صحيح أن الرئيس الأميركي يحكم البلاد لمدة أربع سنوات، ويمكن إعادة انتخابه لولاية ثانية، إلا أن السباق الرئاسي لعام 2016 يبدو بالنسبة للأميركيين مفصلاً مصيرياً وحاسماً للاتجاه الذي ستسلكه البلاد فـي المستقبل، وذلك بسبب تباعد وجهات نظر المرشحين من أقصى يمين الجمهوريين الى أقصى يسار الديمقراطيين، حيث يحتدم الصراع على الضفتين، بين مرشحي «مؤسسة الحزب» من جهة، ومرشحين متمردين على الحزب نفسه من جهة أخرى، تغذيهم تيارات شعبية واسعة من مناصري تيار «حزب الشاي» المحافظ وحركة «احتلوا وول ستريت» اليسارية المناهضة لجشع البنوك والشركات الكبرى.
ونظراً لتباعد مواقف ورؤى المرشحين، ليس هناك من أدنى شك بأن هوية المرشح الفائز فـي الإنتخابات الرئاسية المقررة فـي تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ستحدد مسار العديد من الشؤون الداخلية والخارجية على حد سواء، من التعليم الى الرعاية الصحية وقوانين الهجرة والمناخ والبيئة والحريات والدستور والسلاح… الى الضرائب والديون والحدود… تختلف وجهات نظر المرشحين المتنافسين الى حد التنافر. ومع مغادرة الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض، ستكون الولايات المتحدة على مفترق طرق فعلي، يضع جميع الأميركيين، بمن فـيهم العرب والمسلمون الأميركيون، أمام مسؤولية الانتخاب.
وجرياً على عادتنا فـي الانتخابات الرئاسية التمهيدية -عندما تحط رحالها فـي ميشيغن- ارتأت «صدى الوطن» فـي هذه الدورة الانتخابية -وبعد نقاشات مطولة بين أعضاء هيئة التحرير- أن تتخذ قرار دعم ترشيح السناتور بيرني ساندرز عن الديمقراطيين، فـيما قررت الامتناع عن دعم أي من المرشحين الجمهوريين، مع حرصها على التأكيد على أهمية المشاركة الانتخابية للجمهوريين العرب أو من تبقى منهم بعد سنوات المحافظين الجدد العجاف.
وبعد متابعة لصيقة ومواكبة لحملات المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين، وتاريخهم السياسي، قررت «صدى الوطن» دعم المرشح بيرني ساندرز رغم الشكوك بحظوظه فـي مواجهة مرشحة «مؤسسة الحزب» هيلاري كلينتون التي حققت انتصارات لافتة، وإن لم تكن حاسمة، فـي انتخابات «الثلاثاء الكبير» وتشير استطلاعات الرأي بأنها تتجه لنيل ترشيح الحزب فـي مؤتمره الوطني المقرر عقده فـي تموز (يوليو) القادم فـي فـيلادلفـيا.
وهنا بالضبط يكمن مربط الفرس، فإن فوز ساندرز بعدد كبير من المندوبين الذين سيشاركون فـي المؤتمر يمنحه أرضية أوسع لطرح أجندته التقدمية والليبرالية.
مع سناتور ولاية فـيرمونت، لدينا فرصة تاريخية لانتخاب سياسي أمين لمبادئه التي حافظ عليها منذ نشاطه المبكر ومشاركاته فـي التظاهرات المؤيدة لحركة الحقوق المدنية وصولا إلى تصريحاته المتلفزة خلال حملته الانتخابية حيث قدّم نفسه كديمقراطي اشتراكي، مرورا بأدائه فـي الكونغرس الأميركي، سواء كنائب عن ولاية فـيرمونت فـي الفترة ما بين 1991 و2007 أو كسناتور عن الولاية، وهو المنصب الذي يشغله حاليا فـي مجلس الشيوخ الأميركي.
داخل الكونغرس الأميركي، قدم ساندرز -كنائب وكسناتور- ودعم مشاريع قوانين لا تحصى لإعادة تنظيم «وول ستريت» وحماية البيئة الاقتصادية والمالية من جشع الشركات العملاقة، المعروفة برأسماليتها المتوحشة. ولأن معظم العائلات العربية الأميركية تندرج ضمن الطبقة المتوسطة التي تعمل بكد من أجل تحسين ظروف حياتها وحياة أبنائها، فإن لها مطلق المصلحة بفوز ساندرز الذي يعد ناخبيه ببرامج اجتماعية وقوانين ضريبية معتدلة.
كما يطرح ساندرز وعوداً بتخفـيض تكاليف الدراسة الجامعية وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، وسيصب فـي مصلحة جاليتنا العربية التي يقبل أبناؤها على التعليم الجامعي والتعليم العالي وغالباً ما يتخرجون محملين بديون بعشرات آلاف الدولارات.
قبل انتخابه للكونغرس الأميركي، شغل ساندرز منصب رئيس بلدية مدينة برلينغتون (فـيرمونت)، كما درّس العلوم السياسية فـي كلية «كينيدي لشؤون الحكم» فـي جامعة «هارفرد».
وفـي مجال السياسة الخارجية، فقد قدّم ساندرز مقاربة شبه متوازنة حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومع أن رؤيته فـي هذا الخصوص لا ترقى إلى مستوى تطلعات العرب الأميركيين الذين ينتظرون ويأملون أن تتخذ واشنطن موقفا صريحا ضد الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن دعوته إلى إنهاء الحصار على قطاع غزة هي خطوة فـي الاتجاه الصحيح، كما أن إدانته للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف وتقتل المدنيين الفلسطينيين لم يسبق لها مثيل من قبل أي مرشح رئاسي جدي.
صحيح أن ساندرز يهودي، ولكننا فـي هذه الصحيفة، لا نحدد موقفنا من الأشخاص على أساس عرقي أو ديني، فالكلمة الفصل هي للسلوك والقرار السياسيين، والنهج والمبدأ، وقد كانت مقارعة الصهيونية، كحركة سياسية بالدرجة الأولى، فـي صلب أدبيات المقاومات العربية والطروحات النضالية الفلسطينية، ولم يتم استعداء ومحاربة اليهودية، كدين سماوي يكن له العرب والمسلمون والمسيحيون كامل الاحترام.
كما أدان ساندرز تمويل حملات المرشحين الرئاسية، حيث تتحكم حفنة من الأثرياء بنتائج الانتخابات مما يقوّض المبادئ الديمقراطية الأساسية. وفـي السياق ذاته، فإن التأثير المالي على قرارات الإدارة فـي واشنطن بات معروفا، فالأداء الأميركي السياسي غير العادل فـي الشرق الأوسط مثلاً مدفوع بتأثير بعض المجموعات ذات المصالح الخاصة. وبالتالي فإن نظاما تمويلياً للحملات الانتخابية متوازنا سيكون من شأنه خلق توازن فـي مختلف أوجه السياسة الأميركية، الداخلية والخارجية، بحسب ساندرز، الذي رفض تمويل هؤلاء الأثرياء لحملته الانتخابية، وفضّل أن يكون خصما عنيدا للشركات العملاقة وأصحاب المصالح الخاصة معتمداً فقط على صغار المتبرعين.
إن متوسط التبرعات لحملته الانتخابية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام 2015 بلغ 27 دولاراً، وهذا يعني أن سياسته الخارجية فـي حال وصوله إلى البيت الأبيض لن تمليها الشركات المصنعة للأسلحة التي تروج للحروب من أجل زيادة أرباحها الخرافـية، ولن تمليها الجماعات «المسيحية الصهيونية» التي تضغط على صناع القرار فـي واشنطن من أجل دعم إسرائيل لأسباب عقائدية منحرفة.
فـي العام 2002 صوّت ساندرز -كنائب فـي الكونغرس الأميركي حينها- ضد قرار الغزو الأميركي للعراق، فـيما صوّتت منافسته كلينتون، التي كانت فـي الوقت ذاته سناتورا عن ولاية نيويورك- لصالح القرار الذي أدى فـي نهاية المطاف إلى تدمير بلاد الرافدين وإشاعة الفوضى (غير الخلاقة) فـي الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى إلى فتح «صندوق باندورا» -كما يقول الأميركيون- حيث يمكن اعتبار وحشية تنظيم «داعش» الإرهابي واحدة من مظاهره.. ليس إلا، فـيما تتوالى الشرور والمصائب على بلدان الشرق الأوسط وتهدد بتدمير الأوطان وتمزيقها وتهجير الشعوب.
إننا فـي «صدى الوطن» لا نثق برؤية كلينتون السياسية وميولها للتدخل فـي قضايا الشرق الأوسط، ففـي العام 2012 كانت تشغل منصب وزارة الخارجية الأميركية وكانت وراء القرار الذي اتخذ بقصف ليبيا والذي أدى فـي نهاية المطاف بالإطاحة بنظام معمر القذافـي وتدمير ليبيا الممزقة بين حكومتين متعارضتين فـي ظل أوضاع إنسانية متردية وانقسامات قبلية ومناطقية بين العديد من المجموعات الميلشياوية، بما فـيها الجماعات التكفـيرية، وعلى رأسها تنظيم «داعش» بنسخته الليبية.
ومن نافل القول، أننا لم نقف إلى جانب القذافـي، لكن الطريقة الهوجائية فـي معالجة الأزمة الليبية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة، قادت إلى تمزيق ليبيا وتحطيم استقرارها وتحويلها إلى دولة فاشلة.
فـي كل الظروف، وحتى إذا لم يربح ساندرز ترشيح الحزب الديمقراطي، فإنه من المهم لجاليتنا أن تشارك فـي التصويت يوم الثلاثاء المقبل، حتى يصل صوتها ويحسب لها حساب فـي بلاد تقف على شفـير معركة انتخابية بغاية الأهمية.
يوم الثلاثاء القادم، 8 آذار (مارس) ندعوكم ألا تفوتوا الفرصة على أنفسكم. ادلوا بأصواتكم لمرشحكم المفضل.
انتخبوا بيرني ساندرز!
Leave a Reply