خليل إسماعيل رمَّال
لو كان فـي بئس الوطن ذرة من الشرف الوطني لرمى «هِبات» آل سعود فـي وجوههم وأنهى زمن الشحادة والتسكع والتزلُّف على أعتابهم ولاكتفى بالكرامة والشهامة والعزة التي شرَّفته بهم المقاومة. لكن الذي حصل أنه رغم الإهانة التي وجَّهوها لابتزاز البلد الذي «من دون دف بيرقص»، حمي وطيس جوقة المتزلِّفـين الزاحفـين المتملقين من وحوش المال السياسيين الذين لم يعرفوا فـي حياتهم إلا التبعية والارتزاق على فتات الغير لأن تركيبة هذا النظام المارق، على شاكلتهم، هي تركيبة زبائنية خدماتية خانعة.
لو كان مسخ النظام عنده ذرة من كرامة لتبنى ووافق فوراً بعد الإذلال السعودي على العرض الإيراني بتسليح الجيش اللبناني مجَّاناً أو حتى الروسي، وهذان العرضان قُدِّما بلا شروط ولا قيود حول كمية ونوعية السلاح الذي كانت العائلة الوهَّابية تريد «وهبه» للبنان حسب الشروط الإسرائيلية، أي ابقاء الجيش ككتيبة كشفـية مكشوفة أمام قدرات العدو الهائلة والتكفـيريين الوهابيين.
لقد فعلها آل سعود بإعلان حربهم المجنونة على لبنان بعد سوريا والعراق واليمن، وأرسلوا مُواطِنهم السعودي إلى عرين الأسد بقدميه فـي مهمة غامضة ومحيِّرَة ليست بوضوح ذهابه إلى باكستان كعضو من ضمن حاشية سعودية للوساطة. فبئس المنبطحين من الفريقين الذين أرادوا إسترضاء مملكة تريد الشر للبنان (البيان الوزاري كان لا يجب أنْ يقبل به ٨ آذار). لقد تضمَّنتْ إنجازات عودة سعد الحريري إلى وطنه الثاني إلغاء الهبتين وتسعيرالفتنة المذهبية واللعب على وتر الإستقرار فـي البلد كرمى للسعوديين والتلويح والترويج لطرد اللبنانيين المقيمين فـي الخليج والتأكُّد حالياً من إسقاط الحكومة غير المأسوف عليها. ورغم إهانة الوهابيين بالطلب من أشرف ريفـي الاستقالة كصفعة فـي وجهه (وأخيراً، درب يسد ما يرد) إلا أنَّ الحريري، الذي لم يدفع رواتب موظفـيه منذ ٥ أشهر ومفلِّس بسبب غيرة محمد بن سلمان من تملكه لشركة «سعودي أوجيه»، بدأ حملة تواقيع على عريضة رمزية لإستجداء مليكه واستعطافه فوقف بالصف لتوقيعها «صغار ١٤ الشهر» وغيرهم فـي مشهد يُذكِّر كيف اصطفوا كلهم سابقاً لتقديم التهاني للسفـير السوري فـي عيد استقلال بلاده بعد ٢٠٠٥. لقد كان مشهد الوجوه الكالحة مُخزياً وهي تمارس الرياء والبغاء مع عريضة على الحائط وبعضهم ركع على قدميه لكي تشهد له عند الملك والأمير. هذه الوجوه هي نفسها التي كانت تقبِّل أيادي غازي كنعان ورستم غزالة، ولحم أكتافها من سوريا رغم ادعائها بمقاومة الوجود السوري وبالعنتريات بعد «ثورة اليقطين».
لكن لا جولة سلام المُقتَرَحَة ولا البيان الوزاري المحابي ولا العويل والتضرع نفع مع آل سعود الذين صعَّدوا، مع أذنابهم الخليجيين، من عقوباتهم على لبنان وسط تقاعس «نيام ٨ آذار» وصمتهم المخزي لولا مواقف البطلين الوطنيين الشريفين الوزير وئام وهَّاب والعميد مصطفى حمدان. ربَّما صعِّد آل سعود ضد لبنان بعد الظن بأمير الكبتاغون من قبل الإدِّعاء العام ويريدون إطلاق سراحه وهو الذي كان يعمل عليه أشرف ريفـي وعندما لم يحصل هذا الأمر قدم استقالته.
اَل سعود منكسرون مالياً وسياسياً وعسكرياً وهم لا يدفعون رواتب موظفـيهم مما سيؤدي الى ترحيل العديد من العمال من أجل عصر النفقات ولكنهم يريدون إسباغ الصفة السياسية على استردادهم للهبتين وطرد العاملين اللبنانيين. ووفقاً للحاج عمر غندور تشير الوقائع والأرقام إلى أن الهبة السعودية لم تكن إلا حبراً على ورق لوَّح بها آل سعود لاستجرار مواقف سياسية مؤيدة قد يحتاجونها فـي اندفاعتهم المتهورة واقامة الأحلاف العسكرية المذهبية. هذا فـي السياسة أما فـي لغة الأرقام فالسعودية تعاني عجزاً تراكمياً فـي ميزانيتها بلغ ٧٦٨٧٧ مليون دولار أي ما يعادل ٤٨.٤ بالمئة من إجمالي العجز التراكمي لموازنات الدول الخليجية الست مجتمعة والبالغ نحو ١٥٨٩٤٣ مليون دولار على مدى ست سنوات من العام ١٩٩١ إلى العام ١٩٩٦ والسبب هدر ايرادات النفط لتغطية أكلاف التدخلات العسكرية الأميركية وتمويل العمليات المستجدة لشراء السلاح الأميركي فـي حرب الخليج الثانية وحرب «تحرير الكويت» مما أدى الى عجز فـي موازنات الدول الخليجية للسنوات الست القادمة.
واليوم تحتاج السعودية، بعد العدوان الجائر على اليمن، إلى ٥٠ مليار دولار لتمويل المغامرة المسعورة، وقد بلغ عجزها فـي العام الماضي حوالي ٩٨ مليار دولار سددت منه ٢٠ مليار من المصارف المحلية وباعت ٧٠ مليار من أصول اموالها المودعة فـي الخارج لتغطية نفقات ميزانيتها. وليس بعيداً عن الحقيقة ما دعت اليه مجلة «ديفنس» بالتحضر لما بعد انهيار مملكة عائلة سعود لأنها أبعد ما تكون عن دولة متكاملة.
فليركب السعوديون أعلى ما فـي خيلهم لأن ابتزازهم لن ينفع الشرفاء وسيضر فقط بأتباعهم من الوهابييين الدواعش. ومن سخريات القدر إكتشاف حاشية آل سعود أن لبنان بلد عربي وطلبها التوقيع على «وثيقة عروبة لبنان» بعد أنْ نسي السعوديون قضية فلسطين وتحالفوا مع الصهاينة فـي حرب لبنان ورغم أنَّ المقاومة بدماء شهدائها هي التي حافظت على عروبة البلد وسيادته. ومن مآسي هذا الزمن الرديء أنْ يتحسَّر أنطوان زهرا أمام سفارة آل سعود على عروبة لبنان! لبنان ليس للبيع لأحد ولا للارتهان، ومجد لبنان مقاومته التي أعطيت له.
Leave a Reply