فاطمة الزين هاشم
كلفت فـي الأسبوع الماضي مع الزميل كريم بالمشاركة فـي برنامج «الصندوق الأسود» الخاص بالإعلامية عفاف أحمد الملقّبة بـ«الديفا» بسبب ارتباطاتها السابقة، فكانت حلقة البرنامج ناريّة بامتياز فور طرح سؤال «لماذا يلجأ الرجل إلى امرأةٍ أخرى وهو مازال متزوجاً؟»، حيث دارت حرب شعواء بين الرجال والنساء، إذ أدلى كلّ بدلوه وحسب إحساسه بدرجة جرحه وعمقه، ثمّ فُتح باب الإتصالات، فجاء أوّل اتّصال من سيّدة مقيمة فـي كندا، فراحت تكيل الإتّهامات للزوج الخائن فأخرجته من حضيرة البشر حتّى نعتته بأنه «نسونجي وعينه بلقة».
وعلى الرغم من أنّي أحترم رأي كلّ إنسان، إلّا أنني قدّرت من نبرة صوتها العالية بأنّ مثل هذه السيّدة مجروحة بألم يصل عمقه إلى الكبرياء فأسوّغ ما تعانيه إذ لا يأتي الرأي أو الكلام من فراغ، يقول المثل «الإناء ينضح بما فـيه» إن كان سلباً أو إيجاباً.
وعلى الطرف الآخر لم يترك الرجال الحبل على الغارب، فراحوا ينعتون الزوجات بمختلف أنواع التقصير، منها انعدام الإهتمام بالزوج أو قضاء الوقت فـي صالونات التزيين وتدخين الأرجيلة وإحياء الجلسات الصباحية باحتساء القهوة، أو عدم تحضير الطعام فـي المنزل للعائلة والإتّكال على شراء الوجبات الجاهزة من المطاعم وإهمال تنظيف المنزل جنباً إلى جنب إهمال العناية بالأولاد، وهنا بدأت المناوشات بين الطرفـين حتّى تخيّلت أنّ الحلقة لو امتدّت زمنيّاً إلى الساعة لاستعنّا بالبوليس الدولي بغية فكّ الإشتباك.
حاول الزميل مقدّم البرنامج أن يلطّف الأجواء بتقديم النصيحة لكل طرف، وذلك بالرجوع إلى أصل إقامة العلاقة الزوجية وما تنطوي عليه من سبل المسامحة والتراضي الجميل من أجل تمشية مسيرتها نحو التفاهم المشترك، كما عاضدته أنا أيضاً بتلطيف تلك الأجواء مستندة إلى إلقاء مقاطع شعريّة استمددت فحواها من إيحاءات النقاشات.
والظاهر أنّ من صلب هذه الحلقة قد صعدت إلى السطح مواجع كثيرة حيث نُبشت الخبايا وأوقظت الأحاسيس السلبية النائمة، كأنّما كانت فرصة متاحة للإفصاح عن مكامن وحقائق ومطالبات من النساء تُفضي بأنّ على الزوج أن يعترف لزوجته بخطئه والتراجع عمّا بدر منه من خيانة ويحاول الإعتذار ويُظهر الندم أمامها ليسترجع ثقتها به ويطمئنها بأنّه لن يكون إلّا مخلصاً لها ووفـيّاً لعهدها ولن يعود إلى خطئه مهما حصل، ومن ثمّ يترك القرار للزوجة فـي أن تتغاضى عن الواقع الموجع الذي أحاط بها وتفكّر فـي أيّ نهر تسبح، إذ أنّ مثل هذا التصرّف سيفقدها شهيّة الكلام ويعيدها إلى الهدوء.
ومن المعروف أنّ المرأة لا تميل إلى الرجل المكابر العنيد الذي يرفض الإعتراف بأخطائه أو الذي يصرّ عليها بتسويغات غير منطقيّة، فالمصارحة والمكاشفة هي طريق للتفاهم وإذابة الجليد فـي العلاقة الزوجية وليست استفزازاً واختباراً للقوى كما أنّها ليست تحقيقاً جنائيّاً فـي نهاية المطاف.
لقد بيّنت التجارب العديدة بأنّ المرأة تجد فـي اعتراف زوجها بأخطائه نوعاً من العزاء لتبرّر احتضانها له، ذلك لأنّ البداية التي جمعتهما يجري سريانها فـي أنساغ العلاقة على مرّ الزمن جريان المياه فـي الأنهار، مثلما هي الباعث على إنعاش الذاكرة بوقائعها الرومانسية الجميلة ممّا يتيح إزالة التشنّج وقبول الإعتذار، بدلاً من إصرار الزوج على الخطأ الذي يجعله يتدحرج أمامها من أعلى سلّم القيم العظيمة غباءً أو تواطؤاً، والزوجة إذا أرادت أن تعرف عن زوجها شيئاً فإنّها لا محالةَ ستعرف تفاصيل حياته إن عاجلاً أو آجلاً وعلى الزوج أن لا يستهين بقدراتها أو ذكائها فـي هذا المجال، وإنّ تغيّر أية لمسة من لمسات زوجها فـي تعامله معها توحي لها بما يفعل خارج المنزل أو فـي غيابها فالمعالم لا تختفـي وراء غروب الشمس.
إذن الإعتراف بالحقيقة هو سيّد الموقف، إذا عرفنا بأنّ الغالبيّة العظمى من النساء هنّ طيّبات القلب ولا يُردن خراب بيوتهنّ، كما أنّ ليس من السهل على الزوجة أن تنسى خيانة زوجها، لكنّها تجنح إلى المسامحة إذا لمست من زوجها صدق النيّة وتوجّهه فـي البعد عن تجريحها أو المسّ بكرامتها، عدا عن تمسّكه بالحفاظ على أسرته واتّخاذ الموقف الصارم إزاء التعرّض لها حتّى من أقرب الناس إليه، لأنّ فـي النهاية لا يصحّ إلّا الصحيح ولن ينفعه سوى زوجته وأولاده، وكل من يصوّر له غير ذلك إنّما ينطلق من منفعة خاصّة أو لوضعه فـي المكانة التي لا تليق به ومن ثمّ يكون فريسة سهلة لألسنة الناس التي لا ترحم، أبعدكم الله عن مسالخها وعوائها.
Leave a Reply