عريب الرنتاوي
تنصرف أنظار المجتمع الدولي إلى المأساة الإنسانية التي تعتصر السوريين على أرضهم وخارجها، والسوريون يستحقون كل الرعاية والاهتمام، بيد أن أحداً لا يتوقف أمام مأساة إنسانية لا تقل بشاعة، يتعرض لها ملايين اليمنيين، ومنذ عام تقريباً… ولولا بعضٍ من التقارير الصادرة عن منظمات إنسانية وحقوقية، كشفت عن بعض وجوه هذه المأساة، والتي ترقى إلى مصاف جرائم الحرب، لضُرب جدارٌ من الصمت، حول هذه «الحرب المنسية» بكل كوارثها وأهوالها.
والمؤسف حقاً، أن ثمة ما يشبه «حالة التواطؤ المتبادل» التي تلف الأزمة اليمنية، لكأن هناك ضوء أخضر «مفتوح» للاستمرار فـي عمليات الحصار والقتل الجماعي والتدمير «المنهجي المنظم» للبشر والشجر والحجر … فالموفد الأممي يطل بين حين وآخر، وعلى فترات متباعدة، على الرأي العام العالمي، بتصريحات متلعثمة وخجولة، عن «جهوده المستمرة» لاستئناف المفاوضات، والأمم المتحدة بالكاد تأتي على ذكر اليمن، والقطبان الدوليان، لديهما ما يشغلهما من أولويات، والعرب غارقون فـي حالة صمت متواطئ ومخجل.
عشرون مليون يمني، بحاجة للمساعدة الإنسانية، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، واستهداف المدنيين يتم بصورة «منهجية منظمة» وفق التقارير ذاتها، التي تتحدث عن دلائل قوية تشير إلى احتمال اقتراف «جرائم حرب» هناك… البلد الفقير، يزداد فقراً، وسكانه يعضهم الجوع بأنيابه الحادة، مدارسهم ومستشفـياتهم وبناهم التحتية الهزيلة أصلاً، لم يبق منها حجر على حجر، أما الطعام والدواء والماء الصالح للاستخدام البشري فقد بات ترفاً بعيد المنال. يزداد المشهد بؤساً إذ نرى يمنيين، وبعضهم نشطاء حقوق انسان جعلوا من أنفسهم شعراء لقبائلهم المتناحرة، لا يترددون فـي إظهار مشاعر النشوة بانتصاراتهم المجللة بالخزي والعار، أو الشماتة بعذابات أبناء جلدتهم فـي الخندق الآخر، فتلك حكاية أخرى، عن التردي الأخلاقي والانهيار القيمي… يساريون وإسلاميون وليبراليون وناصريون وبعثيون، تحوّلوا إلى معاول قتل وتهديم وتدمير لبلدهم وشعبهم ومجتمعهم، ودائماً تحت إغراء المال الأسود أو الشغف الشبِق بالسلطة.
لكأننا أمام حكاية «موت معلن»، نتتبع من خلالها، فصول الموت البطيء بالجملة والمفرق، فـي تعز ومأرب وصنعاء والحديدة وصعدة… أهل هذه البلاد، ليسوا سوى «حشرات»، تتردد «الفضائيات إياها» حتى فـي ذكر أعداد قتلاهم وجرحاهم، دع عنك، رواية حكاياتهم الإنسانية وأحلامهم المتكسرة على صخرة الصراع المذهبي وحروب المحاور وعواصف الجوار.
حتى الذين اتهموا بدعم «المتمردين» وإثارة الفتنة فـي اليمن الذي كان سعيداً فـي غابر الأزمان، أسلموا اليمنيين لمصائرهم، فـيما يشبه «اتفاق الجنتلمان» لتوزيع لمناطق النفوذ و«المجالات الحيوية» للدول المصطرعة… ولولا بعض التغطيات فـي الفضائيات المحسوبة على هؤلاء، لظننا أنهم «رفعوا الراية البيضاء»، وسلموا اليمنيين لأقدارهم المجهولة والدامية… هؤلاء، من موسكو إلى طهران، يلزمون صمت القبور، حتى أنهم لا يستحثون إسماعيل ولد الشيخ أحمد على تكثيف مساعيه، ولو من باب ذر الرماد فـي العيون.
وعند النظر إلى مستقبل هذا البلد بأهله وجيرانه والمحتربين فـيه وعليه، تسري القشعريرة فـي العروق… فمن ذا الذي سيكون مؤهلاً ومقتدراً على إعادة إعماره، سيما فـي ظل موجة الجفاف التي تجتاح أسواق النفط وعائداته؟… وبفرض توفرت الموارد لإعمار الحجر، فمن ذا الذي سيقوى على رتق الشقوق وإعادة تجميع المُزق التي انتهى إليها البشر واجتماعهم البشري؟… وبفرض هزيمة الحوثيين، من ذا الذي سيضمن أن اليمن لن يستحيل إلى ليبيا ثانية، كملاذ آمن لداعش والقاعدة؟… والأهم، من قال إن اليمن، سينتهي يمنَين فحسب، ألسنا سائرين صوب «يمنات» متعددة، قد تصل إلى أصابع اليد الواحدة أو تزيد؟
وها هم يتسابقون على تقاسم جلد الدب قبل اصطياده… من جزيرة سوقطرة مروراً بعدن وانتهاء بأحواض النفط والغاز فـي الجوف وغيرها من المناطق الحدودية… لكأنه لم يكف اليمن ما تعرض له من قضم متدرج لموارده وأراضيه من قبل، حتى يتعرض من بعد لمزيد من الاستقطاعات والاستحواذات.
لن نلوم اليمنيين بعد اليوم، إن هم طووا صفحة «الأشقاء العرب»، فلقد تجاهلهم العرب طويلاً، وعندما قرروا زيارتهم فـي مدنهم وبلداتهم وجبالهم، جاؤوهم على ظهور الدبابات وأجنحة الطائرات والصواريخ، محملين بالموت والخراب، بدل «الأمل» والإعمار … كان الله فـي عون اليمن واليمنيين.
Leave a Reply