهم ومواقفهم التي اتضحت من خلال الانتخابات الوطنية.
وفـي هذا الصدد، تبدو نتائج المنافسة فـي آيوا ونيوهامبشير دالة بدرجة كبيرة، إذ تساعد فـي وصف مواقف الناخبين الذين يؤيدون كلي المرشحين. فكلينتون تفوز بسهولة فـي أمرين هما: «الخبرة الملائمة لكي تكون رئيسة» و«أنه يمكنها الفوز فـي الانتخابات العامة فـي نوفمبر» ومن جهة أخرى، يهيمن ساندرز بقوة فـي أمرين هما: «أنه أمين وجدير بالثقة» و«أنه يهتم باحتياجات الأشخاص العاديين» وبالطبع فهذه «قضايا كبرى» تصب فـي مصلحة ساندرز وبدرجة ما تجعل قاعدة تأييده متداخلة مع ما كان يسمى بـ«ائتلاف أوباما»، الذي تضمن الناخبين الشباب.
Leave a Reply